عندما تجد قلبك مشغولًا بأحكام القرآن، وقبول أو مناقشة أو الرد على شبهات الملحدين حولها، في الوقت الذي لم يتشرب فيه المنهجية العلمية في التعامل مع القرآن واستنباط أحكامه.
فاعلم على الفور أنك تتبع هواك بغير علم، وتتعامل مع القرآن بنفس «المنهجية العشوائية» التي تتعامل بها جميع التوجهات الدينية العقدية المختلفة التي لم تدخل «دين الله الإسلام» من باب «الآية القرآنية».
فاعلم على الفور أن الشيطان زيّن لك استحالة فهم القرآن إلا بـ «السُنّة النبوية»، أو استحالة فهم القرآن إلا بـ «القرآن»، أو استحالة فهم القرآن إلا بقراءة «معاصرة» تنويرية، أو استحالة فهم القرآن إلا بـ «الإعجاز العددي».
وأنا أقول، حسب توجهي الديني «نحو إسلام الرسول»:
استحالة فهم القرآن إلا بـ «علوم اللغة العربية» وبـ «علم السياق»، وهذا هو أول الطريق إلى فهم القرآن واستنباط أحكامه.
وكل إنسان اتبع توجُّهًا دينيًا من التوجهات السابقة دون أن يكون على دراية بهذه العلوم فقد اتبع هواه وضَلَّ صراطَ ربه المستقيم.
إن «أحكام القرآن» لا تُقبل عليها باستسلام وتسليم إلا القلوب التي تخشى ربها، وهذا معناه أن تتشرب أولًا هذه القلوب حب الله وحب رسوله محمد بـ «العلم»، وليس بـ «الدروشة» و«المنهجية العشوائية».
فتدبر ماذا قال الله تعالى في سياق بيان فعاليات أسمائه الحسنى في آيات الآفاق:
* «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»
إن القلب الذي لم يتشرب الخشية والخوف من الله لن يفهم كلمة واحدة من القرآن على وجهها الصحيح، لأنه قلب «جاهل» لا يعلم مفهوم الصلة «الصلاة» التي بينه وبين خالقه الله عز وجل.
إن القلب الذي لم يتشرب الخشية والخوف من الله قلب لم يتبرمج «سوفت ويره» على إصدار الأوامر للجلد بـ «القشعريرة» عند تلاوة القرآن، فتدبر:
* «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ – تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ – ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ – ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ – وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ»
وهذا هو المقصد الإيماني من بيان الله للناس أن القرآن نزل على قلب رسوله محمد، في سياق الرد على من نصبوا العداء لـ «جبريل» فتدبر:
* «قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ – فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ – مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ – وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ»
نفهم من ذلك، وبمفهوم المخالفة، أن حب «جبريل» فرض عين على كل مؤمن، ولا أظن أن أحدًا من المسلمين فكر يومًا في حب «جبريل»!!
إن «منظومة الحب الإيمانية» يجب أن يتشربها قلب الإنسان وهو في بطن أمه، بمعنى أن أمه هي التي يجب أن يصل «حبها الإيماني» إلى دمه من قبل أن يخرج إلى الدنيا، وعندها سيكون القرآن «هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ».
إن «سوفت وير القلب» يجب على جميع المسلمين تحديثه وتطويره ليستطيع التعامل مع «أحكام القرآن» بخشية وخوف من الله، ولا يعتذر بجهله، ولا بأنه ليس عالمًا، ولن ينفعه القول بأن القرآن يبيّن نفسه بنفسه.
إن تحديث وتطوير «سوفت وير القلب» يجعل المسلمين يستيقظون من سبات غيبوبة الجهل بعلوم اللغة العربية، لأنه لا يستطيع التعامل مع كلمة واحدة من كلمات القرآن إلا استنادًا إلى «مُسَمّاها» الذي عرفه أهل اللسان العربي من قبل بعثة رسول الله محمد.
إن الذين يتعاملون مع نصوص «الآية القرآنية» بدون منهجية علمية تحمل أدوات لفهم القرآن مستنبطة من ذات النص القرآني، وفي مقدمتها اللسان العربي والسياق القرآني.
هؤلاء جعلوا القرآن «عضين»، يأخذون منه ما يوافق هواهم ويتركون ما يخالفه، ويعطون أنفسهم الحق في إعادة تنظيم بنية نصوصه المحكمة بما يتماشى مع توجهات الإلحاد العالمي.
محمد السعيد مشتهري