نحو إسلام الرسول

(1343) 16/2/2020 على هامش منشور اليوم «وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ»

يقول Anas Kj في تعليقه:

«كلام جميل، ولكن هناك شيء غير واضح:

ومن قال إن لم تلبس المرأة الحجاب فهو حرام ومن حدود الله … أين النص الصريح الذي يقول إنه حرام؟!

أما عن الآية التي قلتها من سورة الاحزاب فهو نهي … وليس تحريم بحد ذاته … فالله ينهى ويحرم، والطبيب ينهى، وكل الناس.

لأن المرأة إذا لم تتمسك بالحجاب فستضر نفسها، لذلك نصحها الله سبحانه بالحجاب.

والله فصل الحرام … «وقد فصل لكم ما حرم عليكم»، ولم يقل فيها إنها من حدود الله أو أنه حرم ذلك»

* أقول:

هذا من ثمار شجرة «شحرور الإلحادية» التي أكلتها قلوب المساكين الذين لا يحملون علمًا، ويتبعون ما يوافق هواهم، ثم إذا بهم يرفعون راية «القرآن وكفى».

تعالوا «وباختصار شديد» نتدبر بعض آيات التحريم «قطعي الدلالة»، التي لم يحمل سياقها لفظ «التحريم»:

١- يقول الله تعالى «البقرة / ٢١٩»:

«يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا..»

إن قوله تعالى:

«فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ» بيان لـ «علة» تحريم «الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ» التي وردت في قوله تعالى «المائدة / ٩٠-٩١»:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ:

– إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ

– رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ

– فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

– إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ

– أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ

– وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ

– فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ»

(أ): ولقد حرّم الله تعالى «الإثم»، فقال تعالى «الأعراف / ٣٣»:

* «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»

* «وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ»

* «وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً»

* «وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ»

إذن فـ «الإثم» مُحرم، فما بالنا إذا كان «إِثْمًا كَبِيرًا» نص الله عليه في سياق بيان صفات الذي «عَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» فقال تعالى «الشورى / ٧٣»:

«وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ»

(ب): والسؤال:

هل «كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ» في هذا السياق ليست محرمة، لأن الله لم ينص على تحريمها صراحة، وإنما قال «اجتنبوها»؟!

إذن فماذا تقولون في قوله تعالى «النساء / ٤٨»:

* «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ»

* «وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ»

* «وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً»

فأين لفظ تحريم «الشرك بالله» في هذا السياق، أم أنه أصبح حلالًا لأنه «إثم عظيم» فقط؟!

(ج): إذن فعندما يقول الله تعالى عن الخمر والميسر:

– «قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا..»

ويقول تعالى:

– «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»

ويقول تعالى:

– «فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ»؟!

(د): وعندما تعلم أن «الاجتناب» لم يأت متعلقًا بالمحرمات ذاتها، وإلا لقال تعالى «فاجتنبوها»، وإنما جاء متعلقًا بـ «الرجس» الذي هو «مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»، فقال تعالى «فاجتنبوه»:

فهل من لم يجتنب «عَمَلِ الشَّيْطَانِ» لم يرتكب «محرمًا»، والله تعالى يقول للناس جميعًا «يس / ٦٠»:

«أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ»؟!

(هـ): إن أشد وأبلغ «صيغ التحريم» في السياق القرآني، قول الله تعالى:
«إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»

إن تصدير الآية بأداة الحصر «إنما» معناها «البلاغي» في هذا السياق، أن الرجس «مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»، وأن «اجتنابه» معناه «تحريم» الاقتراب منه، لأن الاقتراب يفتح باب المعاصي كلها، ومنها قوله تعالى بعدها:

«إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ:

– أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ

– وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ

– فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ»؟!

٢- ومن «صيغ التحريم» في القرآن صيغة «ما كان»، كقوله تعالى «آل عمران / ١٦١»:

* «وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ …»
أي يحرم على النبي «أَنْ يَغُلَّ».

وقوله تعالى «التوبة / ١٧»:

* «مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ»

أي يحرم على المشركين دخول «مَسَاجِدَ الله»

وقوله تعالى «التوبة / ١٢٠»:

«مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ» أي يحرم عليهم التخلف عن رسول الله.

٣- ومن «صيغ التحريم» في القرآن فعل الأمر «قُل»، كقوله تعالى «النور / ٣٠-٣١»:

* «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ – وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ»

* «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ – وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ»

فعلة التحريم هنا هي فعل الأمر «قل»، ومساواة حفظ الفرج بغض البصر، بقرينة العطف بـ «الواو».

ولم يقل الله تعالى حُرّم عليكم إطالة النظر وعدم حفظ الفرج.

٤- ومن «صيغ التحريم» في القرآن «الاستنباط»، كقوله تعالى «النساء / ٢٣»:

* «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ»

فليست «الأم» وحدها هي المُحرّمة، ورنما شجرتها كلها محرمة، وإن علت وإن سفلت، كتحريم «نكاح الجدة»، الذي لم يرد ذكره في «المحرمات الشحرورية».

٥- ومن «صيغ التحريم» في القرآن «النهي عن الاقتراب»، كقوله تعالى «الإسراء / ٣٢»:

* «وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى – إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً»

والنهي في «وَلاَ تَقْرَبُواْ» يقتضي «تحريم الاقتراب» من جميع الطرق الموصلة إلى «الزِّنَى»، وهذا غير تحريم «الفواحش»، وإن كان «الزِّنَى» من الفواحش، ذلك أن التحريم هنا يتعلق بـ «الاقتراب».

٦- ومن «صيغ التحريم» في القرآن «ما ترتب عليه عقوبة»، كقوله تعالى «المائدة / ٣٨»:

* «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»

٧- ومن «صيغ التحريم» في القرآن «لا الناهية»، كقوله تعالى «الأنعام / ١٢١»:

* «وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ – وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ – وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ – وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ»
وقوله تعالى «أل عمران / ١٠٥»:

* «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا – وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ – وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»

فالمسلمون اليوم يعيشون أصلًا داخل منظومة «الإصرار على فعل المحرم»، وذلك بـ «تفرقهم واختلافهم في الدين»، أي مصيبتهم «عقدية»، ثم يبحثون هل لباس المرأة المؤمنة «فرض» أم «حرية شخصية»!!وقوله تعالى «أل عمران / ١٣٠»:

* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»

وقوله تعالى «أل عمران / ٢٩»:

* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ»

وقوله تعالى «البقرة / ٢٢٢»:

«فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ – وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ»

وغير ذلك من مئات الآيات التي تحمل تحريمًا بدلالته القطعية التي تقصم ظهر القراءة الشحرورية الإلحادية المعاصرة لأحكام القرآن.

ومعلوم، حسب أصول البحث العلمي، أن آية واحدة من الآيات السابق ذكرها تكفي لهدم ما قاله «شحرور» عن المحرمات من قواعده.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى