«هل تعلم متى دَخَلْتَ في دين الإسلام، واتبعت ملة إبراهيم حنيفًا، ولم تلبس إيمانك بظلم»؟!
لا يوجد أحد من المليارين مسلم دخل في «دين الإسلام» من بابه الصحيح، فمنذ ولادته وإلى ما بعد بلوغ النكاح واكتمال الرشد، نجده يتبع الفرقة والمذهب العقدي والفقهي الذي وجد عليه آباءه:
وعلى هذا الأساس قام:
«مؤتمر الأزهر العالمي لتجديد الفكر الإسلامي»
# أولًا:
هل تعلم لماذا اختلف شيخ الأزهر مع رئيس جامعة القاهرة، ولماذا اختلف رئيس جامعة القاهرة مع شيخ الأزهر، في مؤتمر الأزهر العالمي لـ «تجديد الفكر الإسلامي»، وما علاقة ذلك بقوله تعالى «وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ»؟!
الحقيقة أن الْمُتَسَبِّب في هذا «الظلم» الذي هو في حقيقته «مصيبة دينية عقدية» شهدها العالم أجمع عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومازال يشاهدها، إن الْمُتَسَبِّب هو من اختار أن يكون اسم المؤتمر:
«مؤتمر الأزهر العالمي لتجديد الفكر الإسلامي»
لقد أصبحت صفة «إسلامي» يوصف بها كل شيء يُراد تسويقه باسم «دين الإسلام» حتى لو كان باطلًا، ولا علاقة له أصلًا بهذا الدين الذي لن يقبل الله تعالى غيره، فتدبر:
«وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً – فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ – وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ»
لقد كان من المنطقي أن يكون اسم المؤتمر:
«مؤتمر الأزهر العالمي لتجديد الفكر الأشعري»
وهنا يكون المؤتمر قد حمل المصداقية العقدية العلمية التي تجعله محل ثقة العالمين، ومن لا يعلم ما هو «المذهب الأشعري» يجد كل شيء عنه على شبكة الإنترنت.
وعندما يكون موضوع المؤتمر عن «تجديد الفكر الأشعري» هنا يحق لـ «د. الخشت»، رئيس جامعة القاهرة، أن يقول لشيخ الأزهر:
«لابد من دراسات جديدة تتخلص من سيادة العقائد الأشعرية وتكوين رؤية جديدة للعالم من رفع الخلط بين الإسلام والموروثات الاجتماعية، من عدم التمييز بين قطعي الدلالة وظني الدلالة».
ولا يحق لـ «د. الخشت» أن يقول ما قاله سابقا في أي مؤتمر يُعقد عن «دين الإسلام»، لأن رسول الله لو كان حيًا لأمر أتباع كل الفرق والمذهب العقدية والفقهية أن يدخلوا في «دين الإسلام» من بابه الصحيح.
كما لا يصح لشيخ الأزهر أن يقول ما قاله في هذا المؤتمر ودفاعه عن «المذهب الأشعري» للرد على قول «د. الخشت»:
«لابد من دراسات جديدة تتخلص من سيادة العقائد الأشعرية»
ثم كيف يقول شيخ الأزهر عن «دين الإسلام»:
«احنا الإسلام عندنا، وخليني صريح، يمكن في مسألة الزواج والطلاق والميراث فقط»
فما الذي يقصده شيخ الأزهر بكلمة «الإسلام» وبكلمة «عندنا»؟!
إنه لا يقصد «دين الإسلام» الذي كان عليه رسول الله محمد قبل ظهور الفرق الإسلامية بمذاهبها العقدية والفقهية، بقرينة المذهب العقدي «الأشعري» الذي قامت عليه مؤسسة الأزهر، والذي لم يكن لهذا المذهب ولغيره أي وجود في حياة رسول الله محمد، عليه السلام.
* لقد دخل المسلمون «دين الإسلام» من باب غير بابه، دخلوا من باب «الإسلام الوراثي»، لا باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية» المعاصرة للناس جميعًا اليوم.
# ثانيًا:
ماذا يريد هؤلاء من «دين الإسلام»:
١- «القراءة القرآنية المعاصرة»: للمفكر السوري «محمد شحرور»
ولقد قامت منهجية «نحو إسلام الرسول» بإسقاط كل مؤلفات «محمد شحرور» بصدور كتابنا:
«القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم – الكتاب والقرآن – محمد شحرور نموذجًا – نقض المنهجية»
٢- «دين الإنسان»: للمفكر السوري «فراس السواح»:
الذي قال عنه «إبراهيم عيسى» في برنامجه «مُخْتَلِفٌ عَلَيْه» وهو يُقدمه:
هو باحث كبير، يُغرّد خارج السرب، والحقل المعرفي الذي خاض غماره لا يخوض فيه كثيرون، لأنهم يعتبرون التفكير والبحث العلمي وإعمال العقل «هرطقات» لا جدوى ولا طائل من ورائها.
* أقول:
إن «التفكير والبحث العلمي وإعمال العقل» لا قيود عليه ولا إكراه، فكل إنسان يؤمن بما شاء، ويكفر بما شاء، طالما أنه لم تدخل «دين الإسلام».
فإذا دخل «دين الإسلام» لم يعد حرًا في «التفكير والبحث العلمي وإعمال العقل»، لأن كل هذا «وإن كان دين الإسلام يأمر به ويَحُث عليه»، إلا أن ذلك يكون في إطار حدود الله المُبيّنة في القرآن.
ثم يستكمل «إبراهيم عيسى» حديثه ويقول:
وبدل أن تُدَرَّس كتب «فراس السواح» في مدارسنا وجامعاتنا لتشجيع تلك العقلية عند النشء، يُعتّمُون مُتعمّدين على أي محاولة لثقب جدار العقل السمعي الطائع الذي كبر وأحاط بنا إحاطة السوار بالمعصم.
* أقول:
إن تشجيع «العقلية عند النشء» قد سبق العالم المتقدم المسلمين فيها منذ قرون مضت، وذلك بالعلوم المتخصصة في تنمية قدرات الأطفال العقلية، بعيدا عن «الإلحاد» في الملل والنحل المختلفة.
فما علاقة تنمية وتشجيع «العقلية عند النشء» بإلحاد الملحدين وما يثيرونه من شبهات لا يملك «النشء» الأدوات العلمية للرد عليها، أما «التنويريّون المسلمون» فيرون أن في إلحاد الملحدين تنمية للقدرات العقلية بدعوى حرية الفكر والإبداع!!
الحقيقة شيء عجيب وغريب ولا محل له من الإعراب!!
ثم يستكمل «إبراهيم عيسى» حديثه ويقول:
ويهدف «فراس السواح» من كتاباته الدينية التعرف على الظاهرة الدينية بحقيقتها وفي سياقاتها الزمنية والمكانية، نحن لا يجب أن نتعامل مع تراثنا ومعتقداتنا من وجهة نظر ضيقة، تنقلها لنا مؤسسات دينية ضيقة، أو أكثر ضيقا.
فالعلاقة بين الإنسان وربه علاقة فردية لا مؤسسية، وكم أفسد الوسطاء والكهنة والفقهاء علاقتنا بالسماء وعلاقتنا بالبشر.
* أقول:
انظروا وتدبروا هذه المصطلحات العشوائية المطاطية:
«الظاهرة الدينية» – «تراثنا ومعتقداتنا» – «مؤسسات دينية ضيقة»:
– «الظاهرة الدينية»: عند أي فرقة من الفرق الإسلامية يقصد؟!
– «تراثنا ومعتقداتنا»: عند أي مذهب من المذاهب العقدية يقصد؟!
– «مؤسسات دينية ضيقة»: ضيقة على مَنْ والملايين يتبعونها!!
طبعا سيكون الرد:
أن «فراس السواح» يتحدث عن «الدين» بوجه عام، والحقيقة أن هذا الرد ينطبق عليه المثل القائل:
«راح يكحلها عماها»
ثم ما معنى «علاقتنا بالسماء» ونحن لسنا من علماء الفلك؟!
ولذلك سيكون لي مع «فراس السواح»، الذي يعتبره البعض خليفة «محمد شحرور»، وقفات ووقفات في مقالات قادمة.
٣- «نحو تأسيس عصر ديني جديد»:
للمفكر المصري «د. محمد عثمان الخشت» رئيس جامعة القاهرة.
يرى «د. الخشت» أنه من الضرورات الملحة اليوم العودة إلى الإسلام المنسي، لا الإسلام المزيف الذي نعيشه اليوم.
فإذا ذهبنا إلى كلمته في:
«مؤتمر الأزهر العالمي لتجديد الفكر الإسلامي»
فهمنا أنه يقصد بـ «الإسلام المنسي» الإسلام بعيدًا عن الفرق والمذاهب العقدية، الإسلام القائم على «كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة»، وهذا ما أكده بقوله في كتابه «نحو تأسيس عصر ديني جديد»:
فهناك فرق بين الخطاب الديني والنص الديني، فالنص الديني هو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، أما الخطاب الديني فهو عمل بشري في فهم القرآن والسنة يمكن إعادة النظر فيه، ويجب أن نعيد تفكيك هذا النص البشري لكي نعيد بناء العلوم.
ومما قال «د. الخشت» في كتابه، تماما مثل ما قاله «شحرور»، وما قاله كل تنويري يخرج من رحم فرقة أهل السنة والجماعة، وهو يُمسك العصا من المنتصف:
نعم ندعو إلى تجاوز للماضي، لكنه ليس التجاوز بالمعنى المتداول المعروف الذي يعني الإلغاء والحذف، بل الذي يعني التضمين للعناصر الإيجابية والحية من التراث مع المتغيرات والعلوم الجديدة والوصول إلى مركب جديد يعيد مجد هذه الحضارة العظيمة وفق شروط عصر العلوم الكونية دون الخروج من الهوية الصافية.
فإذا تدبرنا قول «د. الخشت» الذي ذكره من قبل:
«فالنص الديني: هو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة»
مع قوله في المؤتمر عن المصدر المعتمد في «السنة النبوية»:
«إن أصح كتاب بعد كتاب الله هو موطأ مالك».
يصبح «الإسلام المنسي» البديل عن «الإسلام المزيف الذي نعيشه اليوم»، هو «الإسلام» الذي يقوم على:
«كتاب الله وموطأ مالك»
# ثالثًا:
إن الدخول في «دين الإسلام»، من باب غير الذي أمر الله به، ضلال وإضلال وانحراف عن صراط الله المستقيم، هذا الصراط الذي يدعو المسلمون ربهم كل يوم في صلاتهم أن يهديهم إليه، وهم يُصرّون على اتباع أهوائهم المذهبية، بتقديس تراثهم أو بلعنه والنيل من أصحابه.
إن الباب الوحيد للدخول في «دين الإسلام» هو باب:
«مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً – وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»
لقد دخل إبراهيم، عليه السلام، «دين الإسلام» من باب العلم والحجة والبرهان، وليس من أبواب الجهل والإلحاد والعشوائية المذهبية السابق الحديث عنها.
لقد جاء قوم إبراهيم يجادلونه بالباطل، ولكن إبراهيم المؤمن الذي أسلم وجهه لله وحده لا شريك له، قال لهم مستنكرًا وقلبه يضيء بالطمأنينة واليقين «الأنعام / ٨١»:
«وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ – وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ – مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً – فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ – إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»؟!
إن كل من يدعي الإيمان، وإسلام الوجه لله، عليه أن يتدبر جيدًا هذه الآية والتي تليها، ويسأل نفسه:
ما هو السلطان «البرهان» الذي يملكه، والذي على أساسه لا يخاف أن يكون قد أشرك بالله، وأي الفريقين أحق بالأمن:
الذي دخل «دين الإسلام» وفق ما أمره الله تعالى؟!
أم الذي ظل على «دين هواه المذهبي» يشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا؟!
إن الذين «أَحَقُّ بِالأَمْنِ» هم «الأنعام / ٨٢»:
«الَّذِينَ آمَنُواْ – وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ – أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ – وَهُم مُّهْتَدُونَ»
هؤلاء وحدهم الذين لهم «الأمن»، وهؤلاء هم «المهتدون»
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتأكدوا أنكم من:
«الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ»
ذلك أن عاقبة «ظلم النفس»، بأي شيء لم ينزل الله به سلطانا، وفي مقدمة ذلك «الشرك بالله»، هي:
«أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ – وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ – وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ – وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً – فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ – أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ»
نعم: «أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ»:
يا من مازلتم تُقدّسون «التراث الديني» أو تنقضونه، أو تنشرون ما في «البخاري ومسلم» من مرويات، ما أنزل الله بها من سلطان، وتدعون الناس للانضمام إلى مثل هذه «الجروبات» التي لا تحمل إلا «الشرك بالله»:
اعلموا:
أن هناك من أئمة السلف من يؤمنون إيمانا يقينيًا، ومنطقيًا، أن أصح كتاب بعد كتاب الله هو «موطأ مالك» … «أَفَلاَ تَعْقِلُونَ»؟!
* تذكر:
أني أتحدث عن «ما يجب أن يكون»
أما عن «ما هو كائن» فتدبر:
«وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري