لقد نجح الشيطان في إخراج المسلمين من «دين الإسلام» الذي كان عليه رسول الله والذين آمنوا معه، إلى «دين الأرحام» الذي خرجوا منها وهم يتبعون ملة آبائهم ومروياتهم المذهبية.
لقد انحرف المسلمون عن صراط ربهم المستقيم بسبب اتباعهم لشخص النبي وهجرهم لـ «آيته القرآنية» التي لا تنتهي فعالياتها بين الناس إلى يوم الدين.
وما تفرق المسلمون وتخاصموا وسفك بعضهم دماء بعض إلا بسبب «روايات» نُسبت إلى رسول الله «شفاهة» خلال عقود من الزمن، ثم دُوّنت بعد قرن ونصف قرن من وفاته، على أقل تقدير.
إن طاعة واتباع النبي محمد فرض عين على كل من عاصروه في أي مكان في العالم، وموت النبي لا يعني موت كتابه الذي حمل «الآية القرآنية» القائمة بين الناس إلى يوم الدين.
إن محبة رسول الله محمد تملأ قلوب المؤمنين الذين أسلموا وجوههم لله تعالى واتبعوا «آيته القرآنية» وأقاموا نصوصها سلوكًا عمليًا في حياتهم.
وليس من محبة رسول الله أن ينسب المسلمون إلى رسولهم مرويات تتحدث عن مسائل من «عالم الغيب»، كمرويات «الإسراء والمعراج» التي يدخل المسلمون بسببها كل عام جهنم وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا.
إن المؤمن الذي أسلم وجهه لله يستحيل أن ينسب إلى رسوله شيئًا لا أصل له في القرآن، فمن أين جاء المسلمون ببدعة الاحتفال بـ «الإسراء والمعراج» كل عام؟!
أولًا:
تحمل سورة الإسراء «١١١ آية» لم يرد فيها شيء يتعلق بهذا الحدث إلا الآية الأولى فقط، وهي قوله تعالى:
* «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ»
وهذا «خبر» يتعلق بواقعة من عالم الغيب، «أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً»، وتخص رسول الله وحده «لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا» وقد جاء الخبر للرد على أهل الكتاب الذين طلبوا من الرسول معجزات حسية كالتي جاء بها موسى، والله محيط بما قالوا «إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ».
ومن هذه المعجزات الحسية التي طلبوها ما ورد في نفس السورة «الآيات ٩٠-٩٣» ومنها قوله تعالى:
«أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ»
لقد طلبوا صعود الرسول في السماء، فيرد الرسول عليهم:
* «قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولًا»
وفي موضع آخر يقولون «٥٠-٥١ / العنكبوت»:
«وَقَالُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ»
ويرد الله عليهم بقوله:
«أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
وهذا هو سبب مجيء قصة موسى مع بني إسرائيل بعد خبر الإسراء مباشرة.
ثانيًا:
ومن المصائب العقدية التي حملتها الروايات، وأصبحت تسري في دماء المسلمين بدعوى محبة النبي، مسألة الصلاة على النبي كلما ذُكر اسمه، بدعوى أن الله هو الذي أمر بذلك فقال «٥٦ / الأحزاب»:
* «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ»
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»
ومفتاح فهم هذه الآية تحمله السورة كلها، التي جاءت ببيان مواقف الكافرين مع النبي، ومواقف النبي مع المؤمنين، بداية بقوله تعالى «١ / الأحزاب»:
١- «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيمًا»
٢- «٦ / الأحزاب»:
«النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ..»
٣- «١٢ / الأحزاب»:
* «وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا»
٤- «٢٠ / الأحزاب»:
* «يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ..»
٥- «٢٨ / الأحزاب»:
* «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلًا»
٦- «٣٦ / الأحزاب»:
* «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ – وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا»
٧- «٤١-٤٢ / الأحزاب»:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً – وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً»
والخطاب للذين آمنوا مع رسول الله في عصر الرسالة، بقرينة قوله تعالى بعدها «٤٣ / الأحزاب»:
٨- «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا»
# فالله تعالى وملائكته يُصلّون على الرسول والذين آمنوا معه، وليس على
الرسول فقط.
٩- «٥٠ / الأحزاب»:
* «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ…»
١٠- «٥٥ / الأحزاب»:
* «لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَائِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ…»
# ثم قال الله بعدها «٥٦ / الأحزاب»:
١١- «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»
والخطاب للمعاصرين للنبي، بقرينة قوله تعالى بعدها:
١٢- «٥٧ / الأحزاب»
* «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخرةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِينًا»
١٣- «٥٩ / الأحزاب»:
وإيذاء نساء النبي إيذاء للنبي، فقال تعالى:
* «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ…»
١٤- «٦٩ / الأحزاب»:
ومن المؤمنين من كانوا يؤذون النبي، فقال تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا»
إن ما سبق بيانه هو فعاليات صلاة الله وملائكته على المؤمنين وعلى الرسول في عصر التنزيل، والتي كان يجب أن تُقابل من المؤمنين بصلاة على الرسول والتسليم له تسليمًا:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»
«وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»: طاعةَ وخضوعًا لحكم النبي.
ثالثًا:
إن «الصلاة» في اللسان العربي «صلة» بين طرفين:
الطرف الثاني الذي يتصل بالأول بصلة مباشرة يسمى بـ «المُصَلِّى»، ويُسمى الفرس الثاني الذي يضع جحفلته «شفته» على مؤخرة الفرس الأول في السباق، بـ «المُصَلِّي».
و«الصلاة» في السياق القرآني هي الصلة المتبادلة بين الله تعالى وجميع المخلوقات:
١- الصلة بين جميع المخلوقات والله تعالى «٤١ / النور»:
* «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ»
وقد خص الله الذين آمنوا برسوله محمد بـ «هيئة للصلاة» حملتها لهم «منظومة التواصل المعرفي» من المسجد الحرام الذي كان يُصلي فيه رسول الله محمد، وإلى يومنا هذا في جميع مساجد المسلمين، دون خلاف حول أصولها العامة، من قيام وركوع وسجود، وعدد ركعات، وعدد الصلوات اليومية ومواقيتها.
٢- الصلة بين الله تعالى والناس:
ومن المعنى العام للصلاة، خص الله الناس ببيان طبيعة الصلة القائمة بينه سبحانه وبينهم، فقال تعالى لرسوله محمد «١/ إبراهيم»:
* «الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»
وهذا معنى قوله تعالى «٤٣ / الأحزاب»:
«هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا»
فالملائكة وسطاء بين الله ورسله، وبينهم وبين الناس.
٣- الصلة بين الرسل والناس «٦٤ / النساء»:
* «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيمًا»
ثم تدبر ماذا قال الله بعدها لبيان موقف المنافقين من الرسول:
* «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا»
# «وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا»:
إنها الصلة بين الناس «المنافقين» وبين رسول الله.
وقد ورد هذا «التسليم»، وليس «السلام»، بعد خبر:
* «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ»
فقال تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ»
# «وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»
إن الصلة القائمة بين «الله وملائكته» وبين «النبي»، هي صلة الوحي والتأييد والنصرة، والتي يجب أن تقابل أيضا بصلة بين المؤمنين والنبي وهي صلة الطاعة والتأييد والنصرة.
٤- الصلة بين النبي والمنافقين «٨٤ / التوبة»:
* «وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ»
٥- الصلة بين النبي والمؤمنين «١٠٣ / التوبة»:
* «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
وعلى هذه الصفحة «٤٠» منشور بعنوان:
«يَعْصُون النبوة ويُصلّون على النبي»
إنها أمة في مأساة
محمد السعيد مشتهري