«وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ»
مزيد بيان وبيان للعقلاء، و«الملحدون» يمتنعون
إن الأمر بغض البصر وحفظ الفرج، أمر للرجال والنساء على حد سواء، فلماذا خص الله النساء بأمر لم يشترك معهن فيه الرجال، وهو الأمر بضرب «الخُمُر» على «الجيوب»، ومعلوم أن العرب كانوا يغطون رؤوسهم أيضا بـ «الخُمُر»؟!
والجواب:
لأن الله خلق النساء أصلًا «مُزَيّنة» للرجال:
* «بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ»
وبـ «شهوات» تجعلهما يحققان معًا مهمة الاستخلاف في الأرض وإنجاب الذرية الصالحة:
* «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ – وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا – لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا»
* «فَلَمَّا تَغَشَّاهَا – حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً – فَمَرَّتْ بِهِ – فَلَمَّا أَثْقَلَت – دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ»
ولما كان الأمر بغض البصر وحفظ الفرج للرجال والنساء على حد سواء، كان لابد من وضع الضوابط التي تساعد الناس على حفظ الفروج، وتحكم الشهوات «المُزَيّنة» في قلوبهم «١٤ / آل عمران»:
* «زُيِّنَ لِلنَّاسِ – حُبُّ الشَّهَوَاتِ – مِنَ النِّسَاءِ – وَالْبَنِينَ … الآية»
أولًا:
تعالوا نتعرف على ملابس المرأة العربية التي كانت تستخدمها في الجاهلية، ثم نزل القرآن يأمر «الذين آمنوا» بتصحيح أوضاعها.
تتكون ملابس المرأة العربية في الجاهلية من أربع قطع:
١- قطعة تغطي الرأس تُسمى «الخمار».
٢- قطع لستر العورتين والثديين.
٣- قطعة تغطي أعضاء الجسم وتسمى «ملابس البيت».
٤- قطعة خارجية تضعها فوق «ملابس البيت» عند التعامل مع الناس وتسمى «الجلباب».
ثانيًا:
الأحكام القرآنية التي نزلت لتصحيح وضع هذه الملابس:
١- تصحيح وضع غطاء الرأس «الخمار»:
كانت المرأة تغطي به شعرها ثم تسدله على ظهرها وتترك منطقة العنق وأعلى الثديين التي تظهر من فتحة «الجيب» مكشوفة.
فنزل قوله تعالى «٣١ / النور»:
* «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»
واستخدم السياق فعل «الضرب» لبيان وجوب إحكام وضع الخمار حتى لا يُظهر ما تحته.
فأين المسلمات المؤمنات اللاتي لن يتقبل الله منهن أداء شعيرة من الشعائر وهن مصرّين على عدم الالتزام بـ «الخمار» بشروطه؟!
٢- تصحيح وضع الثياب الخارجية «الجلباب»:
وجاء ذلك في سياق سد منافذ الشهوات «المُزَيَّنَة» عند الرجال والنساء، ووجوب أن يكون هذا «الجلباب» لا يصف ولا يُجسّم جسم المرأة، فقال الله تعالى «٥٩ / الأحزاب»:
* «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ … الآية»
والإدناء: التغطية الساترة للجسم كله.
ثالثًا:
وبناء على خلق الرجال بميل فطري للنساء، وخلق النساء بميل فطري للرجال، كان لابد من وضع الضوابط الحاكمة لهذا الميل الفطري والتحذير من إساءة استخدامه.
١- يقول الله تعالى مخاطبًا رسوله محمدًا «٥٢ / الأحزاب»:
* «لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ – وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ – وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ … الآية»
ووجه الاستدلال بهذه الآية هو جملة «وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ»، فكيف يعرف الرجل حُسن المرأة الذي يدعو إلى الإعجاب بها إذا لم يكن أولًا من وجهها؟!
إذن فقد أباح الله للمرأة كشف وجهها بنص «قطعي الدلالة»، وذلك لأن ستره يُعطّل الوظيفة التي خلقه الله من أجلها.
٢- وبناء عليه نفهم قوله تعالى «٣١ / النور»:
* «وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا»
* «وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ»:
نلاحظ هنا أن النهي عن «الإبداء» نهي عام يُحَرِّم على المرأة إبداء أي عضو من جسمها، كما نلاحظ أن ضمير الخطاب في «يُبْدِينَ» عائد على المرأة.
فإذا جئنا إلى الجملة الثانية:
* «إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا»
نجد أن فعل «الإظهار» ليس فيه ما يعود أصلًا على المرأة، وإلا لقال تعالى:
* «إِلَّا مَا أظْهَرْنَ مِنْهَا»
فإن الضمير في «أظْهَرْنَ» يعود على المرأة.
وهذه الجملة هي البرهان قطعي الدلالة على أن المقصود بـ «الزينة» هو جسم المرأة المُزَيّن أصلا «خِلْقيًا»، وليس ما تضعه هي بإرادتها من زينة كـ «المكياج»، أو من ملابس تلفت نظر الناس إليها.
٣- إن زينة المرأة في جسمها كله، من شعرها إلى أظافر قدميها، باستثناء ما استثناه الله تعالى بمقتضى الضرورة:
– فغطاء الرأس «الخمار» استثنى الله منه «الوجه».
– و«الجلباب» استثنى الله منه «الكفيّن» و«القدمين»، ولذلك وفي سياق تصحيح أوضاع ما كانت تفعله المرأة في الجاهلية، حرّم الله على «المرأة المؤمنة» أي حركة من رقص أو تمايل من شأنها أن تظهر للناس تفاصيل زينتها الخفية، فقال تعالى:
* «وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ»
رابعًا:
١- إن المرأة المسلمة التي تتحرك في بيتها وأمام أولادها بثياب تُجَسّم عوراتها امرأة مُصرّة على معصية ربها وعلى أن يتربى أولادها على إِلْف المنكر ومشاهدة العورات باعتبار ذلك أمراً مباحًا.
إن على «البيت المؤمن»، الذي أسلم وجهه لله، أن يحمي قلوب أفراده من اختراق كل ما هو مُحَرّم، وتكون البداية بتربية الأولاد من قبل أن يبلغوا الحلم، استنادًا إلى قوله تعالى «الآية ٥٨ / النور»:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا – لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ – وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ – ثَلاَثَ مَرَّاتٍ … ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ»
والسؤال:
لماذا وصف الله هذه الأوقات الثلاثة بـ «العورات»، وأمر الأولاد «الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ» بالاستئذان في هذه الأوقات إذا أرادوا دخول مكان مغلق يوجد فيه الأب أو الأم أو كليهما؟!
الجواب: طبعا معروف.
٢- ولماذا أمر الله تعالى «القواعد من النساء» بعدم إظهار «الزينة الخفية» إن أردن التخفف من ملابسهن الخارجية؟!
لقد جاء هذا الأمر في سياق بيان آداب الاستئذان الواردة في «الآية ٥٨ / النور» السابق الحديث عنها، فقال تعالى «٦٠ / النور»:
* «وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً – فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ – وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ – وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
أقول:
إذا كان استعفاف «القواعد من النساء» من إظهار «زينتهن الخفية» خير لهن، فكيف بالنساء «الشواب» اللاتي يتحركن بين الناس وهن «مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ»؟!
٣- مجمل القول:
إن زينة المرأة التي وردت في الآية «٣١ / النور» هي أعضاء جسمها، وهي على ثلاث درجات:
* الدرجة الأولى:
ما تبديه المرأة لزوجها: أعضاء الجسم كله.
* الدرجة الثانية:
ما تبديه المرأة للمذكورين في الآية:
وهي الأعضاء التي اقتضت الفطرة السليمة إبدائها وذلك حسب درجة القرب من المرأة.
* الدرجة الثالثة:
الأعضاء التي تبديها المرأة للناس جميعًا بمقتضى العلاقات المهنية والاجتماعية بينهم، وهما «الوجه والكفَّان».
خامسًا:
إن مشكلة المسلمين الأزلية التي ستدخلهم جهنم هي:
– الجهل، التقليد الأعمى، التقول على الله بغير علم.
– عدم إحسان تربية الأولاد في الصغر.
– عدم تفعيل آليات التفكر والتعقل والتدبر عندما بلغ الأولاد النكاح واكتمل رشدهم.
– اتباع أئمة السلف، أو القرآنيين، أو أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة، أو غلمان الإلحاد، هؤلاء الذين يُلَوّثون الفضاء بدخان الجهل، ويستغفلون عقول الجهلاء بتحريف دلالات الكلمات القرآنية، بصورة لم يفعلها «إبليس» نفسه.
– الإصرار على عدم خلع ثوب التدين الوراثي.
محمد السعيد مشتهري