لقد حصل أبو بكر البغدادي، السني المذهب، على بكالوريوس الدراسات القرآنية من كلية الشريعة الإسلامية جامعة بغداد، وعلى الماجستير والدكتوراه في نفس التخصص، وكان يعمل إمامًا وخطيبًا في المساجد.
وهناك الآلاف مثل «البغدادي» يحملون المؤهلات العليا في العلوم الإسلامية المختلفة، ويقودون منابر الفكر الديني السني بتوجهاته العقدية والفقهية المختلفة، على مستوى مساجد العالم.
فإذا ذهبنا إلى بيوت أهل السُنّة لنفهم ماذا يفعل أهلها، وكيف يتربى أولادها، فإننا لا نجد في كل بيت مدرسة تكفيرية، ووكرًا للإرهاب، ومصنعًا للقنابل البشرية، وأطفالًا يفهمون لماذا يقلتهم أبوهم بحزامه الناسف؟!
والسؤال:
فمن أين خرجت الجماعات والمنظمات الجهادية التكفيرية «السُنّية» بجميع انتماءاتها العقدية والفقهية المختلفة؟!
والجواب:
خرجت من البيوت التي ولدوا فيها، بيوت أهل السنة والجماعة، ولكن في غفلة من بعض هذه البيوت، وإلا لتغيرت خريطة العالم لو كانت بيوت أهل السنة كلها جهادية تكفيرية!!
أولًا:
إن قضية الجماعات والمنظمات الجهادية التكفيرية ليست قضية فرقة أهل السُنّة وحدها، وإنما قضية المسلمين جميعًا، بجميع توجهاتهم العقدية والفقهية المختلفة.
إن دم الشاب الأردني الذي تم حرقه في قفص من حديد على مرأى ومسمع من العالم، هذا الدم ليس في رقبة الجماعة الإرهابية السنية التي نفذت، ولا في رقبة فرقة أهل السُنّة، وإنما في رقبة المسلمين جميعًا، أتباع الفرق الإسلامية كلها.
إن دم الشاب الأردني الذي تم حرقه في قفص من حديد، حلقة في سلسلة أزمة التخاصم والتكفير، التي استُحلّت دماء المسلمين في أحداث الفتن الكبرى، وقد كان المسلمون يقيمون الصلوات الخمس والدماء تجري على الأرض كالأنهار، في الوقت الذي يعلمون فيه:
«إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ»
وهل بعد سفك الدماء بغير حق من فحشاء ومن منكر؟!
وعندما يقول الله تعالى:
«يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ»
فهل كان المتقاتلون يعلمون ما يقولون في صلاتهم، وقد سكرت قلوبهم الدماء التي كانت تسيل كالأنهار؟!
ثانيًا:
إن المليارين مسلم يُصلّون، ولم تنههم صلواتهم «عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ»، وانظر في بيتك، وفي عملك، وفي مجتمعك، وانظر إلى الدول الإسلامية، وكيف أن المسلمين يتعاملون مع الصلاة كـ «هَمّ» يصيبهم خمس مرات يوميا، ويريدون التخلص منه.
إن المليارين مسلم «سُكَارَى» لا يحق لهم أصلا أن يقتربوا من «الصَّلاَة» حتى «يَعْلَمُواْ مَا يَقُولُونَ»، والحقيقة أنهم لا يعلمون ما يقولون، وإلا فأين كان الآباء، وأين كانت الأمهات، وأولادهم يتربّون على الأفكار الجهادية التكفيرية؟!
الحقيقة أنهم لا يعلمون أنهم عندما يقولون «اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ» وهم أصلًا متفرقون في الدين «كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»، فهم «منافقون» لأن الله تعالى يقول:
«وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ – وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ – ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»؟!
فهل عمل «الملياران مسلم» بوصية الله تعالى لهم؟!
إن التزام المسلمين بإقامة الشعائر التعبدية، وفي مقدمتها «إقام الصلاة»، ليس هو صمام الأمان، ولا طوق النجاة، من اختراق الفكر الإرهابي التكفيري إلى قلوبهم وقلوب أولادهم.
إن قلوب أولاد المسلمين يجب أن تتحصن من أي اختراق لها، وذلك بالفهم الواعي لأصول الإيمان، وبالتربية الحكيمة على أحكام القرآن، وأن تتشرب قلوبهم كراهية سفك الدماء بغير حق.
إن أولاد المسلمين يجب أن يعلموا أن سفك الدماء بغير حق كبيرة من الكبائر، لا يفعلها إلا من فقد وسائل إدراكه وآليات عمل قلبه، فأصبح في منزلة الحيوان الذي مكان معيشته في الغابات:
«لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا – وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا – وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا – أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ – بَلْ هُمْ أَضَلُّ – أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ».
ثالثًا:
منذ قرون وهم يقطعون فروع شجرة الإرهاب وسفك الدماء بغير حق، فتخرج لهم فروع جديدة أقوى من المقطوعة، ذلك أن جذور الشجرة تشتد وتقوى كلما قطعت فروعها، فلماذا لم تُقتلع شجرة الإرهاب من جذورها؟!
لأن جذور شجرة الإرهاب متشعبة في أمهات كتب الفرق والمذاهب العقدية والفقهية المختلفة، ولم يجرؤ أحد من أئمة السلف ولا الخلف أن يطالب بحذف صفحة واحدة من هذه الكتب، وذلك على مستوى جميع الفرق الإسلامية.
ولذلك قلت، وأقول:
إن على المسلمين جميعا أن يخلعوا ثوب التفرق في الدين، وأن يعيدوا الدخول في «دين الإسلام» من بابه الصحيح، باب الإقرار بصدق «الآية القرآنية العقلية»، وأن يقوموا بتربية وتحصين أولادهم من أن تخترق قلوبهم بفيروس التطرف والإلحاد، وذلك عن طريق تربية الأولاد:
١- على أنهم خلقوا من أجل عبادة الله تعالى وحده لا شريك له:
«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»
وعلى الفهم الواعي لمعنى التزام العمل بـ «أصول الإيمان»، وأن هذا الالتزام هو الذي يجعلهم على قمة هرم الإنسانية.
٢- على طهارة النفس وتقواها، فهما صمام الأمان من أي اختراق متطرف أو ملحد لقلوبهم:
«وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»
وعلى أن ابتلاء الإنسان وفتنته في هذه الدنيا، في مدى قدرته على أن يسلك دائما طريق التقوى الموصل إلى الفلاح:
«قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا»
وعلى الفهم الواعي لقوله تعالى:
«وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا»
٣- على أن «الخلافة» لا تعني «الحكم» وأن «الخليفة» ليس معناه «الحاكم بأمر الله» وأن قوله تعالى للملائكة:
«إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً»
ليس معناه «إني جاعل حاكمًا» وإنما إني سأخلق إنسانًا يَخْلِف ويُخْلَف، وهو تعبير يشير إلى منظومة تتابع الأجيال، وهذا ما بينه الله تعالى بقوله:
«عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ – وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ – فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ»
٤- على تحصيل «العلوم» التي تجعلهم على قمة هرم التقدم الحضاري، وعلى أن «العلم» من غير «عمل» كقول حكيم:
«يا هذا – إذا أفنيت عمرك في جمع السلاح – فمتى تقاتل»؟!
والله تعالى يقول:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا – لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»
رابعًا:
١- يجب أن يقوم «بيت الزوجية»، الذي يريد أن يحمي أولاده من التطرف والإلحاد، على هذه القاعدة الإيمانية، التي قد يظن من ليس لهم دراية بعلم السياق، أنها خاصة بالنبي ونسائه:
«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ – قُل لأزْوَاجِكَ – إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا – فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ – وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ – وَالدَّارَ الآخرةَ – فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ – أَجْراً عَظِيماً»
إن معظم بيوت المسلمين ورثت عن «الآبائية» إرادة «الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا»، وليس «اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخرةَ»، ولذلك كانت هذه هي النتيجة التي لا تخفى عن ذوي البصائر.
ولذلك يجب سرعة تدارك الأمر لأن الموت لا يأتي بموعد تعرفه:
* «يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ – إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا – فَمُلَاقِيهِ»
وأن يختار الزوجان والأولاد «اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخرةَ»:
«وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ – وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا – وَهُوَ مُؤْمِنٌ – فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا»
وعندما تكون إرادة الآخرة بالسعي، وأن يكون هذا السعي مشكورًا، هنا يسهل جدا تغيير ما هو كائن إلى ما يجب أن يكون وفق ما أمر الله، ويظل البيت في أمن وأمان من أي تطرف أو إلحاد.
٢- إن القلب «المعنوي» يتبلد ويقسو كلما ابتعد صاحبه عن تفعيل فطرته الإيمانية وآليات عمله: آليات التفكر والتعقل والنظر..، تماما كما يتبلد البدن «المادي» وتقسو مفاصله بالكسل وعدم الحركة.
لذلك كان على المسلم أن يكثر من التفكر والنظر في آيات الآفاق والأنفس من أجل تنشيط فطرته الإيمانية، وأن يعلم أن فطرته الإيمانية ستبتلى:
«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ»
وأن الله تعالى قال:
«وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»
إن معظم المسلمين يقربون «الصَّلاَةَ» وهم «سُكَارَى» لا يعلمون «مَا يَقُولُونَ»، ويخرجون من «الصَّلاَةَ» وهم «سُكَارَى» لا يستطيعون تغيير ما هو كائن إلى ما يجب أن يكون، والسبب:
أنهم لم «يُقِيمُوا الدِّينَ» و«تَفَرَّقُوا فِيهِ»، وأقاموا على هذا الأساس المذهبي عقود أنكحتهم، فجاءت ذرياتهم بلا ملة ولا دين.
محمد السعيد مشتهري