تنطلق المسؤولية الدينية لكل إنسان من قاعدة «حرية الاعتقاد»، لقول الله تعالى «الإسراء/ ١٥»:
«مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ – وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا – وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى – وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً»
نتدبر جيدا: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً»:
فهل بعث الله رسوله محمدًا بكتاب واحد أم بكتابين؟!
لقد بعث الله رسوله محمدًا بكتاب واحد هو «القرآن الكريم»، ولا توجد أي إشارة في القرآن بوجود «نص تشريعي أو غير تشرعي» أمر الله رسوله بتدوينه في كتاب غير «النص القرآني».
ومن الآيات التي تؤكد ذلك، قول الله تعالى «الأعراف / ١٥٨»:
«فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ – النَّبِيِّ الأُمِّيِّ – الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ – وَكَلِمَاتِهِ – وَاتَّبِعُوهُ – لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»
لقد آمن رسول الله محمد بـ «اللّهِ وَكَلِمَاتِهِ»، ولو كان من أصول الإيمان، الإيمان بـ «كلام» أوحاه الله إلى رسوله باسم «الأحاديث النبوية» لاقتضى ذلك:
أن ينص الله صراحة على وجوب الإيمان بـ «كلام رسوله»، الذي لم يُدوّنه «المحدثون» إلا بعد وفاة الرسول بقرن ونصف قرن على أقل تقدير، والله تعالى منزه عن هذا الافتراء.
ولقد كان هذا الافتراء هو السبب الذي جعلني اعتزل التراث الديني لجميع الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، واتجه «نحو إسلام الرسول» من خلال آيته الدالة على صدق «نبوته».
أولًا:
ماذا يعني التوجه الديني «نحو إسلام الرسول؟!
١- الوقوف على حقيقة «دين الإسلام» من خلال «الآية القرآنية العقلية» المعاصرة للناس جميعًا اليوم:
أي من خلال «البرهان العقلي» الدال على أن هذا «القرآن» الذي بين أيدي الناس، يحمل في ذاته البرهان «الآية» على صدق «نبوة» الذي بلغه للناس، وهو رسول الله محمد:
يقول الله تعالى «الأحزاب / ٣٩»:
* «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ – وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ – وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً»
٢- اتخاذ منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من نصوص «الآية القرآنية العقلية» يستحيل التعامل مع «القرآن» بمعزل عنها، وهي:
(أ) «اللسان العربي»:
المحفوظ في مراجع اللغة العربية بحفظ الله لآيات الذكر الحكيم:
يقول الله تعالى «يوسف / ٢»:
«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ – قُرْآناً عَرَبِيّاً – لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»
نلاحظ أن علة إنزال القرآن «عَرَبِيّاً» هي «لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»، الأمر الذي يعني أن هناك تناغمًا بين «اللسان العربي» وتفعيل «آلية التعقل» للوصول إلى الفهم الواعي لآيات الذكر الحكيم، وفي مقدمة ذلك الوقوف على حجية «الآية القرآنية العقلية» وصحة نسبتها إلى الله تعالى.
(ب) «السياق القرآني»:
وهو الذي يحدد المعنى المختار من مراجع اللغة العربية، والذي يناسب موقع الكلمة في الجملة القرآنية:
يقول الله تعالى في بيان موقف المنافقين من كلام الله «المائدة / ٤١»:
* «… يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ …»
«الْكَلِمَ»: اسم جنس جمعي للفظ «كلمة» ومعناه «الكلام»، أي يُحرفون «كلام الله» من بعد إحكام موضعه في سياقه المحكم، فتدبر «هود / ١»:
«الَر – كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ – ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»
والهدف من هذا التحريف هو إخراج الكلمة عن معناه اللغوي والسياقي، كما يفعل «الملحدون» اليوم في آيات الله.
(ج) «آليات عمل القلب»:
وبدون هذه الآليات يستحيل التعامل مع القرآن، ومنها آليات:
التفكر: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»
التعقل: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»
التدبر: «أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»؟!
التفقه: «انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ»
النظر: «أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ …»؟!
