إن أظلم الظلم: أن يحكم «الهوى» تدين المسلمين فيدخلهم جهنم.
لماذا يجب التركيز، في توجهنا «نحو إسلام الرسول»، على مسألة «ظلم النفس»؟!
إن «ظلم النفس» من الأمراض العقدية التي تخفى على أصحابها ولا يكتشفونها إلا وهم يُساقون إلى جهنم، وعندها يقولون:
«وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ:
يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ – وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا – وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»
فيأتيهم الجواب:
«بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ:
وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ – وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»
ويقول الله تعالى:
«وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ – رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا – فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً – إِنَّا مُوقِنُونَ»
وبتدبر الآيتين نعلم، أن ميزان الحساب في الآخرة «مبرمج» على:
١- آيات التنزيل الحكيم، فقط لا غير:
«وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا».
٢- العمل بكل ما جاءت به هذه الآيات، وأن يكون المؤمن على يقين أنه على الحق:
«رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ»
«إِنَّا مُوقِنُونَ»:
وهذا «اليقين» لا يتحقق إلا بأن يكون المؤمن على «علم» بكيفية التعامل مع آيات التنزيل الحكيم، الأمر الذي يفتقده معظم المسلمين بسبب تقليدهم الأعمى لـ «المفكرين الإسلاميين» واتباعهم لهم بغير علم.
# أولًا:
إن معظم المسلمين عندما يقرؤون أو يستمعون الآيات التي تتحدث عن الكافرين والمشركين والمنافقين والمجرمين …، إلى آخر الأسماء التي تُطلق على أهل جهنم، لماذا يستبعدون احتمال أن يكونوا منهم؟!
هل لأنهم خرجوا من بطون أمهاتهم على مذهب آبائهم المختوم عليه بختم الفرقة الناجية من عذاب جهنم؟!
أم لأنهم يعلمون أن «دين الله» ليس له إلا باب واحد للدخول فيه، لقوله تعالى لرسوله «النصر / ٢»:
«وَرَأَيْتَ النَّاسَ – يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ – أَفْوَاجاً»
فدخلوا من بابه الوحيد، باب «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسولهم محمد، والتي لا يملكون غيرها برهانًا على حجية «دين الإسلام» الذي يتبعونه؟!
إن «الكفر والشرك والنفاق والإجرام …» ليست قوالب مغلقة على أصحابها، وإنما هي أحوال وتوجهات فكرية يتقلب بينها الإنسان الذي لم يخشع قلبه لخالقه، ولم يتبع رسالته، ولم يُسلِّم لأحكامها تسليما.
فإذا كان دخول المسلمين «دين الإسلام» من باب «الفرقة الناجية»، فهم «مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً»، أي من أهل جهنم.
وإذا كان دخولهم «دين الإسلام» من باب «الآية القرآنية العقلية» فهم من أهل الجنة إذا أَخْلَصوا دِينَهُم لِلّهِ، وسَلَّمُوا لأحكام القرآن تسليما.
ثم يخرج علينا، من نجوم «العشوائية الدينية»، من يقول:
«إن القرآن يقول: إن النبي بلا معجزات»
ويأتي بالآيات الدالة على هذه العشوائية الدينية ومنها:
١- «يونس / ٢٠»:
«وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ»
٢- «الرعد / ٢٧»:
«وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»
٣- «العنكبوت / ٥٠»:
«وَقَالُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ»
إلى آخر ما ذكر من آيات لا علاقة لها بعنوان المنشور، ثم قال:
(أ): «لاحظ أن الكفار طلبوا معجزات وآيات كما حدث للرسل السابقين فكان الرد مباشرة لا يوجد، والمنطق أنه حتى لو جاءت لن يؤمنوا، كون الرسالة بالأصل هي رسالة عقل وتدبر لا برهان غيبي أو قدرة خارقة»
وقال:
(ب): «أما كل ما روي في التراث من معجزات تأكد ١٠٠٪ أنها من أقوال الناس، ونسبت للنبي زورا، وبالغوا في العدد منهم من قال بالعشرات، ومنهم من قال بالمئات، بينما الرسل السابقين معجزة واحدة، أنما مبالغتهم بنسب مئات المعجزات للنبي أخرجت فعلهم من نطاق العقل إلى الخرافة».
* أقول:
إن ما ذكره في البند «أ» يشهد بقمة الجهل بمنظومة تدبر القرآن حيث قال:
«لاحظ أن الكفار طلبوا معجزات وآيات، كما حدث للرسل السابقين، فكان الرد مباشرة لا يوجد»
ومن الآيات التي استشهد بها على هذه «العشوائية الدينية» الآية رقم «٣»: «العنكبوت / ٥٠»:
«وَقَالُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ»
ولو أنه كلف خاطره، واستكمل سياق هذه الآية، لوجد الله تعالى «يرد» على الكافرين ويقول «العنكبوت / ٥١»:
«أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ – أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ – إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً – وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
إذن فقد أمد الله تعالى رسوله محمدًا بما يُسمونها «معجزة»، وأنا أسميها كما سماها القرآن «آية»، وطالما أنها «آية» فهي «برهان غيبي وقدرة خارقة» وليست فقط «رسالة عقل وتدبر» كما يدعي صاحب المنشور، لقوله تعالى مخاطبا الناس جميعًا:
«وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا:
– فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ
– وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ – إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
– فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ – وَلَن تَفْعَلُواْ
– فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»
أما ما ذكره في البند «ب» وقوله:
«بينما الرسل السابقين معجزة واحدة»
وطبعا لا تعليق.
وكالعادة، وكما تقول الأمثال:
* «الطيور على أشكالها تقع»
* «خالف تُعرف وتصبح نجمًا إعلاميًا»
نجد مئات المعجبين بهذا «العك الديني»، لأن هواهم مع «نقد الموروث» وليس مع «حجية المفروض»!!
# ثانيًا:
من الناس من تظلمه نفسه، فيجعل لله «الإلهية الكبرى»، ولا مانع من أن يتخذ معها «أندادًا» أقل درجة في الإلهية، فإذا سألتهم:
– «مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ»؟!
– «أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ»؟!
– «وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ»؟!
– «وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ»؟!
تكون الإجابة: «فَسَيَقُولُونَ اللّهُ»
إذن يجب أن يكون مقتضى ذلك: «أَفَلاَ تَتَّقُونَ»؟!
ولكنها قلوب تربت على موائد التدين الوراثي المذهبي، على مستوى شعوب العالم، موائد الكفر والشرك والنفاق …، فمن أين تأتيها «التقوى»؟!
١- تعالوا نتدبر أول سياق قرآني «البقرة / ٢١-٢٤» يخاطب الله فيه الناس جميعًا، يأمرهم فيه بالوحدانية:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ:
– الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ – لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»
– الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ»
* ومن مقتضى إخلاص العبودية لله تعالى:
– فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً – وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ»
* والبرهان على ذلك:
– وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
– فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ
– وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
* ثم يأتي بيان أن هذا البرهان «آية إلهية» تفوق «الآيات الحسية» التي أيد الله بها الرسل السابقين، أو كما يقولون من أكبر «المعجزات» الخارقة للعادة:
– فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ – (وَلَن تَفْعَلُواْ)
– فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»
٢- إن المحور الأساس الذي تدور حوله هذه الآيات هو:
«فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ»
فهل خلق الله تعالى الناس ليتخذوا من دونه «أندادًا»، يُحبونهم أكثر بكثير من حبهم لله، وهم يعلمون صدق كلام الله الذي حملته نصوص «آيته القرآنية العقلية» وحجيته على العالمين؟!
إن «النّد» من (يُطلب منه) ما لا يُطلب إلا من الله، أو (يؤخذ عنه) ما لا يؤخذ إلا عن الله تعالى، كالتشريع والتحليل والتحريم؛ لقوله تعالى «التوبة / ٣١»:
«اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ – وَرُهْبَانَهُمْ – أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ – وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ – وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً – لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ – سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ»
فهل فعل المسلمون مثل ما فعل الذين «اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ»؟!
# ثالثًا:
إن «الأنداد» أعم من الأصنام والأوثان، فـ «هوى النفس» من الأنداد، والخضوع لـ «المتبوعين» خضوعًا دينيًا بغير علم، من الأنداد الذين يصف الله تعالى حالهم يوم القيامة فيقول «البقرة / ١٦٦-١٦٧»:
«إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ:
– وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ – وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ
– وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا
– كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ
– وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ»
والسؤال:
١- ألم يتخذ المسلمون أئمة الفرق الإسلامية «أندادًا»، كلٌ حسب المذهب العقدي والفقهي الذي نشأ فيه وتربى على مائدته؟!
٢- ألم يتخذ رجال ونساء وأولاد المسلمين هوى السجائر والشيش «أندادًا» تحكم أمزجتهم، في بيوتهم وأعمالهم، وفي الشوارع؟!
٣- ألم تتخذ نساء المسلمين أهواءهن «أندادًا» يطيعونها في كشف ما حرم الله كشفه بنصوص قرآنية قطعية الدلالة، لا يخالفها إلا الملحدون أصحاب القراءات المعاصرة؟!
٤- ألم تتخذ بيوت المسلمين التلفزيونات والموبيلات «أندادًا» أصبحت تحكم حياتهم حتى أصبح غيابها عن أعينهم وعن أيديهم كغياب أنفسهم من أجسادهم؟!
والجواب:
«نعم»، أما الذين يضعون دائما رؤوسهم في الرمال فسيقولون «لا» من باب تخفيف جرعات «الاكتئاب» التي تسببها مقالات محمد مشتهري لهم، والحقيقة غير ذلك تماما:
فـ «محمد مشتهري» لا يحمل غير النهي «العلمي» عن المنكرات الدينية التي يلعن الله من سكت عن كشفها للناس، ويحاول أن يحمي قلوب المسلمين من مسيرة الاستغفال «الإلحادي الفرعوني» التي تتسع يوما بعد يوم بخطوات شيطانية كالتي اتبعها «الفرعون».
ألم يستغفل فرعون قلوب بني إسرائيل بادعاء الإلهية، وبدأ بـ «الملأ» فقال لهم «القصص / ٣٨»:
«وَقَالَ فِرْعَوْنُ – يَا أَيُّهَا الْمَلأُ – مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي – فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ – فَاجْعَل لِّي صَرْحاً – لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى – وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ»
ثم رفع فرعون مستوى استغفال القلوب إلى درجة ادعاء «الربوبية» وقال لقومه «النازعات / ٢٣-٢٤»:
«فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى»
وكان سبب قبول قومه إلهيته «مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي» وربوبيته «أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى» هو فسقهم الذي جعله يستخف عقولهم «الزخرف / ٥٤»:
«فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ – فَأَطَاعُوهُ – إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ»؟!
والسؤال:
إذن على أي أساس آمن سحرة فرعون بموسى عليه السلام؟!
على أساس «الآية الحسية» التي أيده الله بها وكانت «البَيّنة» على صدق «نبوته»، والتي جعلتهم يقولون لفرعون «طه / ٧٢-٧٣»:
«قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا – فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ – وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى»
واليوم «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد بين أيدي المسلمين، وكأن الرسول يعيش بينهم يتلوها عليهم، فلماذا لا يقولون:
إِنَّا آمَنَّا بـ «الآيَةِ الْقُرْآنِيّة العَقْلِيَّةِ»، وكفرنا بما أكرهتنا «الآبائية» و«القراءات القرآنية الإلحادية» على اتباعه، ومن ذلك:
أننا كنا نعتقد أن اليهود والنصارى سيدخلون الجنة، مع أن الله يقول «التوبة / ٣٠»:
«وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ – وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ – ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ – يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ – قَاتَلَهُمُ اللّهُ – أَنَّى يُؤْفَكُونَ»
فكيف يقول الله «قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» ثم يدخلهم الجنة؟!
# رابعًا:
نشرت وسائل التواصل الاجتماعي صورة لقبر صاحب القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم مكتوب عليها ما يلي:
(بسم الله الرحمن الرحيم – هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ – مرقد المرحوم الدكتور المهندس محمد شحرور – توفي ٢٤ ربيع آخر ١٤٤١ الموافق ٢١ كانون أول ٢٠١٩)
وأنا لست هنا في مقام الحديث عن مصير الرجل، ولا كما يدعي الجاهلون «الشماتة فيه»، وإنما في مقام الحديث عن ماذا تعلم أقرب الناس إليه من التنزيل الحكيم، وكيف يضعون آية قرآنية تشهد بأن صاحب هذا القبر من أهل جهنم؟!
فتعالوا نتدبر السياق الذي وردت فيه هذه الجملة القرآنية:
«هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ»
يقول الله تعالى عن المكذبين «يس / ٤٨-٥٢»:
«وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ»
ثم نتدبر جيدا ماذا قال الله بعد ذلك:
«وَنُفِخَ فِي الصُّورِ – فَإِذَا هُم مِّنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا – مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا – هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ – وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ»
إن المكذبين لليوم الآخر، الذين كانوا يقولون في الدنيا:
«مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»
إذا بهم يجدون أنفسهم في هذا اليوم فيقولون:
«يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا»؟!
فترد الملائكة، في نفس سياق الآية، وتقول لهم:
«هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ»
أي هذا الذي وعدكم اللّه به، ووعدتكم به الرسل، فظهر لكم الآن صدقهم رَأْيَ عين.
فهل فهمتم يا أتباع القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم، أن الخدمة الوحيدة التي قدمتها لكم هذه القراءة، هي المزيد من الجهل والتسيب والتحلل من أحكام القرآن، والكفر بمنظومة تدبر القرآن؟!
* تذكر:
أني أتحدث عن «ما يجب أن يكون»، أما «ما هو كائن» فتدبر:
«وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري