يولد المولود ثم يجد نفسه بعد سنوات يتكلم لغة آبائه الممتدة الجذور قرونًا من الزمن، والتي عبدوا إلههم بها، ولو كان هواهم.
فما هي اللغة التي وجد أبناء العرب أنفسهم يتعلمونها، وعبدوا ربهم بها، وعلى أساسها اتبعوا كتابهم، وعملوا بما فيه؟!
وما هي اللغة التي وجد أبناء المسلمين «غير العرب» أنفسهم يتعلمونها، وعلى أساسها اتبعوا كتابهم، وعملوا بما فيه؟!
لا شك أنها ليست لغة القرآن العربية التي كان ينطق بها لسان العرب، وخاطبهم الله بالقرآن على أساسها.
إنها لغة منظومة الفكر الإسلامي التي يعيش بداخلها المسلمون منذ قرون مضت.
والسؤال:
كيف يعبد المسلمون ربهم، ويفهمون نصوص «آيته القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسولهم محمد، وهم يجهلون لغة رسولهم العربية، التي كان ينطق بها لسانه من قبل بعثته، والله تعالى يقول:
* «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) – فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ – وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ – وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»؟!
ويخاطب الله الأبناء الذين ورثوا «الجهل باللغة العربية» عن آبائهم، فـ «أشركوا بالله» ما لم ينزل به سلطانًا، ويحذرهم عاقبة ذلك وهم مازالوا في الدنيا، ويقول لهم:
* «أَوْ تَقُولُواْ»: أي يوم القيامة
* «إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ»: أي عاقب يا رب آباءنا والسبب:
* «وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ»: فتدينا لم يكن باختيارنا، فكيف:
* «أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ»:
تحاسبنا على شرك آبائنا؟!
فيقول الله تعالى لهم:
* «وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ»:
إن كل شيء يتعلق بموضوع الحساب في الآخرة مفصل في هذا القرآن، وما عليكم إلا التوبة والإنابة والرجوع إلى الله تعالى:
* «وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»
وطبعا أول طريق التوبة أن نتعلم «لغة القرآن» التي هي «لغة» الموضوع الذي سيحاسبنا الله على أساسه في الآخرة، حتى لا يستغفل عقولنا أصحاب القراءات القرآنية السلفية، والمعاصرة والتنويرية والعددية، فنشرك بالله ما لم ينزل به سلطانًا، ونقول على الله ما لا نعلم.
إننا نعيش اليوم بين «مؤمنين» بلا إيمان، و«مسلمين» بلا إسلام، وحكم ما هو كائن «ما يجب أن يكون»، لذلك نراهم يقولون:
لا تقتربوا من «محمد مشتهري» لأنه يصيب الناس بالاكتئاب، وهي حقيقة ولكن عندما يكون:
* «الجهل سبب سعادة الناس، والعلم سبب اكتئابهم»
فقد أصبح «العلم» أن يرى «التنويريّون» ماء الحَنَفِيَّة ينزل وهو يلعن «البخاري»، فيسعد «جهلاء» أهل السنة، ويفرح «علماء» الشيعة!!
لذلك لا تسألني عن «النفاق»، ومن هم «المنافقون»، ولماذا جعلهم الله في الدرك الأسفل من النار؟!
* «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا»
* «إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ»
* «فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ – وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيمًا»
فلن يدخل «المنافقون» في زمرة «المؤمنين» إلا بعد التوبة والإصلاح والاعتصام وإخلاص الدين لله، وأول الطريق أن ندرس ونتدبر ماذا يقول الله عن المنافقين في السياق القرآني.
أولًا:
في لمحة بصر، يجد الإنسان نفسه في يوم القيامة، يوم تسجد القلوب لخالقها وتخشع، وتسمع للداعي لا تتخلف عن أوامره.
