نحو إسلام الرسول

(1279) 26/4/2019 «موسوعة الفقه القرآني المعاصر» – «المنطلق والمنهج»

إن «دين الإسلام» هو «كلام الله» الذي أنزله على رسله، والذي يستحيل أن يأتيه الباطل:

* لا في حياة الرسل الذين أيدهم الله بـ «الآيات الحسية» الدالة على صدق «نبوتهم» كلٌ في عصره.

* ولا بعد وفاة النبي الخاتم رسول الله محمد الذي أيده الله بـ «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوته» إلى يوم الدين.

وعندما نتحدث عن الكلام الذي خاطب الله به الناس، فنحن نتحدث عن كلام يعلم الناس معناه من قبل أن يخاطبهم الله به، وإلا ما كان له قيمة معرفية بيانية، وهذا معنى قوله تعالى:

* «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ – إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ – لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»

فكانت ثمرة هذا البيان:

* «فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ – وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ – وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»

وهذا «الكلام» الذي أنزله الله على رسله، هو عبارة عن «الكلمة ومُسَمّاها» كبناء معرفي متكامل يستحيل أن تنفصل أجزاؤه، أي يستحيل أن تنفصل «الكلمة» عن «مُسَمّاها» إلا إذا أصبح «المُسَمّى» لا وجود له.

وعليه فإن كلمات القرآن الذي تعهد الله بحفظه، «حقٌ» لأنها يستحيل أن تنفصل عن مقابلها الكوني في الآفاق والأنفس.

والذي يريد أن يأتي بمثل سور القرآن، عليه أن يخلق أولًا «مُسَمّيات» كلماتها، أي «مقابلها الكوني»، وهذا هو المنطلق الذي انطلقت منه لبناء «موسوعة الفقه القرآني المعاصر».

فعلى سبيل المثال:

لقد عرف العرب دلالة الجذر «ض ر ب» من قبل بعثة رسول الله محمد، ثم نزل القرآن يخاطبهم بها، وتنقسم هذه الدلالة إلى قسمين:

# القسم الأول:

الدلالة «الأصلية»، وتُسمّى «الدلالة العامة» وهي:

«الإيقاع»: أي إيقاع شيء على شيء، كضرب الشيء باليد أو العصا أو السيف.

والسؤال:

هل كان المؤمنون في عصر التنزيل يعلمون هذا المعنى الأصلي للجذر «ض ر ب» الذي نزل القرآن يخاطبهم به؟!

والجواب: «نعم»

إذن فهذا المعنى الأصلي هو «الحق» الذي تعهد الله بحفظه في مراجع «اللغة العربية» وعن طريق «منظومة التواصل المعرفي»، وإلى يوم الدين.

أولًا:

هل فهم أهل اللسان العربي معنى قوله تعالى:

* «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ»

* «فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ»؟!

إن الخطاب في هذه الآية للملائكة، والضرب «فَوْقَ الأَعْنَاقِ» معناه قطع أعناق المشركين وفصلها عن الجسد، وضرب «كُلَّ بَنَانٍ» معناه قطع الأصابع لتعطيل عمل اليد.

وهو عمل من آيات الله لا يُشاهد بالحس، وإنما يرى المسلمون أثاره «المادية» بأعينهم.

فهل فهم المؤمنون في عصر التنزيل معنى «فَضَرْبَ الرِّقَابِ»، ومعنى «فَوْقَ الأَعْنَاقِ»، ومعنى ضرب «كُلَّ بَنَانٍ»؟!

وهل فهم المؤمنون في عصر التنزيل معنى «الضرب» على وجهه الحقيقي في خطاب الله تعالى لموسى:

* «أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ – فَانفَلَقَ – فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ»؟!

إذن فمتى حدث تحريف معنى «الضرب» الحقيقي، ومن الذي قام بهذا التحريف؟!

وبناء عليه نفهم باقي الأمثلة:

* «أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَر»

* «فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا»

* «فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ»

* «يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ»

* «وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ»

ثانيًا:

لقد بيّن الله تعالى أن من وسائل علاج المرأة، التي بدأت تَظْهَر عليها علامات النشوز ولم «تنشز» بعد، ما هو معنوي وما هو مادي، فقال تعالى:

* «وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ»

* «فَعِظُوهُنَّ – وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ – وَاضْرِبُوهُنَّ»

* «فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ – فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً»

فهل عندما نزلت هذه الآية، كان أهل اللسان العربي يفهمون كلمة
«وَاضْرِبُوهُنَّ» بمعناها الحقيقي، ومتى يُوقعون هذا الضرب؟!

إن المتدبر لسياق الآية يعلم أنها تتحدث عن مراحل للعلاج:

١- الوعظ:

فالمرأة التي يتوقف نشوزها بـ «الوعظ» لا يحل للزوج أن يلجأ إلى هجرها أو ضربها.

٢- الهجر:

والمرأة التي يتوقف نشوزها بـ «الهجر في المضجع» لا يحل للزوج أن يضربها.

٣- الضرب:

إذن فالله تعالى لم يبح الضرب «ابتداءً»، وإنما جعله آخر مراحل العلاج للمرأة الناشز التي لم ينفع معها الوعظ، ولم ينفع معها الهجر، فقد ينفع «الضرب» في بعض الحالات.

# القسم الثاني:

الدلالة «الفرعية»، وتسمى «الدلالة المجازية» وهي:

* المعاني المختلفة للجذر «ض ر ب» والتي يحددها سياق الكلمة.

أولًا:

لا يمكن صرف الكلمة القرآنية عن معناها «الحقيقي» إلى المعنى «المجازي» إلا بقرينة السياق.

ولا توجد قرينة في سياق «الآية ٣٤ / النساء» تصرف المعنى «الحقيقي» إلى «المجازي».

وبناء عليه فإن الذين يقولون بأن معنى «وَاضْرِبُوهُنَّ» هو:

* «التفريق بين الزوجين داخل البيت أو خارجه».

فصرفوا معنى «الضرب» إلى المعنى «المجازي» هؤلاء هم الذين قال الله تعالى فيهم:

«رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ – وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ – فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ»

١- إنهم «لاَ يَفْقَهُونَ» أن علاج «التفريق والإبعاد» قد سبق مرحلة «الضرب» في نفس سياق الآية، وهو «وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ».

ومعلوم أن هذا النوع من «الهجر» من أكبر العقوبات النفسية للمرأة، ولذلك اختاره الله كمرحلة من مراحل العلاج.

٢- إنهم «لاَ يَفْقَهُونَ» أن الله تعالى لم يقل «وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضْجع» بصيغة المفرد، وإنما قال «وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ» بصيغة الجمع.

وذلك لبيان أن الهجر يكون في أي مكان «مضجع» يجمع الزوج مع امرأته «داخل البيت» تعبيرًا عن غضب الزوج لعل امرأته ترجع عن نشوزها.

٣- إنهم «لاَ يَفْقَهُونَ» أن أحكام القرآن عندما اشترطت عدم إبعاد المرأة عن بيتها في فترة «العِدّة» كان ذلك حتى لا تتسع دائرة الخلاف بينهما، فتدبر:

* «لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا»

٤- إنهم «لاَ يَفْقَهُونَ» أن المرأة في فترة العِدّة، وهي فترة ما قبل إيقاع الزوج الطلاق بسبب «نشوزها»، يحرم عليها الابتعاد عن البيت، كما يحرم على زوجها إخراجها منه:

* «لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ – وَلاَ يَخْرُجْنَ – إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ»

٥- إنهم «لاَ يَفْقَهُونَ» أن المرأة قد تنشأ وتتربى في بيئة لا ترى في الضرب إهانة لكرامتها، أو لا ترى الرجولة إلا إذا استخدم الزوج مع امرأته العنف، ويُسأل عن ذلك علماء النفس.

وبصرف النظر عن آراء علماء العالم:

* «أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ – وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»

٦- إن الرجل إذا ضرب امرأته مرة واحدة ووجد أن ضربها قد زاد الأزمة اشتعالا، إذن فلن يجدي معها علاج، وعليه أن يطلقها.

وإذا أحدث الرجل في جسد امرأته إصابات تستوجب القصاص فإنه يُعاقب على فعله هذا استنادا إلى أحكام القصاص.

ثانيًا:

إن معظم الاستخدام «المجازي» للجذر «ض ر ب» ارتبط بالمعنى «المعنوي» الذي تشير إليه قرينة السياق التي لا يختلف عليها مؤمنان عاقلان.

١- ففي سياق ضرب المثل بآيات الآفاق، يقول الله تعالى:

* «كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ – فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً – وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ – كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ»

ففي مثل هذه الحالة يكون التمثيل بالحق والباطل، فهناك محذوف في جملة «كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ» وهو كلمة «مَثَلَ» بين كلمتي «اللّهُ» و«الْحَقَّ»

٢- وفي سياق استخدام جذر «ض ر ب» في التعبير عن «السعي والسفر والجهاد..»، يقول الله تعالى:

* «لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ – لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ»

* «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ – فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ»

* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا»

والمعنى «المجازي» العام:

إذا خرجتم تضربون الأرض بأرجلكم: غزاة ومسافرين وتجارًا.

٣- وقد يأتي «الضرب» بمعنى «المنع»، والذي تشهد له قرينة السياق، كقوله تعالى:

* «فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً»

أي منعنا عنهم سماع الأصوات بتعطيل آلية السمع.

٤- وقد يأتي «الضرب» بمعنى «الوضع والتغطية»، والذي تشهد له قرينة السياق، كقوله تعالى:

* «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»

واستخدم لفظ «الضرب» في هذا السياق مبالغة في الصيانة والتستر، أي يجعلن «خُمُرِهِنَّ» تغطي «الجيب» الذي كانت المرأة العربية تعلمه من قبل بعثة رسول الله محمد.

و«الجيب» هو فتحة الصدر الموجودة في لباس الرجل أو المرأة التي يُدخل منها الشخص رأسه.

فماذا عن «الخمار» في «موسوعة الفقه القرآني المعاصر»؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى