ما هو الحق الذي جاء به رسول الله محمد وكرهه أكثر الناس؟!
لقد وردت هذه الآية في سياق الآيات «٥١-٧٠ / المؤمنون» والذي يبدأ بقوله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ»
إن أكل وشرب ما ثبت «خبثه» علميًا وطبيًا «مُحَرّم».
* «وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ»
إن تفرق الأمة في دين الله «مُحَرّم»
ولقد اختلفت الأمم بعد موت الرسل، وتفرق أتباعها في دين الله:
* «فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
ثم خاطب الله رسوله محمدًا لبيان حال المختلفين في دين الله الذين كانوا موجودين في عصر التنزيل ويقول له:
* «فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ»
* «أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ»
فاحذر أن تزن حياتك أو حياة الناس بميزان المال والبنين:
* «نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لاَ يَشْعُرُونَ»
تدبر جيدا «بَلْ لاَ يَشْعُرُونَ»
ثم يبين الله بعدها حال الذين آمنوا برسوله:
* «إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ»
* «وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ»
* «وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ»
* «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ»
وهذه من صفاتهم:
«الخشية من الله»، «الإيمان بالآيات»، «عدم الشرك بالله»، «وجل القلب» عند أداء ما فرضه الله عليهم:
* «أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ»
إن الله تعالى لم ينزل حكمًا تشريعيًا إلا وكان في وسع الناس أداؤه وعلى هذا الأساس سيحاسبهم الله في الآخرة:
* «وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ»
ثم يعود السياق للحديث عن الذين لم تتصف قلوبهم بصفات المؤمنين لأنها قلوب عاشت في «غيبوبة الهوي» فكان من الطبيعي أن يعمل أصحابها أعمالا غير أعمال المؤمنين:
* «بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ»
ولما كان الموت يأتي بغتة، فإن الإنسان في لحظة سيجد نفسه أمام ميزان الآخرة، فإذا بالمتبعين «المترفين» الذين أضلّوا التابعين لهم يجدون أنفسهم في يُساقون إلى النار:
* «حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ»
* «لاَ تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ»
ثم ينتقل السياق إلى بيان مصير المكذبين في عصر التنزيل وأن السبب في دخول الناس النار هو:
* «قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ»
وهذه الآية من مئات البراهين الدالة على أن الله لن يُحاسب المرء في الآخرة على شيء غير مدى تفعيله لـ «الآيات».
ولذلك كان المكذبون يَفرّون على أعقابهم عند سماع هذه الآيات، التي هي «كلام الله»، ويتسامرون بالسب والطعن فيه:
* «مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ»
ولو أنهم تتدبروا «القرآن»، الذي هو كلام الله، لعلموا أنه «الحق» الذي يستحيل أن يأتيه الباطل، لأنه لا ينفصل عن مقابله في المنظومة الكونية:
* «أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الأوَّلِينَ»
ثم كيف لا يعرفون أن محمدًا هو رسول الله حقا وصدقا، بعد أن عجزوا عن الإتيان بسورة مثل سور القرآن؟!
* «أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ»
لقد كان عليهم أن يؤمنوا بصدق «نبوة» رسول الله محمد، ولكنهم اتهموه بالخلل العقلي:
* «أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ»
ثم يأتي بيان جوهر الموضوع، والهدف من المنشور:
* «بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ»
– إن «الحق» ضد الكذب.
– إن «الحق» في الذوات والأوصاف.
– إن «الحق» في الكلمة حالة اتصالها بـ «مُسَمّاها»، فإذا انفصلت عنه أصبحت باطلا لا معنى لها.
– إن «الحق» في نصوص «الآية القرآنية» وتفاعلها مع مقابلها الكوني.
ولما كان المسلمون يتعاملون مع القرآن كتعامل اليهود والنصارى مع التوراة والإنجيل، لا باعتباره الآية الدالة على صدق رسولهم محمد.
فقد كرهوا «القرآن» باعتباره «آية» معاصرة لهم اليوم، وأحبّوا «القرآن» باعتباره «كتابًا إلهيًا» أنزله الله للترف الفكري والقراءات المعاصرة والتنويرية بلا عمل:
* «وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ»
يكرهون «الحق» لأنه «عمل» وتفعيل لنصوص «الآية القرآنية».
إن «الحق» ليس في الكتب الإلهية إذا انفصلت عن «الآيات» الدالة على أنها من عند الله.
إن «التوراة» و«الإنجيل»، بعد موت موسى وعيسى عليهما السلام، قد أتاهما الباطل لانفصالهما عن «الآيات الحسية» التي أيد الله بها رسله.
أما «القرآن»، بعد موت النبي محمد عليه السلام، فلم يأته الباطل لأنه لم ينفصل عن «الآية» الدالة على صحة نسبته إلى الله تعالى.
لقد هجر المسلمون تفعيل «الآية القرآنية» المعاصرة لهم اليوم لأنها تأمرهم بوجوب تغيير ما هو كائن في حياتهم إلى ما يجب أن يكون وفق ما أمر الله به.
فهل يعلمون أنهم بهذا الهجر يعيشون معيشة المنافقين، ويقرؤون القرآن قراءة اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل؟!
من أجل ذلك يكرهون الحق
محمد السعيد مشتهري