يقول الله تعالى «١٠٨ / طه»:
* «يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ – وَخَشَعَت الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا»
يومئذ لن ينجو من عذاب الله إلا من رضي الله عنه «١١١ / طه»:
* «وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا»
نعم: «وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا»
لقد ظلم «المنافق» نفسه بـ «نفاقه»، وظلم من اتبعوه وهم يظنون أنه من أهل الفهم الواعي للقرآن، فإذا به يقلب الموازين الإيمانية، ويُقدم العمل الصالح على تفعيل أصول الإيمان في حياته، والله تعالى يقول بعدها «١١٢ / طه»:
* «وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْمًا»
إن «العمل الصالح» الذي لا يقوم على تفعيل أصول الإيمان الخمسة في حياة صاحبه، وتفعيل نصوص «الآية القرآنية العقلية» في حياة الناس، لن يتقبله الله ولو ملأ الدنيا بأعمال الخير، لأن الله يقول بعدها «١١٣ / طه»:
* «وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ (قُرْآناً عَرَبِيًّا) وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ – لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا»
فعندما تبدأ الآية بواو العطف واسم الإشارة «كَذَلِكَ» علينا أن نعود ونتدبر ما قبلها حتى نصل إلى قوله تعالى:
* «كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ – وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا – مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً – خَالِدِينَ فِيهِ – وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا»
ونجد أن السياق يتحدث عن «القرآن العربي» الذي سيحاسب الله الناس جميعًا، من بعد بعثة رسوله محمد، عن موقفهم من هذا القرآن واتباعهم لأحكامه «١٠٠ / طه»:
* «مَنْ أَعْرَضَ (عَنْهُ) فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا»
وأن الجزاء على الإعراض عن هذا القرآن هو:
* «خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا»
العاصمة:
فإذا آمنت بأن هذا القرآن رسالة الله إلى الناس جميعًا إلى يوم الدين، فقد أصبح فرض عين عليك أن تجيد تعلم وفهم اللغة العربية، لأن حسابك في الآخرة سيكون على أساس هذا الفهم.
القاصمة:
أما إذا كنت في شك من صحة نسبة هذا القرآن إلى الله، فإن شكك هذا لا قيمة له في ميزان الآخرة، إلا إذا كنت من «أهل اللسان العربي» وقدمت البراهين على صحة دعواك، وأنك لست من الملحدين الجهلاء الذين لا يعلمون الفرق بين الفاعل والمفعول.
وإذا كانت علة الأمر الإلهي باتباع الناس القرآن:
* «وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا – وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ»
رجاء أن يقربهم من تقوى الله والتذكير بمصير الآخرة:
* «لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا»
فإن أول موضع أمر الله فيه الناس بعبادته، وجعل علة الأمر رجاء تقواه، هو قوله تعالى «٢١ / البقرة»:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ – اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ – الَّذِي خَلَقَكُمْ – وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ – لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»
وهنا علينا أن نتدبر علاقة التلازم بين:
– «تقوى الله» المتعلقة باتباع «القرآن العربي» الذي هو موضوع الحساب في الآخرة.
– و«تقوى الله» المتعلقة بسياق خطاب الذين يَشُكّون في أن هذا القرآن من عند الله، وقول الله لهم «٢٣ / البقرة»:
* «وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»
والسؤال:
إن البرهان على أن هذا «القرآن العربي» من عند الله أن يأتي الناس «بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ» ومعلوم أن من قوم النبي «أعاجم»، فكيف يجعل الله جزاء من لم يؤمن بـ «القرآن العربي» جهنم:
* «فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»؟!
فيا أيها المسلمون، ويا أيها الأصدقاء:
إن الموت يأتي بغتة، ولن يستطيع مسلم أن ينكر يوم القيامة أن القرآن نزل باللغة التي كان ينطق بها لسان العرب.
ولن يقبل الله عذر من كان بإمكانه تعلم لغة القرآن العربية ولم يفعل، الأمر الذي جعله يُلحد في آياته ويُحرّف أحكامها، ويقول إن الكتاب غير القرآن، والإيمان يأتي بعد الإسلام، ولا هيئة للصلاة ولا ركوع ولا سجود!!
محمد السعيد مشتهري