يقول الصديق Mourad Mo Abde
«حياك الله دكتور، كنت انتظر من شيخ الأزهر في مداخلته الرد والتوضيح حول مسالة تعددية الصواب التي عليها تقريبا بنى رئيس الجامعة مداخلته، ولكن شيخ الأزهر لم يفعل، رغم محورية التساؤل، وعليه منك نستفيد دكتور حول المسألة:
هل الصواب يساوي الحق، وما هو التعريف الأكاديمي للفظة الحق، الإجابة كرما من سيادتكم»
# أولًا:
إذا كان الصديق يقصد بمسالة «تعددية الصواب» ما قال الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة:
«لا يوجد أحد يملك الحقيقة المطلقة، فمن يملك الحقيقة المطلقة الواحدة هو الواحد الأحد الذي لا إله إلا هو سبحانه»
* أقول:
لقد رد شيخ الأزهر على هذه المسألة وقال للدكتور الخشت:
إنك تقول لا توجد حقيقة مطلقة، وأهديتني كتابك «نحو تأسيس عصر ديني جديد»، وأنا أقول لك:
١- إن كنت تعتقد أن الكلام الذي قلته في كتابك هذا يحمل «الحقيقة المطلقة» ولا تشك فيه، فقد سقط مذهبك «الذي يقول لا توجد حقيقة مطلقة».
٢- وإن كنت تعتقد أنه مشكوك فيه، فأرجو بعد أن تتأكد من صحة ما جاء في كتابك أن تهديه لي.
أعقب ذلك تصفيق حاد في القاعة … ثم هتافات «اتقي الله يا خشت، ولا تتطاول على الأزهر…».
٣- ثم استكمل شيخ الأزهر بيان وجهة نظره في المسألة وقال:
– إن المسيحي لا يمكن أن يكون مسيحيا إلا إذا كانت عقيدته مطلقة.
– والملحد لا يمكن أن يكون ملحدا إذا تشكك لحظة في إلحاده.
وإلا انهارت كل المذاهب العقدية، ذلك أن كل مذهب يزعم أنه يدافع عن الحقيقة المطلقة، وهذا من رحمة الله علشان الاختلاف يظهر.
* أقول:
إن ما قاله شيخ الأزهر صحيح «منطقيًا» على أساس تخصصه العلمي كأستاذ في «العقيدة والفلسفة»، باستثناء قوله:
«وهذا من رحمة الله – علشان الاختلاف يظهر»
# ثانيًا:
١- عندما نقول إن «١+١=٢» يكون قولنا هذا:
* «صوابًا»: من حيث علم الرياضيات
* «حقًا»: من حيث «السنن الإلهية» التي مَكّنت الإنسان من اكتشاف كل العلوم التي قام على فعالياتها الوجود البشري.
٢- عندما نقول إن «١+١=٣» يكون قولنا هذا:
* «خَطَئًا»: من حيث علم الرياضيات.
* «باطلًا»: من حيث «السنن الإلهية» التي مَكّنت الإنسان من اكتشاف الحقائق الرياضية التي لا يختلف عليها العقلاء.
٣- عندما تقول منظمات الصحة العالمية، والشركات المنتجة لـ «السجائر»:
«إن التدخين مضر للصحة» يكون قولهم هذا:
* «صوابًا»: من حيث علوم الطب.
* «حقًا»: من حيث «الأحكام الإلهية» التي حرّمت كل شيء ثبت علميًا وطبيًا أنه «خبيث»:
ونلاحظ أن كلمة «الخبيث» جاءت في القرآن مُعرّفةً بـ «أل» لبيان أن معناها من المعلوم من الدين بالضرورة، أي لا خلاف عليه، ولذلك عندما استثنى القرآن كلمة واحدة من هذه القاعدة فجاءت نكرة، فذلك لأن سبقها ما يُعرفها، والآية هي قوله تعالى:
«وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ»
وأَصلُ الخُبْثِ في كلام العرب، وحسب ما أجمعت عليه معاجم اللغة العربية: «ما لا يقبله القلب السليم»:
– فإِن كان من الكلام فهو «الشَّتْم».