(د) «آيات الآفاق والأنفس»:
يقول الله تعالى «فصلت / ٥٣»:
* «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ – وَفِي أَنفُسِهِمْ – حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ – أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»
نتدبر جيدا: «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»:
«أَنَّهُ الْحَقُّ»: أي «القرآن» من أوله إلى آخره، فكل «آية» وكل «حكم» وكل «كلمة»، في هذا القرآن «حق» واجب الاتباع.
أما كيف يكون حقًا واجب الاتباع والناس يختلفون في فهم آياته، فهذا يرجع إلى طبيعة المنهج والأدوات المستخدمة للوصل إلى هذا الحق.
إن القضية في حقيقة الأمر ليست قضية «فهم» بقدر ما هي قضية منهج علمي وأدوات مستنبطة من ذات النص القرآني للوصول إلى الفهم الواعي للحق الذي تحمله آيات الذكر الحكيم.
وعليه، فلن يكون هناك خلاف حول «الحق» الذي حملته آيات الذكر الحكيم، طالما أن طريق الوصول إليه واحد، وإنما يكون هناك تتعدد لزوايا رؤية الحق.
ثم يلفت الله تعالى نظر الناس إلى أن هناك قضية أهم وأكبر من مسألة «الفهم» ومسألة تعدد زوايا رؤية «الحق»، وهي:
أن الناس لو كانوا مستعدّين في أي وقت للقاء ربهم لسهل عليهم الوصول إلى «الحق»، بعيدا عن هوى النفس، فقال تعالى «فصلت / ٥٤»:
* «أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ – أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ»
(هـ) «منظومة التواصل المعرفي»:
وهي المحور الأساس الذي تدور حوله الأدوات الأربع السابقة، وهي التي ربطت «الكلمة» بمقابلها الكوني «مُسَمَّاها» على مستوى لغات العالم كلها، هذا «المّسَمَّى» الذي يتعلمه الناس في طفولتهم، والذي لولاه ما استطاع أحد من أن يفهم كلمة واحدة في لغته.
وبالنسبة للمسلمين، فيستحيل أن يفهم أحد منهم كلمات القرآن من داخله، لأن «مُسَمَّيات» هذه الكلمات، كما تعلم المسلمون في المدارس الابتدائية، لا تحملها الكلمات في ذاتها، وإنما توجد خارج الكلمة في العالم المشاهد.
فعلى سبيل المثال:
يستحيل أن نجد كيفية أداء «الصلاة» التي أمر الله بإقامتها داخل القرآن، ولا حتى معنى كلمة «صلاة»، فكل الكلمات التي تتعلق بأحكام الصلاة، وجميع أحكام القرآن، ما هي إلا كلمات فقط أما «المُسَمَّيات» فقد حملتها «منظومة التواصل المعرفي» منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا.
# ثانيًا:
إن التوجه الديني «نحو إسلام الرسول»:
ينطلق من قاعدة التفريق بين:
١- «ما يجب أن يكون»:
وفق ما أمر الله به في كتابه الخاتم، القرآن الكريم.
٢- و«ما هو كائن»:
بين الناس في حياتهم المعيشية.
والتوجه الديني «نحو إسلام الرسول» يفصل:
(أ) بين «ما يجب أن يكون» الذي أمر الله به:
وفي هذا المقام لا يتعدى دور هذا التوجه مهمة «البلاغ»:
يقول الله تعالى «النور / ٥٤»:
«وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ»
(ب) و«ما هو كائن» في حياة الناس.
وهو الذي يتحمل مسؤوليته كل إنسان على هذه الأرض:
يقول الله تعالى «الإسراء/ ١٣-١٤»:
«وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ – وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً *
اقْرَأْ كَتَابَكَ – كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»
٣- ولا يتدخل التوجه الديني «نحو إسلام الرسول» في «ما هو كائن» في حياة الناس إلا من باب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» باعتباره فريضة جعلها الله تسبق الإيمان به لبيان مدى أهميتها:
يقول الله تعالى «آل عمران / ١١٠»:
* «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ – تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ – وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ»
# ثالثًا:
إن التوجه الديني «نحو إسلام الرسول»:
ليس مذهبًا عقديًا أو فقهيًا جديدًا يُضاف إلى مذاهب الفرق الإسلامية، ذلك أن هذه الفرق انطلقت، منذ القرن الأول الهجري، من قاعدة «التفرق في الدين»، هذه القاعدة التي حذر الله رسوله والمؤمنين من الاقتراب منها، فقال تعالى «الروم / ٣٠-٣٢»:
* «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً – فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا – لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ – ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ – وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ»
* «مُنِيبِينَ إِلَيْهِ – وَاتَّقُوهُ – وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ – وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
أما التوجه الديني «نحو إسلام الرسول» فقد انطلق من قاعدة «الآية القرآنية العقلية» المعاصرة للناس جميعًا اليوم:
فكيف يكون مذهبًا جديدًا يُضاف إلى مذاهب الفرق الإسلامية التي انطلقت من قاعدة سلفية تُشرك بين:
– «الآية الإلهية» التي تعهد «الله تعالى» بحفظ نصوصها.
– و«الرواية البشرية» التي تعهد «المُحدّثون» بحفظ متونها، كلٌ حسب مدرسته في الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف؟!
١- إن التوجه الديني «نحو إسلام الرسول»:
توجه غير مسبوق في أهدافه، وفي منهجيته العلمية وما حملته من أدوات لفهم القرآن، إنه توجه ليس له منافس.
٢- لا يدعي صاحب هذا التوجه أنه نبي أرسله الله للناس، فقد ختم الله تعالى «النبوات» ببعثة خاتم النبيين محمد، عليه السلام، وهذا ما بينه الله تعالى بقوله «الأحزاب / ٤٠»:
* «مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ – وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ – وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ – وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً»
٣- ولا يدعي صاحب هذا التوجه أنه «مهدي» من المهديّين الذين كان المسلمون ينتظرونهم ليجددوا لهم دينهم كل مئة عام، لأن المهديين ظهروا ولم يفعلوا لـ «دين الإسلام» شيئًا، والسبب:
أنها بدعة ظهرت لتريح المسلمين نفسيًا، بعد تخلفهم في كل شيء، وتَعِدَهم بأن هناك يومًا سيظهر فيه «مهدي» ينصر «دين الإسلام» نيابة عنهم.
٤- إن التوجه الديني «نحو إسلام الرسول»:
يستحيل أن «يحْجُر» على أي توجه ديني موجود على الساحة الدينية العالمية بمختلف مِلَلِهَا ونِحَلِهَا، أو يُصادر حرية الرأي، لأن صاحبه يعلم معنى قول الله تعالى «البقرة / ٢٥٦»:
* «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ – قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ – فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ – فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا – وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
ويعلم معنى «إخلاص العبودية لله تعالى»، ومقام «العلم وأدب العلماء»، هذا بالإضافة إلى أن بوصلة التوجه الديني «نحو إسلام الرسول» تعمل في اتجاه واحد فقط، وهو دعوة الناس إلى «ما يجب أن يكون»، والنهي عن منكرات «ما هو كائن».
٥- إن التوجه الديني «نحو إسلام الرسول» لا يتعارض مطلقا مع كل ما يحدث في العالم من تقدم حضاري وتقني أذهل ويُذهل القلوب العاقلة، ولا أن يكون للمرأة دور مع الرجل في هذا التقدم:
ولكن السؤال:
ما الذي يعوق المسلم والمسلمة من الالتزام بأحكام «الحلال والحرام» وهما يسيران في طريق التقدم الحضاري والتقني، وهما اللذان من مهمتهما الرئيسة إخراج الناس من الظلمات إلى النور، تنفيذا لأمر الله تعالى «إبراهيم / ١»:
* «الَر – كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ – لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ – بِإِذْنِ رَبِّهِمْ – إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»؟!
ونحن اليوم في عصر الثورة المعلوماتية والذكاء الاصطناعي، فهل الذي أعاق المسلمين أن يكونوا هم صُنَّاع هذه الثورة، هو «أحكام الحلال والحرام» التي حملها هذا الكتاب الذي أمرهم بإخراج «النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»؟!
ومجمل القول:
إن التوجه الديني «نحو إسلام الرسول» يعني:
أن يكون المسلمون هم الشعب الياباني، واحتمال يتحقق ذلك عندما يظهر «مهدي» في اليابان.
محمد السعيد مشتهري