نحو إسلام الرسول

(1281) 30/4/2019 «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ – بين الحقيقة والمجاز»

لقد خلق الله الإنسان بشهوات تحمل ميلًا فطريًا يجعل الرجال تميل إلى النساء، والنساء تميل إلى الرجال، من أجل استمرار مسيرة الاستخلاف في الأرض وتعميرها.

ولذلك كان لابد من وضع «ضوابط شرعية» تحكم العلاقات الاجتماعية بين الرجال والنساء، وتسد منافذ الشهوات المحرمة، ومن بين هذه الضوابط:

١- الأمر بغض البصر.

٢- الأمر حفظ الفرج.

٣- تحريم إبداء المرأة زينتها إلا ما ظهر منها بغير إرادتها «بحكم الضرورة كالوجه»، كما بيّن الله ذلك بقوله تعالى:

* «وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ – إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا»

فقوله تعالى «إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا» يبيّن أن المراد بالزينة في هذا السياق «الزينة الخِلْقِيّة» التي خُلقت المرأة بها وأباح الله لها إبداءها للناس جميعًا، بما تقتضيه معيشتها الاجتماعية، وهي «الوجه والكفّان» تحديدا.

وبناء عليه لا يحل للمرأة المؤمنة أن تظهر أمام غير محارمها بأي «زينة مكتسبة» تحدد ملامح جسدها وتلفت أنظار الناس إليها.

أولًا:

إن الذين يتعاملون مع القرآن ومع دلالات ألفاظه دون النظر إلى «مقاصده العليا» التي نزل الآيات لتفعيلها بين الناس، هؤلاء قد زين الشيطان أعمالهم، واتبعوا أهواءهم.

ذلك أن الهدف من «تدبر القرآن» هو الوصول إلى «مقاصده العليا» وهو أمر يحتاج إلى جهد علمي كبير، وهذا ما بينه الله بقوله تعالى:

* «كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ – لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ – وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الألْبَابِ»

إن العلاقة بين التدبر «لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ» وبين «أُوْلِي الألْبَابِ» علاقة وثيقة لا يستغني عنها التنزيل المبارك «كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ».

فإذا كان «أوْلُواْ الْعِلْمِ» هم العلماء الذين زاولوا العلم حتى صار غريزة وملكة عندهم، دون التدقيق في جزئيات المسألة العلمية.

فإن «أُوْلِي الألْبَابِ» هم «أوْلُواْ الْعِلْمِ» الذين أضافوا إلى عملهم التدقيق في كل جزئية من جزئيات المسألة العلمية وتخليصها مما عَلَقَ بها من شوائب، للوصول إلى المقصد من وجودها.

ولذلك لم يقل الله تعالى «وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْعِلْمِ»، لأن الطريق إلى استنباط أحكام القرآن يبدأ بالوقوف على مقاصدها، وليس «العلم» بدلالات كلماتها اللغوية والبيانية.

هذا «العلم» الذي كان على دراية به «المنافقون» في عصر التنزيل، وهم أهل اللسان العربي، ونزل القرآن يُبيّن للناس أن المطلوب ليس «العلم» فقط.

وإنما المقصود «التدبر» الموصل إلى فهم مقاصد الأحكام، وذلك عن طريق فتح أقفال القلوب المغلقة بمفاتيح التفكر والتعقل والتفقه والنظر … إلى آخر «آليات عمل القلب»، فقال تعالى:

* «أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»

ثانيًا:

إن المتدبر للقرآن يعلم أن كل ما جاء متعلقًا بـ «أحكام النساء» جاء يحمل لهن كل الخير الذي يحافظ على كرامتهن وعفتهن وشرفهن، باعتبار أن المرأة حاضنة الوجود البشري.

وإن أحكام القرآن لم تنزل ابتداءً لتصنع للمرأة لباسًا شرعيًا جديدًا، وإنما نزلت لتبقي على لباسها القديم الذي عرفته في الجاهلية بشرط:

١- تغطية منطقة العنق وما بين الثديين:

فقد كان العرب يعرفون جمال المرأة وأنوثتها عن طريق منطقة العنق وما بين الثديين، الأمر الذي جعل النساء يتعمدن إظهار هذه المنطقة.

فأمر الله النساء المؤمنات بتغطية منطقة العنق وما بين الثديين
«بِخُمُرِهِنَّ» فقال تعالى:

* «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»

و«الجيب» هو فتحة الجلباب التي يُدخل الإنسان منها رأسه عند استخدامه، «ذكرا أو أنثى».

٢- تغطية منطقة «العرقوب» بجلبابها:

فقد كان العرب يعرفون جمال المرأة وأنوثتها من «عرقوبها» وهو الوتر الموجود خلف الكعب عند مفصل القدم والساق.

فأمر الله النساء المؤمنات بعدم كشف هذا «العرقوب» وكذلك «الخلخال» الذي كانت تلبسه عليه، فقال تعالى:

«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ – وَبَنَاتِكَ – وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ – يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ… الآية»

وحرّم الله على المؤمنات الرقص والتمايل والضرب بالأرجل على الأرض حتى لا يُسمع صوت «الخلخال» الذي تلبسه في منطقة «العرقوب» فقال تعالى:

* «وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ»

٣- حتى القواعد من النساء حرّم الله عليهن «التبرج» بالزينة:

فماذا يعني أن ينهى الله النساء اللاتي لا تتحرك أي شهوة تجاههن، ولا عندهن أي رغبة فيها، عن كشف أي «زينة خِلْقِيّة» عند التخفف من بعض الثياب «كالجلباب»، فقال تعالى:

* «وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ – اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا – فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ – أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ – غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ»

ثم تدبر ماذا قال الله تعالى بعدها:

* «وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ – وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»

فإذا أضفنا إلى قوله تعالى للقواعد من النساء «وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ» الأمر بغض البصر وحفظ الفرج:

* «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ … وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ … الآية»

علمنا حجم المصيبة الإيمانية، والمأساة الأخلاقية، التي يعيش بداخلها نساء وبنات المسلمين، الذين يُصلّون ويَصُومون ويَزكّون ويَحجّون … دون الالتزام بـ «لباس المرأة المؤمنة»، وعلمنا لماذا ختم الله الآية «٣١ / النور» بقوله تعالى:

* «وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً – أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ – لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»؟!

ثالثًا:

وبعد بيان «الضوابط الشرعية» التي يجب أن تحكم العلاقات الاجتماعية بين الرجال والنساء، ووجوب سد منافذ الشهوات المحرمة حتى يتحقق المقصد الرئيس من وضع هذه الضوابط وهو:

«أن يعيش الرجال والنساء معيشة زكية طاهرة من كل شهوة محرمة»

أقول:

إن سياق الآية «٣١ / النور» لا يحمل أي قرينة تصرف معنى أي كلمة من كلمات هذه الآية عن معناها الحقيقي.

وإن القرآن لا يحمل في ذاته «قاموسًا» لبيان معاني كلماته، وإنما تُفهم معاني كلماته من مصادر ثلاثة:

١- «اللسان العربي»:

* مادة «الخمار»: كل ما سَتَرَ شيْئًا فهو خماره.

* «خمار المرأة»: جاء على معناه الحقيقي الذي عرفته المرأة العربية، وكانت في الجاهلية تغطي به شعرها وتسدله على ظهرها، فأمر الله المرأة المؤمنة أن تسدله على جيبها.

* «ضرب الخمار»: إن الأمر في قوله تعالى «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ» أمر حقيقي «قطعي الدلالة» بمعنى وضع شيء على شيء، كما سبق بيانه.

وكذلك معنى «الضرب» في قوله تعالى:

* «وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ»

فـ «الضرب» بالأرجل يعني إحداث إيقاع «حقيقي» على الأرض بشدة، ينتج عنه إظهار زينة المرأة الخِلْقِيّة الخفية.

٢- «السياق القرآني»

عندما يأتي الأمر بضرب «الخمار» على الجيوب، في سياق وضع الضوابط الحاكمة للشهوات المُحرّمة وفي مقدمة هذه الضوابط الأمر بـ «غض البصر».

نعلم أن «ضرب الخمار» جاء بدلالة «حقيقية» كانت المرأة العربية تعلمها، وليست دلالة «مجازية».

٣- «منظومة التواصل المعرفي»

لقد تواصلت حلقات تغطية شعر النساء، وخاصة نساء القرى، على مستوى العالم، وليس فقط على مستوى العرب وما اصطلحوا على تسميته بـ «الخمار».

رابعًا:

فإذا أردنا مزيد بيان للأسلوب الذي ورد به فعل الأمر «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ» نجد الآتي:

١- لما كان «الخَمْرُ» يُغطي آليات عمل القلب باطنيًا، و«الخُمْرَة» مادة تغطي البشرة والوجه ظاهريًا، و«الخمار» يُغطي الرأس ظاهريًا، و«الاختمار والتخمر» يعني لبس الخمار.

إذن فالأصل في مادة الخمر والتخمير والاختمار والخُمرة والخمار هو «الستر والتغطية» باطنيًا أو ظاهريًا.

ولذلك لم يقل الله تعالى «وليلبَسْن الخُمُرَ» باعتبار أن «الخمار» لباس من الألبسة التي تستر البدن، وإنما قال «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ» لبيان وجوب إحكام ضرب «الخمار» على «الجيب»، مع ملاحظة «لام الأمر» في «وَلْيَضْرِبْنَ» الدالة على الوجوب.

٢- إن إضافة «الخُمُر» إلى الضمير «هن» فيه إشارة إلى أن هذه «الخُمُر» مما يلازم النساء دومًا، فكأنها شيء ثابت متصل بهن ولا تنفك عنهن، تمامًا كالضمير في «جُيُوبِهِنَّ».

٣- إن التعبير بـ «عَلَى» في «عَلَى جُيُوبِهِنَّ» خير برهان على تحريم كشف أي جزء من منطقة العنق وما بين الثديين، حيث تعني كلمة «عَلَى» الإحاطة الكاملة فلا يخلو موضع من التغطية.

خامسًا:

إن كل ما سبق بيانه في هذا المنشور، وفي المنشورات السابقة، كان مصدره القرآن، والقرآن وحده.

وليس معنى أن أئمة السلف يقولون بوجوب التزام المرأة المؤمنة بالخمار والجلباب، أن يذهب «محمد مشتهري» ويكفر بالخمار والجلباب لأنه كافرٌ أصلًا بالتراث الديني السلفي.

١- إن التعامل مع القرآن بغير «منهجية علمية» تحمل أدوات لفهم آياته مستنبطة من ذات النص القرآني، هو الذي جعل معظم المسلمين يقعون في مصائد الإلحاد في أحكام القرآن، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعًا.

٢- إن الذي فرض الخمار والجلباب على المرأة المؤمنة هو الله تعالى وليس «محمد مشتهري».

وعليه فإن أي امرأة مؤمنة لا تلتزم بما فرضه الله عليها، وتُظهر من جسدها غير الوجه والكفين، وتلبس ملابس تصف جسمها، وماتت مصرة على معصية الله، ماتت كافرة بالله وبالقرآن، وإن كانت من المصلّين الذين يقومون الليل ويصومون ويزكون ويحجون.

٣- إن الذين في ريب مما جاء في هذا المنشور، خاصة ما قلته بخصوص مصير المرأة المُصرّة على عدم الالتزام بما أمرها الله به، عليهم أن يكونوا على مستوى المسؤولية الإيمانية التي تفرض عليهم أن يُخرجوا لنا ما يحملونه من «علم» يخالف ما ورد في هذا المنشور.

فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا، فأقول لهم ما قاله الله تعالى:

«فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ – أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»

إن أحكام «زينة المرأة المؤمنة ولباسها» ليست مما تُستفتى فيه القلوب، ولا تخضع للاجتهادات ووجهات النظر، لأنها من «الحق الثابت» الذي تعهد الله بحفظه.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى