في الدراسات العليا، يمكن أن يُسمح لطالب «الماجستير» أن يحتوي بحثه على بعض «الحشو» باعتبار أن المطلوب لهذه الدرجة العلمية معرفة قدرة الطالب على تجميع المراجع المتناغمة والمتعلقة بموضوع بحثه.
أما طالب «الدكتوراه» فلا يُسمح له بهذا «الحشو»، باعتبار أن المطلوب لهذه الدرجة العلمية معرفة قدرة الطالب على الإتيان بـ «جديد» في موضوع بحثه، مُدعّمًا بالبراهين والحقائق العلمية.
ولذلك قد نجد رسالة دكتوراه من «١٠٠ صفحة» يحصل صاحبها على مرتبة الشرف الأولى، ورسالة دكتوراه من «٣٠٠٠ صفحة» لا تُقبل أصلًا للمناقشة.
والحقيقة أن الكتاب الذي كتبته «صوفية»، أو كُتِبَ لها، «١٣٠٠ صفحة»، لا يمكن أن يحصل على «الثانوية العامة»، حسب نظام التعليم الحديث، وذلك لغياب «المنهجية العلمية» والتفرّع إلى مسائل لا علاقة لها بـ «أحكام القرآن»، التي فرضت على المرأة المؤمنة لباسًا شرعيًا.
ومن هذه المسائل التي قام عليها كتاب «ألوهية الحجاب»:
١- الاستناد إلى أحاديث فرقة «أهل السنة» التي تأمر المرأة التي بلغت المحيض أن تغطي جسدها ما عدا «الوجه والكفان»، وأحاديث وجوب تغطية المرأة وجهها «النقاب».
٢- الاستناد إلى الخلاف القائم بين المحدثين وعلماء الجرح والتعديل حول صحة وضعف هذه الأحاديث، وموقفهم من أحاديث «الآحاد».
٣- الاستناد إلى أمهات كتب التفسير، لفرقة «أهل السنة».
٤- الحديث عن دور «الوهابية» في نشر تغطية شعر المرأة و«النقاب».
٥- الحديث عن «الإسلام السياسي»، متمثلا في الأزهر وفترة حكم الإخوان، ولماذا لم تُكفر مؤسسة الأزهر «داعش» مثلما كفرت فرج فوده وحامد أبوزيد، ولماذا سجنت التنويريين؟!
٦- الاستدلال بصور نساء بعض شيوخ الأزهر وعلمائه ووزراء الأوقاف، وقراء القرآن.
ثم تطلب «صوفية» البرهان على عدم صحة ما ذهبت إليه، من أن هذا اللباس الذي تلبسه في البوست المرفق «لباس شرعي»، وأن الكتاب الذي تحمله هو البرهان على شرعيته، وتقول:
«قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»
وتقول:
«أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»
* فأقول:
# أولًا:
إن من أصول البحث العلمي، أن يبدأ الباحث بحثه بالحديث عن الأصول والقواعد والبراهين المتعلقة بموضوع بحثه، ثم بعد ذلك يأتي بالمسائل الفرعية، وهذا إذا كان للموضع فروع أصلًا.
١- عندما يتعلق البحث بـ «لباس المرأة وزينتها» في القرآن، فإن المرجع الوحيد لهذا البحث هو «القرآن» ? فقط لا غير، وأن أول ما يجب على الباحث الحديث عنه، هو قول الله تعالى «النور / ٣١»:
«وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ – وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ – وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا – وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ – وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ … الآية»
٢- وأول شيء يتحدث عنه، بالنسبة لهذه الآية، هو تعريف «الزينة» لأنها هي المحور الأساس الذي تدور حوله الآية، وبيان ما حملته جملة «وَلاَ يُبْدِينَ» من نهي «تحريم»:
وأن إصرار المسلمة على إبداء «زينتها» لغير من ذكرتهم الآية، يعتبر كبيرة من الكبائر، إذا ماتت عليها ماتت كافرة بأصل من أصول الإيمان:
وهذا الأصل هو وجوب «طاعة الله» فيما أمر، وعدم تعدي حدود الله التي أشار إليها في سياق بيان «أحكام القرآن»، كقوله تعالى «النساء / ١٤»:
«وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ – وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ – يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا – وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ»
وهل بعد تحذير الله «الذين آمنوا» من الكفر، بقوله تعالى «يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا»، من برهان على وجوب الالتزام بـ «حدود الله» التي حملتها أحكام القرآن؟!
# ثانيًا:
«تعريف زينة المرأة»:
ووفق أصول البحث العلمي، لا يصح أن نتحدث في عشرات الصفحات عن «الخمار»، ولا نبدأ بالحديث عن «زينة المرأة» التي ورد «ضرب الخمار» بين نَهْيَيْن عن إبدائها، فقال تعالى:
? «وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا»
* «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»
? «وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ..»
إذن فما معنى الزينة الأولى:
«وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا»؟!
١- إن الزينة: بالكسر، ما يُتزيَّن به.
وزان الشيء وزيَّنه: حسَّنه وزخرفه.
وتزيَّن: تجمَّل في مظهره، وامرأة زائن: متزينة.
ويوم الزينة: يوم عيد يتزيَّن الناس فيه.
وزيَّن بَدَنَه: ستر عورته، لأن في كشفها قبحًا.
٢- ويرد لفظ الزينة في القرآن بأكثر من معنى:
(أ): الزينة المعنوية «الذاتية»:
وهي ما لا تُدْرَك بالحواس، وفي مقدمتها التزين بصفات «الإيمان»، لقوله تعالى «الحجرات / ٧»:
«وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ»
(ب): الزينة المادية «الذاتية»:
وهي ما تدرك بالحواس، وتنقسم إلى:
* ما أظهره الله تعالى للناس من جمال المخلوقات، في سياق بيان دلائل الوحدانية، كقوله تعالى «الصافات / ٦»:
«إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ»
وكقوله تعالى «النحل / ٥-٦»:
«وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ»
* ما أظهره الإنسان للناس من حسن المظهر، كقوله تعالى «الأعراف / ٣١»:
«يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ»
وهذا «النوع من الزينة»، هو موضوع النهي الذي ورد في قوله تعالى:
«وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا – (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) – وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ … الآية»
# ثالثًا:
عندما يأمر الله «المؤمنين» بقوله تعالى «النور / ٣٠»:
«قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ:
١- يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ
٢- وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ
٣- ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ – إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ»
* ولا يأمرهم بغير ذلك.
ثم يأمر الله «المؤمنات» بقوله تعالى «النور / ٣١»:
«وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ:
١- يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ
٢- وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ
* ثم يضيف ما أمر به «المؤمنات»، ولم يأمر به «المؤمنين»:
(أ): «وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
(ب): وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ
(ج): وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ … الآية»
* أقول:
? فلتخرس ألسنة «الجهلاء» الذين يريدون أن يجعلوا من أنفسهم آلهة، تشارك الله في حكمه، ويقولون له:
ولماذا لم تأمر «الرجال» بما أمرت به «النساء»، وأن عليهم عدم إبداء زينتهم، وأن يضربوا الخُمر على الجيوب؟!
# رابعًا:
لقد كان لباس المرأة في الجاهلية يتكون من أربع قطع:
١- ثياب لتغطية الشعر.
٢- ثياب داخلية لستر العورات.
٣- ثياب لستر الثياب الداخلية، تغطي الجسم كله، وهذه الثياب هي التي كانت تستخدمها المرأة في البيت.
٤- ثياب تستخدمها عند خروجها وتعاملها مع الناس، أو عند استقبال الضيوف في بيتها.
ولقد نزل القرآن، ولم يأت بتشريع جديد يتعلق بـ «لباس المرأة المؤمنة»، وأقر الثياب التي كانت تستخدمها قبل إسلامها، باستثناء شيئين، نزلت آيات لتصحيح وضعهما:
? الأول: تصحيح وضع غطاء الرأس «الخمار»:
فقد كان «الخمار» يغطي الشعر، ثم ينزل على الظهر، ولا يغطي فتحة الجلباب التي كانت المرأة في الجاهلية تتعمد تركها مفتوحة ليظهر منها جزء من ثديها، تماما كما يحدث في جاهلية اليوم.
– فنزل قوله تعالى «النور / ٣١»:
* «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»
وليس للمرأة إلا «جيب» واحد فقط، هو الذي عرفته نساء العرب، وتعرفه إلى يومنا هذا، وهو الفتحة التي تُدخل منها رأسها، من جهة الصدر، ولذلك يُسمى «فتحة الصدر».
ونلاحظ أن الآية لم تأمر المؤمنات بستر «جُيُوبِهِنَّ» بـ «الخمار» وإنما أمرتهن بـ «ضرب الخمار» على الجيب، والضرب في هذا السياق يعني إسدال الخمار على الصدر بإحكام.
? الثاني: تصحيح وضع «الجلباب» وذلك بـ «إدنائه»:
فقال الله تعالى «الأحزاب / ٥٩»:
«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ – قُلْ لأَزْوَاجِكَ – وَبَنَاتِكَ – وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ – (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ …»
– و«الجلباب»:
هو الثوب الواسع الذي لا تظهر منه أعضاء الجسم ولا يُجسمها، أي الثوب الذي لا يُظهر ملامح أي عضو من أعضاء الجسم.
– و«الإدناء»:
هو التغطية الساترة للجسم كله.
– «فَلا يُؤْذَيْنَ»:
وهو ما يُسمى اليوم بـ «التحرش الجنسي»، والذي لا تخفى مشاكله على ذي بصيرة، بسبب لباس المرأة الكاشف لـ «زينتها» الخارجية والداخلية التي حرّم الله كشفها لغير المذكورين في الآية «النور / ٣١».
# خامسًا:
لقد أمر الله المؤمنين والمؤمنات بعدم كشف عوراتهم أمام الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم، وأن يربوهم على الاستئذان عند إرادة الدخول عليهم في الأوقات التي ذكرها الله في قوله تعالى «النور / ٥٨-٥٩»:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
١- لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ
٢- ثَلاَثَ مَرَّاتٍ:
مِن قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ – وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ – وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاء
٣- ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ
٤- لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ … الآية»
٥- وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ:
– فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
– كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ – وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»
? فهكذا تكون تربية الأطفال من قبل بلوغهم النكاح، هكذا يتربى الأولاد في البيت المومن على حرمة النظر إلى «العورات» ولو كانت عورات الوالدين.
وفي هذا السياق، سياق تحريم كشف «العورات» حتى أمام أقرب الناس إلى الوالدين، يأتي بعدها بيان لحدود «الزينة» التي يُسمح للنساء اللاتي كبرن وقعدن عن الميل إليهن والافتتان بهن، ولذلك سمّاهم الله «القواعد» فقال تعالى «النور / ٦٠»:
«وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء:
– اللاتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً
– فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ
– أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ:
أي الثياب التي تستخدمها عند خروجها وتعاملها مع الناس، أو عند استقبال الضيوف في بيتها، بشرط:
– غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ:
أي ألا تكون ثياب البيت كاشفة أو مجسمة لعورتهن، لأن عورات النساء بالنسبة للرجال «زينة» تُظهر لهم حسنهن، ولذلك قال الله تعالى بعدها:
? وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
# سادسًا:
والحقيقة أني كتبت عشرات المقالات في تفصيل هذا الموضوع، وهناك تسجيل صوتي على الموقع بعنوان:
«أحكام ثياب المرأة المؤمنة التي أسلمت وجهها لله تعالى»
وذلك لبيان أن المرأة المؤمنة، التي أسلمت وجهها لله تعالى:
? يحرم عليها «بالنص القرآني قطعي الدلالة» إبداء غير ما اقتضت الضرورة الحياتية كشفه:
– ففي ستر الوجه: تعطيل لوظائف أعضائه.
– وفي ستر الكفين: إعاقة لحاسة اللمس.
– وفي ستر القدم بـ «شراب» لن يعوق حركة المرأة.
والسؤال:
إذا كان الله تعالى يقول لـ «الْقَوَاعِد مِنَ النِّسَاء»:
«وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ (أي عن وضع الثياب) خَيْرٌ لَّهُنَّ – وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
? فماذا نقول في النساء الشابات اللاتي يخرجن من بيوتهن كاشفات كل ما حرّم الله كشفه من زينتهن الظاهرة والخفية؟!
ثم يقولون لنا:
«قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»؟!
ويقولون لنا:
«أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»
والله تعالى يقول للقواعد منهن:
«وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ»
ولذلك أقول: فعلا «إلي اختشوا ماتوا».
محمد السعيد مشتهري