– وإن كان من المِلَل فهو «الكُفْر».
– وإِن كان من الطعام فهو «الحرام».
– وإِن كان من الشَّراب فهو «الضَّارُّ».
والآيات الدالة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى:
١- «وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ»:
وهي القاعدة العامة التي تشمل كل ما سبق.
٢- «وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ»:
كناية عن «الضرر» الناتج عن إتيان الرجال.
٣- «مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ»
فصل الأعمال الخبيثة من الأعمال الصالحة، والنفوس الخبيثة من النفوس الزكية.
ثالثًا:
إن «الحق» له قوانينه، و«الباطل» له قوانينه، و«الصواب» له قوانينه، و«الخطأ» له قوانينه، والذي يعمل خارج حدود هذه القوانين لا يَلُومنَّ إلا نفسه.
فأي «رحمة إلهية» يا فضيلة شيخ الأزهر، في خلافات واختلافات قائمة على «الباطل» أساسًا؟!
١- وإذا كان قولك إن مقتل خليفة المسلمين «عثمان بن عفان» كان بسبب خلافات سياسية، وهذا غير صحيح ويحمل تكفيرًا للصحابة الذين وقفوا متفرجين ودماء خليفة المسلمين تُسفك بغير حق.
٢- فماذا تقول في أم المؤمنين السيدة عائشة، التي نُسبت إليها كثير من «المرويات» الموجودة في أصح كتب الحديث، التي وافقت أخيرا على الخروج بجيش لقتال جيش خليفة المسلمين «عليّ بن أبي طالب»، الذي يحرم الخروج عليه لأسباب عقدية وفقهية حملتها أمهات الكتب؟!
فهل كان تصرفها «حقًا وصوابًا»، أم «باطلًا وخَطَئاً»؟!
٣- إذا كان قد ثبت يقينا أن خليفة المسلمين على بن أبي طالب هو الذي حرّض على قتل عثمان، ولذلك خرجت السيدة عائشة تطالب بدم عثمان:
فإن هذه القضية، وفق «أحكام القرآن»، تُرفع إلى القضاء لتطبيق أحكام القصاص، وليس بأن تتخذ السيدة عائشة قرار القصاص بنفسها، فيقتل عشرات الآلاف، ليس في معركة «الجمل» وحدها وإنما في المعارك التي تلتها.
رابعًا:
فهل هناك مسلم عاقل، يستطيع أن يقول إن ما حدث في معركة الجمل «حق» و«صواب»؟!
إن ما حدث ليس «حقا» لأن الله تعالى يقول:
«وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً (مُّتَعَمِّداً) فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ – خَالِداً فِيهَا – وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ – وَلَعَنَهُ – وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً»
وهذا «التعمد»، مع سبق «الإصرار والترصد»، يظهر جليًا في استمرار المعركة عدة أيام، ولم تتوقف بعد اشتعالها في اليوم الأول.
وعليه، فأنا أرى أن «الحق والصواب» قد جانب قول فضيلة شيخ الأزهر:
«وهذا من رحمة الله – علشان الاختلاف يظهر»!!
إن ورود لفظ «الحق» في السياق القرآني، يحتاج من المسلمين إلى مزيد تدبر لكلام ربهم، خاصة هؤلاء الذي يتحدثون عن «حرية الفكر» الذين أسميهم بـ «الببغاوات»، ذلك أن مقابل «الحق والصواب» هو «الباطل والخطأ»، ومن هذه الآيات:
١- «ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ – وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ»
٢- «وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ – فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ – وَاللّهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»
إلى آخر الآيات التي تحتاج إلى مقال مستقل.
* تذكر:
أني أتحدث عن «ما يجب أن يكون»
أما عن «ما هو كائن» فتدبر:
«وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري