عندما يسمع المسلمون كلمة الشرك، فتلقائيًا تطردها آذانهم لأنها لا تخصهم، في الوقت الذي تشهد فيه قلوبهم بأنهم اتخذوا هواهم إلهًا يُعبد من دون الله تعالى:
فتفرقوا في دين الله، واستحلوا ما حرم الله، ورفعوا راية المعاصرة والتنوير على فقه الاستغفال والتحوير.
# أولًا:
كلما اقتربت من «أحكام القرآن» التي تقتلع «ما هو كائن» في حياة المسلمين من جذوره، وتكشف ما جحدوه وَاستيقنته «أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً»، وأنهم «أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً»، وألحدوا في آيات الله إلحادًا لم يفعله الكافرون.
كلما اقتربت من «أحكام القرآن» التي تستلزم التغيير الجذري، فهم غير المتابعين دوما لمنشورات الصفحة، أني شيخ أزهري، أو من شيوخ السلفية، أو من «الدواعش»، وراحوا يقولون للتابعين لهم بغير علم هذه الافتراءات … وطبعا تصفيق وإعجاب!!
* لذلك كان من الضروري أن أقول للتابعين بغير علم:
١- منذ نهاية السبعينيات، وأنا لا أنتمي إلى أي فرقة من الفرق الإسلامية، ولا كان تعليمي أزهري، ولا حصلت على درجة علمية «في الإدارة العامة» من مؤسسة دينية.
٢- صحيح كان والدي أزهري، مديرًا عامًا للوعظ بالأزهر، وإماما لأهل السنة والجماعة، ورئيسًا عاما للجمعيات الشرعية، الأمر الذي ساعدني على دراسة إشكاليات التراث الديني لفرقة أهل السنة والجماعة والوقوف على مصيبتها العقدية.
وكان لي مقال في صحيفة الأحرار بعنوان «حوار العقل»، كنت أعرض فيه بعض هذه الإشكاليات، فكان السلفيّون يكتبون في المقابل مقالات بعنوان:
«ابن إمام أهل السنة يُنكر السنة»
وطبعا هم يقصدون «السنة» على مذهب فرقة «أهل السنة والجماعة»، التي لا علاقة لي بها أصلًا، ذلك أن دائرة قضيتي كانت أكبر بكثير من دائرة فرقة واحدة من الفرق الإسلامية.
٣- ثم بدأت في دراسة إشكاليات التراث الديني لباقي الفرق والمذاهب العقدية والفقهية، وهل هي نفس إشكاليات فرقة أهل السنة والجماعة، فوجدتها نفس الإشكاليات العقدية التي تهدم هذه الفرق كلها من قواعدها.
٤- وكانت تربطني بالشيخ محمد الغزالي صداقة علمية حميمة، وعندما ذكر في كتابه «السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث» بعض هذه الإشكاليات التي وقفت عليها، كفّرته السلفية والوهابية وحكموا بردته.
فأرسلت إلى الدكتور عبد الله المشد «رئيس لجنة الفتوى» وقتها، هذه الإشكاليات، طالبًا من لجنة الفتوى دراستها بهدف إصدار فتوى بعدم تكفير من ينكر استقلال السنة بالتشريع.
وفعلا، وفي «١-٢-١٩٩٠م» جاء رد لجنة الفتوى الرسمي، المختوم بـ «ختم النسر»، والذي لا يملكه أحد غيري، وقالت بعد استعراض أهم الإشكاليات العقدية التي وردت في دراستي:
«وعلى هذا، فمن أنكر استقلال السنة بإثبات الإيجاب والتحريم، فهو منكر لشيء اختلف فيه الأئمة، ولا يعد مما علم بالضرورة، فلا يعد كافرًا».
وأرسلت صورة الفتوى لفضيلة الشيخ الغزالي، وقام بنشرها في أول كتاب صدر له بعد تكفيره، وهو كتاب «تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل – الفصل التاسع – على هامش السنة – ص ١٧٥».
٥- تفرغت لدراسة وتدبر القرآن، وعلمت أن «الآية الإلهية» التي أيد الله بها رسوله محمدًا، والدالة على صدق نبوته، «آية عقلية» حملها القرآن في ذاته، فسمّيتها في توجهي الديني نحو إسلام الرسول: «الآية القرآنية العقلية».
هذه «الآية القرآنية العقلية» التي هي الباب الوحيد للدخول في «دين الإسلام»، فلا يصح إيمان ولا إسلام المرء، إلا بعد الإقرار بصدق هذه «الآية القرآنية العقلية».
٦- وأثناء تدبري لنصوص هذه «الآية القرآنية العقلية»، إذا بي أقف طويلًا أمام قول الله تعالى مخاطبًا رسوله محمدًا والذين آمنوا معه:
«مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ – وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ – وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً – كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
عندها خلعت ثوب «التدين الوراثي»، وثوب «التراث الديني» لجميع الفرق الإسلامية، ومن يومها وأنا أدعو «الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً» إلى إعادة الدخول في «دين الإسلام» من بابه الصحيح، الباب الوحيد أمامهم، وهو باب الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية».
٧- وعندما تكون نصوص «الآية القرآنية العقلية» هي المرجعية الدينية الوحيدة لدخول الناس في «دين الإسلام»، كان لابد أن تحمل في ذاتها المنهجية والأدوات العلمية اللازمة للتعامل هذه النصوص وفهم كلماتها.
ولقد كانت منهجية التعامل مع نصوص «الآية القرآنية العقلية» والأدوات المستنبطة منها، حسب توجهي الديني «نحو إسلام الرسول»، هي:
(أ): اللسان العربي
(ب): السياق القرآني
(ج): آليات عمل القلب
(د): آيات الآفاق والأنفس
(هـ): منظومة التواصل المعرفي
و«منظومة التواصل المعرفي» هي المحور الأساس الذي تدور حوله الأدوات السابقة.
وانطلاقا من هذه المنهجية العلمية القرآنية، والأدوات التي حملتها، بدأت أتعامل مع القرآن، وأُبيّن للمسلمين «ما يجب أن يكون»، وأن عليهم جميعًا:
– خلع ثوب الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا:
* السلفيّون والتنويريّون الغرقى في مقبرة تراثهم الديني.
– خلع ثوب الإصرار على استحلال ما حرم الله:
* المسلمون المصرّون على عدم الالتزام بأحكام القرآن كما أنزلها الله، بدلالات كلماتها اللسانية التي حفظها الله في معاجم اللغة العربية، وليس بدلالاتها الإلحادية التي لا محل لها من الإعراب.
فإذا لم يخلع المسلمون الثوبين، ماتوا مشركين، لأنهم فضلوا «شرك الهوى» على اتباع «كلام الله» الذي فهمه قوم النبي، ولم يسألوا عن معناه، حتى يأتي «ملحد جاهل» ويقول لنساء المسلمين:
اظهروا زينتكم في الشوارع، وعلى الشواطئ، وفي صلاتكم، لأن الله لم يُحرم إلا إظهار الثديين والفرج والإليتين!!
# ثانيًا:
فأنا لست شيخًا أزهريًا، ولا قرآنيًا، ولا تنويريًا، ولا شحروريًا:
أنا مؤمن أسلمت وجهي لله، ودخلت في «دين الإسلام» من باب «الآية القرآنية العقلية»، وعندما أنقد أو أنقض أفكار الآخرين يكون ذلك من منطلق «الفريضة الغائبة» عن حياة المسلمين، وهي فريضة النهي «العلمي» عن المنكر.
والحقيقة أن منكرات الفيس بوك الدينية لا تحصى، ويستحيل الرد عليها كلها، ولذلك جعلت مقالاتي تتضمن الأصول العلمية القرآنية التي تهدم هذه المنكرات من قواعدها، فإذا وجدت منكرًا يمس ملة الوحدانية والفهم الواعي لأحكام القرآن، خصصت له مقالًا.
وعندما أنقل حكمًا من أحكام القرآن، أكون على يقين بصحته بنسبة ١٠٠٪، لا غرورا ولا تكبرا كما يظن «الجهال»، وإنما استنادا إلى لغة القرآن وإلى السياق.
وعلى هذا الأساس كتبت البوست السابق:
«جرائم عقدية فيسبوكية – الشرك بالله يُحبط الإيمان والعمل الصالح»
١- وأنا أسأل «المغيّبين»: متبوعين وتابعين:
كم عدد الذين أصبحوا يؤمنون اليوم، نتيجة إصابتهم بفيروس «شحرورية» بأن اليهود والنصارى مسلمون سيدخلون الجنة رغم أنف «السياق القرآني»؟!
هذا «السياق القرآني» الذي يشترط لدخول الجنة:
الإيمان أولًا بصدق «نبوة» رسول الله محمد؟!
والجواب: الآلاف!!
ولماذا؟!
لأنهم يستندون إلى «المنهجية الشحرورية العشوائية» التي لا دراية لها بعلم «السياق القرآني»، وفي مقدمة الآيات التي يستقطعونها من سياقاتها، قول الله تعالى «البقرة / ٦٢»:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا – وَالَّذِينَ هَادُوا – وَالنَّصَارَى – وَالصَّابِئِينَ – مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ – وَالْيَوْمِ الآخِرِ – وَعَمِلَ صَالِحاً – فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ – وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»؟!
فإذا بحثنا عن من هم الذين «لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» في السياق القرآني، نعلم مدى تدليس الملحدين وجهلهم بل وغبائهم، وإليكم مثالا واحدا فقط لأننا ذكرنا عشرات الأمثلة في منشورات سابقة:
يقول الله تعالى «البقرة / ١١١-١١٢» عن اليهود والنصارى في أول سياق بعد «الآية ٦٢»:
«وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»
فهل عندما يقول الله لليهود والنصارى ردا على ادعائهم دخول الجنة:
«قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»
ثم يقول بعدها:
«بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ – فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ – وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ»
هل يعني ذلك يا «أهل الجهل» أنهم سيدخلون الجنة رغم أنف الإقرار والتسليم بـ «نبوة» محمد؟!
٢- وأنا أسأل «المغيّبين»: متبوعين وتابعين:
كم عدد الذين أصبحوا يؤمنون اليوم، نتيجة إصابتهم بفيروس «شحرورية» بأن «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» سيدخلون الجنة بدون قيد ولا شرط؟!
والجواب: الالاف!!
ولماذا؟!
لأنهم «تابعون» بغير علم، لا يفقهون شيئًا عن منهجية تدبر القرآن والأدوات التي تحملها، يتعاملون مع الآيات التي وردت فيها حملة «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» بمعزل عن الآيات التي تتحدث عن أن الشرك بالله يُحبط «الإيمان والعمل الصالح».
وتدبروا «يا أهل الجهالة»، لماذا خاطب الله رسوله محمدًا بقوله تعالى:
«وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ:
* لَئِنْ أَشْرَكْتَ
* لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ
* وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ»؟!
هل هناك احتمال أن يُشرك بالله نبي اصطفاه الله لحمل رسالته؟!
فهذا خطاب لـ «الذين آمنوا» برسول الله قبل الذين كفروا به.
وماذا يعني «لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» إلا إذا كان المقصود بالعمل «العمل الصالح» المفترض أن يفعله الأنبياء والرسل؟!
إذن:
فـ «الشرك بالله» يُحبط «الإيمان والعمل الصالح» الذي يفعله المؤمنون.
وبناء عليه، تعالوا نتعلم ونعلم «أهل الجهالة» كيف يتعاملون مع السياق القرآني.
إن جميع الآيات التي تحدثت عن «الإيمان والعمل الصالح» لا تخاطب «أصلًا» إلا الذين «آمنوا» برسول الله محمد، واتبعوا رسالته، وهذه هي فائدة أن يكون متدبر القرآن على دراية بـ «علم السياق».
فهل عندما قال الله تعالى «محمد / ١-٣»:
* «الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ»
* «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»
هل توقف السياق عند الاكتفاء بـ «الإيمان والعمل الصالح»؟!
لا: وإنما اشترط أهم شروط قبول هذا «الإيمان والعمل الصالح» فقال تعالى بعدها:
* «وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ – وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ»
* «كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ – وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ»
ثم تتدبروا وعلموا «يا أهل الجهل والجهالة»:
* «ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ»
* «وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ»
* «كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ»
ثم يخرج علينا أحد «الجهال» ويُصر على أن «الإيمان والعمل الصالح» يكفي لدخول الجنة، وطبعا يجب أن نعذرهم جميعًا لإصابتهم بـ «فيروس شحرورية».
# ثالثًا:
ويظل التنويريّون يعيشون في ظلمات الجهل، وإن حصلت دراساتهم القرآنية التنويرية على «جوائز نوبل» في العلوم الدينية، وحصدت منشوراتهم آلاف المعجبين «المساكين علميًا»، لأن التنوير الحقيقي ينطلق من قوله تعالى:
«فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ – وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا – وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»
فـ «التنوير» في «دين الإسلام» لا علاقة له مطلقا بظلمات التراث الديني التي يسبح فيها كل ساعة أدعياء التنوير ونقد تراث الفرقة التي ولدوا فيها.
فمن هذا «الجاهل» الذي يُجيز رسالة علمية تقول إن «الإيمان والعمل الصالح» يكفيان لدخول الجنة، والله يشترط لقبولهما شروطًا في مقدمتها الإيمان بما أنزله الله على رسوله محمد؟!
إن «الجهابذة» الذين يُفتون في أحكام القرآن بغير علم، ودفعتهم بضاعتهم «المغشوشة» إلى أن يقولوا إن «الإيمان والعمل الصالح» يكفيان لدخول الجنة، أقول لهم:
إذا كنتم تحملون حقًا علمًا وبضاعة غير «مغشوشة» تستغفلون بها قلوب التابعين لكم بغير علم، فتفضلوا وعَلّمُونا كيف نفهم الآيات التي اشترطت لقبول «الإيمان والعمل الصالح» شروطًا؟!
وإذا كنتم تحملون حقًا علمًا وبضاعة غير «مغشوشة»، وتقولون بدخول يهودي أو نصراني الجنة لأعماله الخيرية التي شملت العالم كله، فتفضلوا وعَلّمُونا من داخل السياق القرآني كيف يدخلون هؤلاء الجنة مع عدم إيمانهم بصدق «نبوة» رسول الله محمد؟!
والحق يقال: «إن الذين اختشوا ماتوا»؟!
محمد السعيد مشتهري
* تذكر:
أني أتحدث عن «ما يجب أن يكون»، أما «ما هو كائن» فتدبر:
«وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري