قلنا في المقال السابق إن أصل «الظلم»:
وضع الشيء في غير موضعه، فمن أشرك بالله وجعل الربوبية مستحقة لغيره، واتخذ مع الله ندًا، فقد وقع في «أظلم الظلم» لعدم القيام بحق الخالق في مقتضيات الإقرار بالوحدانية والعبادة، والتفريط في ذلك.
ويبدأ «أظلم الظلم» بـ:
١- الظلم في حق الله تعالى.
٢- ثم ظلم الإنسان لنفسه.
٣- ثم ظلم الأنداد الذين يتخذهم الإنسان سندا له من دون الله، سواء كانوا من أهل الإيمان، أو من أهل الشرك، فتدبر:
«وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً – يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ – وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ – وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ – إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ – أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً – وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ»
والند قد يكون:
(أ): كوكبًا: كالشمس والقمر.
(ب): جمادًا: كالأصنام والحجر.
(ج): حيوانًا: كالعجل والبقر.
(د): بشرًا: سواء ادعى الإلهية كـ «فرعون»، أو ادُّعِيَت له كـ «عيسى عليه السلام».
(هـ): أو قد يكون من المخلوقات الغيبية: كالجن والملائكة والشيطان.
ألا توجد هذه «الأنداء» اليوم في حياة الناس وداخل قلوبهم؟!
ألا توجد هذه «الأنداء» اليوم في حياة المسلمين وإن اختلفت صورها على هيئة «موبيلات» يمسكون بها ليل نهار، فإذا نادى المنادي «حي على الصلاة» قاموا إليها وقلوبهم وأذهانهم مع ما كانوا منشغلين به، فإذا قُضيت الصلاة سارعوا إلى حمله!!
إن «حب الله» هو القاعدة التي يجب أن ينطلق منها أي حب آخر، وإلا كان المسلم «منافقًا»، ويا ليت كان حب المسلمين للأنداد «كَحُبِّ اللّهِ»، وإنما جاء أقوى بمراحل من حب الله إلى درجة «نسيان الله» أصلًا، وانظروا حولكم:
فيقول الله تعالى محذرًا الذين آمنوا «الحشر / ١٨-١٩»:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ – وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ – وَاتَّقُوا اللَّهَ – إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ – فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ – أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»
ولذلك سيكون هذا المقال عن صور «ظلم الظلم» المختلفة التي جعلت المسلمين ينسون الله، نتيجة تدينهم الوراثي، و«جهلهم» بكيفية التعامل مع أحكام القرآن، واتباعهم «الأعمى» لمتبوعين هم أصلا من الذين «نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ».
# أولًا:
أزمة الملحدين مع قول المؤمن:
«أشهد أنه لا إله الا الله وأن محمدًا رسول الله»
يقولون:
إنكم قد جعلتم محمدًا شريكًا مع الله، والله تعالى يقول «آل عمران / ١٨»:
«شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
ولم يذكر الشهادة بأن محمدًا رسول الله.
* أقول:
إن الشهادة: «علم يقيني»، بشيء حدث، وأدركته وسائل إدراك الإنسان فور حدوثه، ويتحمل صاحبها مسئوليته أمام الله عند إدلائه بهذه الشهادة.
وفرق بين الشهادة التي تقوم على وسائل إدراك خلقها الله لإدراك عالم الشهادة «الحسي» الذي يعيش فيه الوجود البشري، وبين الشهادة التي تحدث في عالم الغيب، الذي يستحيل أن تدركه حواسنا ولا نعلم عن كيفية حدوثها شيئا.
ولكن عندما يحمل السياق شهادة أُوْلي الْعِلْمِ بالوحدانية «أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ» فذلك من منطلق إقرارهم بـ «دلائل الوحدانية» في الآفاق والأنفس، التي تدركها حواسهم وتشهد «أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ».
إن «أُوْلى الْعِلْمِ» الذين شهدوا بصدق «الوحدانية» على أساس الدلائل والبراهين التي أدركتها حواسهم في عالم الشهادة:
هم أنفسهم الذين يشهدون بصدق «نبوة» رسول الله محمد على أساس «الآية القرآنية العقلية» المعاصرة لهم اليوم والتي تركها حواسهم في عالم الشهادة.
أما «الجهلاء» فلا شك أنهم لا يعملون، وإذا علموا لا يتدبرون، وإذا تدبروا لا يفهمون أننا عندما نشهد:
«أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وأن محمدًا رسول الله»
فإن هذه الشهادة «شهادة علمية» تقوم على البراهين المثبتة لموضوع الشهادة والمتعلقة بدلائل «الوحدانية وبصدق «النبوة».
وأن «المنافقين» عندما شهدوا «أن محمدًا رسول الله» وقالوا:
«نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ»
كانت شهادتهم هذه «شهادة حسية» لوجود الرسول بينهم، ولكنها كانت «شهادة كاذبة» لأن ألسنتهم هي التي نطقت بها ولم تنطق قلوبهم، ولذلك قال الله تعالى:
«وَاللَّهُ (يَعْلَمُ) إِنَّكَ لَرَسُولُهُ – وَاللَّهُ (يَشْهَدُ) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ»
# ثانيًا:
إن الله تعالى الذي خلق كل ذرة في هذا الوجود، يعلم ما كان منها، وما هو كائن، وما سيكون، وإلا لكان صانع الطائرة الذي يعلم كل شيء عن وجود وفناء كل ذرة فيها من قبل تصنيعها، أحق بالإلهية من الله الذي نعبده، والذي قال في القرآن عن علمه الأزلي:
١- «الأنعام / ١١٦»:
«وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ – يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ – إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ – وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ»
* وضلال أكثر الناس من علم الله الأزلي.
٢- «يوسف / ١٠٣»:
«وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ»
٣- «يوسف / ١٠٦»:
«وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ»
* وكفر أكثر الناس وشركهم من علم الله الأزلي.
٤- «آل عمران / ٤٩»:
«وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ – وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ – إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ – إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»
* فكيف يعلم يوسف، عليه السلام، ما سيفعله الناس مستقبلا، أما الله تعالى الذي أمدّه بهذا العلم الغيبي، فلا يعلم ما سيفعله الناس مستقبلا إلا بعد أن يعقدوا العزم على العمل، كما يقول الملحدون أصحاب وأتباع القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم؟!
٥- يقول الله تعالى «آل عمران / ١٦٦»
«وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ – فَبِإِذْنِ اللّهِ – وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ»
إن ما أصاب المسلمين في «موقعة أحد»، كان وفق مشيئة الله وبعلمه الأزلي، بقرينة «وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ»، أي بحكمة الابتلاء وتبين المؤمن من المنافق.
# ثالثًا:
يقول الله تعالى «الإسراء / ٨٥»:
«وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ – قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي – وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً»
إن «الرُّوحُ» مِنْ «أَمْرِ رَبِّي»:
نقطة «full stop» ومن أول السطر.
ولا حديث عن ماهية «الروح»، لماذا:
«وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً»
وإنما لا شك أننا نعلم علم اليقين من السياق القرآني، أن «الروح» ليس هو الذي يفارق الجسد عند الموت، لأن الذي يفارق الجسد عند الموت شيءٌ «مؤنثٌ» هو «النفس»، فتدبر «الواقعة / ٨٣-٨٤»:
«فَلَوْلاَ إِذَا (بَلَغَتِ) الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ»
وقول الله تعالى «الزمر / ٤٢»:
«اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا – وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا – فَيُمْسِكُ (الَّتِي) قَضَى عَلَيْهَا (الْمَوْتَ) – وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى – إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»
* «إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»:
وأنا أُشْهِدُ الله تعالى، أن هؤلاء القوم «لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» نادر وجودهم بين المسلمين الذين يقرؤون القرآن ولا يتدبرون آياته، ومنهم صاحب القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم، الذي يتحدث في مؤلفاته عن «الروح» باعتبارها «مؤنث»، فيقول في كتابه «الكتاب والقرآن / ص ٢٣»:
«… على قانون الجدل الخاص بالإنسان، الذي أبانه الله عن الحيوان بنفخة الروح (التي) مكنته من الارتقاء عن عالم الحيوان بالعقل»
ويقول «ص ٣٦»:
«وقد تبين في بحثنا أن الروح (ليست) سر الحياة، وإنما هي سر الأنسنة»
ويقول «ص ١٠٣»:
«إن الظن بأن الروح (هي) سر الحياة هو الذي أبعد الناس عن المفهوم الحقيقي …»
* إن الذي يؤمن بهذا «العك الديني» الذي آمن به صاحب القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم فقد «ظلم نفسه» وهو في الآخرة «مِنَ الْخَاسِرِينَ».
وهذا ما سيأتي بيانه بالتفصيل في كتابنا:
القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم
الكتاب والقرآن
محمد شحرور نموذجًا
نقض المنهجية
والذي من المنتظر أن يُعرض في معرض الكتاب يوم «٢٢/ ١/ ٢٠٢٠».
# رابعًا:
إن المحور الأساس الذي يدور حوله «دين الإسلام» هو إقام الصلة الدائمة بالله تعالى، فالذي آمن وأسلم وجهه لله، عليه:
١- أن يجعل تلاوته لكتاب الله تلاوة «اتباع» وليس «قراءة» فقط، وخاصة ما كان يتعلق بـ «أحكام القرآن» التي تشمل شؤون حياته اليومية.
٢- أن يتوقف خمس وقفات يوميًا عن كل شيء يقوم بعمله، ويُسرع إلى إقام «الصلوات الخمس» في مواقيتها المحددة، بفهم واع لمعنى «الله أكبر»، ومُقرًا بإخلاص عبوديته لله، وأنه لم يتركب بين هذه الصلوات أي فحشاء أو منكر.
٣- ولذلك ربط الله تعالى في سياق واحد بين:
«تلاوة كتابه – إقام الصلاة – النهي عن الفحشاء والمنكر»
في إطار منظومة «ذكر الله» الذي يجب أن يكون أكبر وأعلى من كل شيء في حياة المؤمن، فقال تعالى:
«اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ – وَأَقِمِ الصَّلاَةَ – إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ – وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ – وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ»
ثم جاء «السياق القرآني» يُذّكْر المؤمنين في كثير من المواضع بالمحافظة على «الصلة بالله» خاصة وهم يتعاملون مع «أحكام القرآن» حتى لا يتعدوا حدود الله فـ «يَظْلِمُونَ» أو يُظْلَمُونَ».
ومن هذه الأحكام أحكام «الطلاق» التي ورد في سياقها قول الله تعالى «البقرة / ٢٣٨-٢٣٩»:
«حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى – وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً – أَوْ رُكْبَاناً – فَإِذَا أَمِنتُمْ – فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ»
فقد سبق هذه الآية قول الله تعالى «البقرة / ٢٣٧»:
«وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ – إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ – وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى – وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ – إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»
* فتدبر جيدًا هذه الجمل في سياق تفعيل «الصلة بالله»، وأن يكون «الله أكبر» فوق كل ما يتعلق بهذه الدنيا، إن كنت «تقيّا»:
«وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى – وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ»
ثم يأتي بعد آية المحافظة على «الصلوات» قول الله تعالى «البقرة / ٢٤٠»:
«وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً – وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ – فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ – وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»
ومن تفعيل مبدأ الصلة الدائمة بالله القائمة على «التقوى»، أن يوصي الرجل بأنه في حالة وفاته أن تظل زوجه تعيش في بيت الزوجية وتتمتع بالنفقة دون أن يُخرجها أحد، إلا إذا أرادت هي الخروج بشرط ألا تفعل ما تنكره أحكام القرآن المعروفة.
ولقد استخدم السياق كلمة «الْحَوْلِ» لبيان أن الفترة التي تعيش خلالها الزوج «المرأة» هي حولٌ كاملٌ إذ كلمة «حول» دالة على التحول حيث تعود الأيام إلى اليوم الذي مات فيه زوجها.
وطبعا سيخرج علينا من يترك أصل الموضوع ويسألنا عن معنى كلمة «الوسطى»، دون أن يُفكّر ويتدبر السياق أكثر من مرة، ويسأل نفسه:
إن الأمر بالمحافظة على «الصلوات كلها» قد سبق قوله تعالى «والصَّلاَةِ الْوُسْطَى»، في جملة واحدة تفصل بينهما «واو العطف»، فهل هناك صلاة اسمها «الصلاة الوسطى» خارج منظومة الصلوات الخمس؟!
أم أن «الصَّلاَة الْوُسْطَى» صلاة من الصلوات الخمس، وفي هذه الحالة يكون الأمر بالمحافظة عليها تكرارًا يتنزه الله عن فعله؟!
إن وجود «الصَّلاَة الْوُسْطَى» في هذا السياق، من الأساليب البلاغية التي تستخدم للتأكيد على أهمية شيء معين، وهو هنا فعل «حَافِظُواْ» وربط المحافظة بمنظومة حركة الشمس من شروقها إلى غروبها.
إنها «خمس ظواهر فلكية رئيسة» مرتبطة بـ «أطراف النهار»:
يقوله تعالى مخاطبا رسوله محمدًا، عليه السلام، «طه / ١٣٠»:
«فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ – وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ – قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ – وَقَبْلَ غُرُوبِهَا – وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ – وَأَطْرَافَ النَّهَارِ – لَعَلَّكَ تَرْضَى»
إن هذه أوقات «التسبيح»، وهي تشمل أوقات «الصلوات الخمس» المتحركة مع «أَطْرَافَ النَّهَارِ»:
بداية بأول طرف عن ظهور خيط ضوء الشمس «صلاة الفجر»، مرورا بأطراف صلوات «الظهر – العصر – المغرب»، إلى آخر طرف للنهار عند اختفاء قرص الشمس تماما عند غسق الليل «صلاة العشاء».
ولبيان وجوب المحافظة على إقامة كل صلاة من «الصلوات الخمس» في وقتها، ودون استثناء، لأن هذا الوقت مرتبط بظاهرة فلكية يجب أن تتعلق قلوب المؤمنين بها وتكبر الله «الله أكبر»:
لهذا السبب، وباعتبار أن عدد الصلوات فردي «5»، جاء بلفظ «الوسطى» لبيان أن كل صلاة من الصلوات الخمس تتوسط باقي الصلوات خلال حركة الشمس أطراف النهار، بداية بأول طرف إلى آخر طرف، في منظومة تسبيح يشهدها الكون كله.
# خامسًا:
يقول الله تعالى «البقرة / ٢٢٨»:
«وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ – وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ»
ويقول الله تعالى «النساء / ٣٤»:
«الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء – بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ – وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ»
فاعلم أن:
* «وَلِلرِّجَالِ» على النساء «دَرَجَةٌ»:
نقطة «full stop»، ومن أول السطر.
* «الرِّجَالُ» قَوَّامُونَ عَلَى «النِّسَاء»:
نقطة «full stop»، ومن أول السطر.
ومن لا يحافظ على وجود هذه «الدرجة» وهذه «القوامة»، في حياته، فقد «ظلم نفسه»، ويخرج من دائرة «الرجال» الذين وصفهم الله تعالى بقوله «الأحزاب / ٢٣»:
«مِنَ الْمُؤْمِنِينَ – رِجَالٌ – صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ – فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ – وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ – وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً»
# سادسًا:
لقد أمر الله كل من آمن به واتبع كتابه الخاتم، أن يعلم:
١- ما هي ملة الإنسان الذي يتعامل معه، حتى لا يخرج هذا التعامل عن حدود الله التي بيّنها في كتابه، «ملة وشريعة»، وخاصة مسائل الأحوال الشخصية وعقود النكاح.
ومن لم يفعل فقد «ظلم نفسه» وهو في الآخرة «مِنَ الْخَاسِرِينَ».
٢- أن كل ما ثبت علميًا وطبيًا أنه من الطيّبات فهو «حلال» حتى يثبت أنه من الخبائث فـ «يحرم» استخدامه.
وأن كل ما ثبت علميًا وطبيًا أنه من الخبائث فهو «حرام» حتى يثبت أنه من الطيبات فـ «يحل» استخدامه.
٣- أن كل من يتحدث مع الناس عن «أحكام القرآن» على أساس «ما هو كائن» في حياتهم، دون أن يضع أمامهم في نفس الوقت «ما يجب أن يكون» وفق ما أنزله الله في هذا القرآن، فهو جاهلٌ بحقيقة «دين الإسلام»، «ظالمٌ لنفسه»، وهو في الآخرة «مِنَ الْخَاسِرِينَ».
* تذكر:
أني أتحدث عن «ما يجب أن يكون»، أما «ما هو كائن» فتدبر:
«وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً – اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
محمد السعيد مشتهري