نحو إسلام الرسول

(127) 4/2/2014 ( أم الكتاب … والسبع المثاني …)

القرآن الكريم، هو الكتاب المنزل على النبي الخاتم محمد، عليه السلام، والآية الدالة على صدق نبوته. ولكونه “آية”، قائمة بين الناس إلى يوم الدين، يستحيل فهم نصوصها، وعطاءاتها، بدون تأصيل علمي، يحمل منهجا وأدوات لفهمها، حسب إمكانات كل عصر، العلمية والمعرفية والتقنية.
وعلى هذا الأساس، ومن هذا المنطلق، نجتهد في فهم الآيات، ونضع النظريات، ونقف على عطاءات الآية والكلمة القرآنية…، نختلف أو نتفق…، المهم هو أن نكون جميعا داخل دائرة المنهج العلمي، نتبع الأدوات التي حملها القرآن إلينا، رحمة بنا. وبدون هذا المنهج، وبدون هذه الأدوات، لا يصح أن نصف توجهنا الفكري بأنه قرآني!!
ومع تقديري واحترامي للأستاذ “نبيل أكبر”، الذي له صفحة بعنوان “التأويل الواقعي المنظور للقرآن الكريم”، وقد طلب مني أن أبدي رأيي فيما توصل إليه من اجتهادات حول معنى “أم الكتاب”، و”السبع المثاني”، في القرآن الكريم…، أجدها فرصة لبيان [بطريقة عملية] ما ذكرته فيما سبق عن المنهج والأدوات الواجب اتباعهما عند التعامل مع القرآن الكريم.
بعد اطلاعي على نظرية الأستاذ نبيل، في فهم “الحروف الأبجدية”، ودورها في بيان معني “أم الكتاب”، و”السبع المثاني”، وجدته لم يختبر نظريته على كافة الفروض المحتملة، في السياقات القرآنية المختلفة، للوقوف على صحتها، أو عدم صحتها، وذلك قبل نشرها، وأرى أن ذلك كان بسبب غياب التأصيل العلمي الذي كان يجب أن تنطلق منه هذه النظرية.
فمثلا، يرى الأستاذ نبيل أن تعبير “أم الكتاب”، الذي ورد في القرآن، يعني الحرف الأول (ا)، والرقم الأول (1)، فيقول: “ومن هذا المنظور، فأمَّ الكتابِ هي حرف ألف المدِّ (ا) …، ولأنَّ الكلماتِ مجموعةُ أحرفٍ، فإنَّ القرآنَ الكريم كلَّه من منظورنا توَّلدَ من أمِّ الكتابِ (ا)…، والرقم (1)…، وعلى هذا الأساس فهم قوله تعالى في سورة آل عمران: “هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتبَ مِنْهُ ءَايَتٌ مُّحْكَمَتٌ هُنَّ (أُمُّ الْكتبِ) وَ(أُخَرُ مُتَشبهتٌ)…، على أن “أمُّ الكتبِ” هي حرف (ا)، وأن “الأُخرُ المتشابهاتُ” هي مجاميع الأحرفِ الأخرى والتي هي مُتشابهةٌ في رسمِها وصُورها كما في الحروفِ (الكُتُبِ) التاليَّةِ: (ب، ن، ت، ث)-(ح، ج،خ)- (ص، ض، ط، ظ)-(ر، ز، د، ذ)!!
وعندما جاء يطبق نظريته على آيات الذكر الحكيم، اختار سورة الزخرف، وقوله تعالى: “إِنَّا جَعَلْنَهُ [قُرْء نَاً] عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {3} وَإِنَّهُ فِى [أُمِّ الْكِتَبِ] لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ {4}. وقال: نلاحظُ في الآيةِ {3} أنَّ كلمةَ [قُرْء نَاً] حذفت منها ألف المدِّ (ا)، التي بين الهمزةِ والنونِ!! ويسأل: فما هي دلالةُ اختفاءِ حرفِ (ا) من كلمةِ {قُرْءَ ناً} وظهورِ عبارةِ {أمِّ الكتبِ} في الآيةِ التاليَّةِ لها؟! ويجيب: لأن (ا) هي أمّ الكتابِ، فاختفت من {قُرْءَ ناً} لأنها هي نفسها {أمِّ الكتبِ}!!
وأنا أسأل: لقد بدأت سورة يوسف، بقوله تعالى:
الر تِلْكَ آيَاتُ الكتب الْمُبِينِ [1] إِنَّا أَنزَلْنَاهُ (قرء نا) عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [2]
وبدأت سورة الزخرف، بقوله تعالى:
حم [1] وَالْكِتَبِ الْمُبِينِ [2] إِنَّا جَعَلْنَاهُ (قرء نا) عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [3] وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ [4]
فمثلا، لماذا لا يكون اختفاء الـ (ا) من (قرء نا) بسبب وجود الحروف المقطعة في بداية هاتين الآيتين تحديدا؟! لماذا ذهبنا إلى “أم الكتاب”، ولم نذهب إلى العامل المشترك بين الآيتين وهو “الكتب الْمُبِينِ”؟!
إن كل هذه الإحصاءات، والاجتهادات، التي يشكر عليها الأستاذ نبيل، أثمرت في النهاية تعريفا لـ “أم الكتاب” فكانت الألف (ا)، وتعريفا لـ “السبع المثاني” فكانت المجموعات السبع التالية: (ن ب ت ث ى)-(ح ج خ)-(ص ض ط ظ )-(د ذ ر ز ك ل)-(س ش)-(ع غ)-(مـ ف ق و هـ)….، ثم ماذا بعد؟!! وذلك من منظور تفعيل نصوص “الآية القرآنية” على أرض الواقع، أو كما يقول الأستاذ نبيل “التأويل الواقعي المنظور للقرآن الكريم”؟!
وهكذا، نجد أن غياب المنهج، والأدوات…، يفتح علينا إشكالات كثيرة، لأننا حصرنا اختبار نظرية (الألف بين الحذف والإضافة) في البحث عن معنى “أم الكتاب”، و”السبع المثاني”، ولم نختبرها على كل الكلمات المتعلقة بها، ككلمات: (يخدعونَ- يخادعون)، (وعدنا- واعدنا)…. إلى آخره.
وأنا شخصيا، وفي إطار مشروعي الفكري، لم أبحث بعد عن معنى “أم الكتاب”، و”السبع المثاني”، ولعلها من العطاءات القرآنية، التي ستفتح أبوابها لقوم آخرين، في إطار التأصيل العلمي الذي أمرنا القرآن الحكيم أن نتبعه!!

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى