يخرج الأولاد من بطون أمهاتهم في جو من السعادة والبهجة والفرح، والتهاني والأمنيات، ثم يأتي «السبوع» ومعه الهدايا، وتأتي أعياد الميلاد، ويكبر الأولاد وهم داخل قالب «الآبائية» الذي يقوم بتشكيلهم حسب هوى وملة الوالدين.
ويبلغ الأولاد النكاح ويكتمل رشدهم، ولا يقومون بتفعيل آليات «التفكر والتعقل والتدبر… آليات عمل القلب» للوقوف على حقيقة ملة الآباء، وهل كانت البيئة التي تربى فيها الأولاد هي البيئة الصالحة التي أمر الله بها؟!
أولًا:
مع علم الأولاد «الذين بلغوا النكاح واكتمل رشدهم» بأنهم صناعة البيئة التي عاشوا فيها، ومع علمهم بالمفهوم الواقعي لقوله تعالى:
* «وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ – لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا – وَجَعَلَ لَكُمُ – الْسَّمْعَ – وَالأَبْصَارَ – وَالأَفْئِدَةَ – لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»
لم يُغيّروا ما بأنفسهم، و«قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا»، وعندما ماتوا «وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً».
إنهم لم يُفكّروا في فعاليات أسماء الله الحسني في حياتهم، ولم تساعدهم البيئة التي تربوا فيها على شكر الله على نعمه التي لا تحصى، فهو سبحانه:
الذي أخرج «وَاللّهُ أَخْرَجَكُم».
والذي جعل «وَجَعَلَ لَكُمُ».
هذه النعم: «الْسَّمْعَ – وَالأَبْصَارَ – وَالأَفْئِدَةَ».
ثانيًا:
إن الله تعالى لا يخاطب بهذه الآية «وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ …» الأطفال لحظة خرجوهم من بطون أمهاتهم، لأنهم «لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا»، وإنما يخاطب البيئة التي يتربى فيها الأولاد.
إن الله تعالى يخاطب البيئة المسؤولة عن تربية وتعليم الأولاد حتى يكبروا ويكونوا على النحو الذي يعلمه «المسلمون» ويعلمه الناس جميعًا.
فمن المسؤول «أولًا وأخيرًا» عن حال المليارين مسلم الموجودين في العالم اليوم، الذين بلغوا النكاح واكتمل رشدهم في بيئات:
١- لا تعلم عن «دين الإسلام»، وعن «أحكام القرآن»، غير أداء الشعائر التعبدية، من صلاة وزكاة وصيام وحج..، فقط لا غير!!
٢- بيئات تُصرّ على اتباع دين آبائهم «المذهبي»، دين «التفرق في الدين» الذي حذر الله رسوله محمدًا والذين آمنوا معه من اتباعه، فقال تعالى:
«مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ – وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ – وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ – وَكَانُوا شِيَعاً – كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
٣- بيئات عشوائية لم تقم مجتمعات الإيمان والعمل الصالح.
٤- بيئات لا تنهى أولادها عن السلوكيات والتصرفات الوافدة إليهم من بيئات خارجية، بدعوى: «هذا هو حال الدنيا»!!
ثالثًا:
إذا أردت أن تقف على حجم المصيبة العقدية التي يعيش بداخلها الملياران مسلم، استنادا إلى قوله تعالى:
«الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
فابحث عن تعداد المسلمين في العالم:
«حسب طوائفهم ومذاهبهم العقدية والفقهية»
وأنت تعلم:
١- لماذا تخلوا عن مسؤولية الشهادة على الناس:
* «هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ – وَفِي هَذَا – لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ – وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ»
٢- لماذا تخلوا عن مسؤولية إخراج الناس من الظلمات إلى النور، بتفعيل نصوص «الآية القرآنية العقلية» في حياتهم:
* «الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»
٣- لماذا خرج «المفسدون في الأرض» من بين صفوف المليارين مسلم، وذهبوا يسفكون الدماء بغير حق، بدعوى إقامة الخلافة الإسلامية في الأرض، والمنظومة كلها «شرك في شرك»؟!
ألا تستحق هذه المنظومة، هذه «المصيبة العقدية»، التي يعيش بداخلها «ملياران مسلم» أن تُسجل في موسوعة الأرقام القياسية «جينيس»؟!
رابعًا:
أن الهدف من العملية التعليمية، التي تحدث بعد خروج الناس من بطون أمهاتهم، هو تحصيل «العلم»:
* «وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا»
١- لماذا كان المسلمون في ذيل منظومة «العملية التعليمية» القائمة على تفعيل «الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ» في المناهج التعليمية؟!
٢- ولماذا قامت منظومة نقل المعلومات والأخبار بين المسلمين على منهج «الببغاوات»، وليس على أسس علمية، في الوقت الذي يخاطب الله تعالى كل إنسان ويقول له:
* «وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ»
* «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ»
* «كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً»؟!
«وَلاَ تَقْفُ»: فعل أمر، و«القَفْو»: هو الاتباع، أي لا تتبع أيها المسلم «مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ».
٣- وعليه، يحرم نقل «المعلومات الدينية» وتتداولها بين الناس بغير علم، استنادا إلى فعل الأمر «وَلاَ تَقْفُ»، لأن الإنسان سيسأل يوم القيامة:
«إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً»
كما يحرم أن ينشر المسلمون «آيات قرآنية» بمعزل عن سياقاتها، ودون دراسة علمية لغوية جادة لموضوعاتها، تجعل الناشر قادرًا على الإجابة على أي سؤال يتعلق بها.
فعندما أجد أمامي منشورًا يحمل آية قرآنية، فقط لا غير، ودون أي بيان لمعناها، وهي قول الله تعالى:
* «قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ»
وتنشر مثل هذه الآيات بين أناس لا يعلمون عن لغة القرآن العربية شيئًا، ويحملون القرآن كما كان يحمل اليهود التوراة:
فهل يمكن أن يكون «لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ»، ويكون الرسول «أَوَّلُ الْعَابِدِينَ» له؟!
خامسًا:
أن منظومة «التغييب العقلي» و«الهوس الديني» التي يعيش بداخلها المسلمون، تقوم على أساس «الإلحاد» في آيات الذكر الحكيم، وأول الطريق إلى هذا «الإلحاد» هو «الجهل» بلغة القرآن العربية.
وأول من ساهم بقوة في «استغفال عقول» المسلمين، وإصابتهم بفيروس «الهوس الديني»، هو صاحب القراءات القرآنية الشحرورية المعاصرة، الذي كان من المستحيل أن يتبعه إنسان عاقل على علم بلغة القرآن العربية.
لقد أقام شحرور قراءاته القرآنية المعاصرة على مسألة لغوية يجهل حقيقتها المعجبون بها وبنتائجها، وإلا ما اتبعوه، وهي مسألة «الترادف».
وإذا سألت المليارين مسلم عن «الترادف» ومذاهب أئمة اللغة فيه، سيسرعون إلى شبكة الإنترنت لتجيبهم على سؤالك!!
١- «الترادف» باختصار يعني: دلالة «أكثر من لفظ» على معنى «واحد»، مثال:
المعنى الواحد: «الله» عز وجل.
والألفاظ: «الخالق – الرحمن – القدوس».
ومثال آخر:
المعنى الواحد: «الأسد».
الألفاظ: «الليث – الغضنفر».
إذن فـ «الترادف» موجود أصلًا في نسيج اللغة العربية، واختلاف فقهاء اللغة العربية حوله اختلاف تكامل وليس تضاد، ومصطلح «إنكار الترادف» أو «إثبات الترادف» لا يفهمه ألا فقهاء اللغة:
١- فمنهم من يثبتون «الترادف» مطلقا:
وأصحاب هذا المذهب يؤمنون بأن القرآن نزل يخاطب العرب بأساليب بيانية بلاغية كانوا ينطقون بها من قبل نزوله، فكانوا يستعلمون «عدة ألفاظ» للمعنى الواحد، و«عدة معان» للفظ الواحد.
وهؤلاء يثبتون «الترادف» بدون قید ولا شرط، وهم أكثر اللغويين والنحاة.
٢- ومنهم من ينكرون «الترادف» مطلقا:
وأصحاب هذا المذهب يؤمنون بأن الكلمات «المترادفات» هي «أسماء» تحمل صفات الاسم الأصلي، ومن هؤلاء «ابن الإعرابي، وثعلب، وابن فارس».
٣- ومنهم من ينكرون تعدد «الأسماء»، ويثبتون تعدد «الصفات»:
وهؤلاء يؤمنون بأن اللفظ الأصلي هو «اسم واحد»، مثال: لفظ «السيف»، أما باقي الألفاظ «المهند، الصارم، المفقر …» فهي صفات للفظ الأصلي وليست «أسماءً»، ومن هؤلاء «أبو علي الفارسي شیخ ابن جني».
سادسًا:
إذن فاختلاف فقهاء اللغة العربية حول مسألة «الترادف» قائم على أساس نظرة كل منهم إلى «الألفاظ» و«المعاني»:
١- فمنهم من ينظر إلى «الألفاظ» نظرة مجردة، ويجعلها «أسماءً» لمعاني محددة.
٢- ومنهم من ينظر إلى «المعاني» ويجعلها «صفات» لأسماء محددة.
٣- ولن يغير كون اللفظ في أساسه «صفة» للمعنى، أو «اسمًا» خاصا به، ما دامت الدلالة على المعنى حاصلة في الحالين، وذلك في إطار ما كان ينطق به اللسان العربي قبل نزول القرآن.
٤- وبصرف النظر عن المثبتين للترادف والمنكرين له، فإن العرب على مر العصور وإلى يومنا هذا يستخدمون الألفاظ «المترادفة» تلقائيا للتعبير عن المعاني التي يريدون إيصالها للآخرين، وهم لا يشعرون، ولا يعلمون شيئا عن «الترادف».
والسؤال:
كيف يسمح مؤمن أسلم وجهه لله تعالي لنفسه أن يتحدث في «دين الإسلام» أو عن «آيات القرآن وأحكامها»، وهو يجهل لغة القرآن العربية وعلومها؟!
وإذا كان الله تعالي يقول في كتابه الحكيم، مخاطبا المؤمنين:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً»
* «وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ»
* «عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ»
* «لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»
فمن أين سيحصل الملياران مسلم على طوق نجاة أنفسهم وأهليهم من نار جهنم، وهم:
* يجهلون لغة القرآن العربية؟!
* تفرقوا في الدين إلى فرق ومذاهب عقدية وفقهية مختلفة؟!
* يتبعون الملحدين في قراءات عصرية ويحسبون أنهم مهتدون؟!
* أولادهم «أعاجم» سعداء بأعجميتهم وبمدارسهم الأعجمية؟!
إنها منظومة «التغييب العقلي» و«الهوس الديني» في «ميزان القرآن».
محمد السعيد مشتهري