كم عدد المتابعين لـ «عدنان الرفاعي» الذين على دراية بعلوم اللغة العربية ومصطلحاتها، الذين يعلمون مشتقات الكلمة وجذرها، والفرق بين الفعل اللازم والمتعدي، وما هو عمل همزة التعدي …، الأمر الذي جعله يخاطبهم بهذه المصطلحات في الفيديو المرفق بمنشور الأمس؟!
أولًا:
يقول «عدنان الرفاعي»:
إن «همزة التعدي» تدخل على «الفعل» فتقلب المعنى إلى «النقيض»، ويضرب مثالا على ذلك ويقول:
١- قَسَطَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» تعني «العدل»
٢- أقْسَطَ: «وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا» تعني «الجور»
ليصل في النهاية، حسب «المنهجية الهرمنيوطيقية»، إلى تحريف معنى «العربية» كلغة اصطفاها الله من بين لغات العالم لتكون هي «لغة القرآن»، استنادًا إلى مسألة هو أصلًا يجهلها وهي «همزة التعدي».
وقد نقلت لكم في منشور الأمس ما شهدت به معاجم اللغة العربية على تهافت كل ما قاله «الرفاعي» في هذا الفيديو.
وكما تعلمون فإن مسألة جهل المسلمين بـ «لغة القرآن العربية» مسألة لن أقول أكثر من أنها تعتبر بالنسبة لي مصيبة فكرية، وإشكالية عقدية، وأزمة نفسية.
لذلك سأعرض عليكم درسًا من دروس اللغة العربية التي يتعلمها تلاميذ المرحلة الإعدادية، كاختبار لمعلوماتكم المتعلقة بما قاله «الرفاعي» وحاز إعجاب وقبول الآلاف، إعجابًا بغير علم!!
ثانيًا:
ما هو «الفعل اللازم»، وما هو «الفعل المتعدي»؟!
١- الفعل اللازم:
تتكون الجملة الفعلية البسيطة من «فعل» و«فاعل»، فنقول:
نَجَحَ الطَالِبُ – تفتّحَ الزَهرُ
ونلاحظ أن هذه «جمل مفيدة» تكونت من فعل وفاعل فقط.
إذن، فكل «فعل» اكتفى بـ «الفاعل» دون حاجة إلى «مفعول» يسمى «فعلًا لازمًا».
* جملة الفعل اللازم = فعل + فاعل
٢- الفعل المتعدي:
إذا لم يكتف «الفعل» بـ «الفاعل»، واحتاج أن يتعدّاه إلى «مفعول» كي يتم المعنى، يصبح «فعلًا متعديًا»، فنقول:
شربَ الولدُ الماءَ
* جملة الفعل المتعدي = فعل + فاعل + مفعول به
٣- يتحول الفعل اللازم إلى متعدي في الحالات الآتية:
(أ) إذا أدخلنا عليه همزة التعدية: مثل خَرَجَ – «أَخْرَجَ»
(ب) أن يُضّعف ثانيه: مثل صَعُبَ – «صَعَّبَ»
(ج) أن يُنقل إلى وزن فاعل: مثل جلس – «جالس»
(د) أن يُنقل إلى وزن استفعل: مثل: خرج – «استخرج»
والذي يهمنا من هذه الحالات بما يوافق ما قاله «الرفاعي»:
«إن همزة التعدي تدخل على الفعل فتقلب المعنى إلى النقيض»
هو الحالة الأولى وهي:
«إذا أدخلنا على الفعل همزة التعدية»
وهنا يجب أن نلقي نظرة سريعة على مسألة تتعلق بـ «علم الصرف»، لبيان أنه لا علاقة بين «همزة التعدية» ومسألة قلب المعنى إلى النقيض التي ادّعاها «الرفاعي».
٤- إن صيغة «أَفْعَل» من الصيغ الصرفية التي لها أحكامها في علم «الصرف»، والذي يهمنا هو بيان مسألة تعدي الفعل بالهمزة وكيف أن هذا التعدي يزيد في الكلام «مفعولًا».
مثال:
(أ) فعل «خَافَ» عندما يتعدى بالهمزة يصبح في الكلام مفعولًا فنقول «أخفته».
(ب) وإذا كان الفعل متعديًا إلى مفعول واحد نقول:
«قرأ محمدٌ كتابًا»
(ج) وإذا كان الفعل متعديًا إلى مفعولين نقول:
«أقرأت محمدًا كتابًا»
وكما هو ملاحظ، فلا علاقة بين موضوع «همزة التعدية» ومسألة قلب المعنى إلى النقيض، ذلك أن الذي يقلب المعنى إلى النقيض يُسمّى «همزة الإزالة أو السلب» وليس «همزة التعدية».
ثالثًا:
«همزة الإزالة – السلب»:
تدخل على بعض الأفعال فتغير معناها، كقولنا:
شكا إليه فـ «أشكاه»، أي أزال شكواه.
وهي على نوعين:
١- إزالة ما اشتق منه الفعل عن المفعول.
مثال قوله تعالى:
* «إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا»
فكلمة «أُخْفِيهَا»: أزال عنها خِفاءها «بكسر الخاء»، أي غطاءها، لأن أصل الخِفاء «الكساء» الذي يُغطى بها السقاء.
٢- إزالة ما اشتق منه الفعل من الفاعل، وهذا هو موضوعنا.
مثال قوله تعالى:
* «فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»
فكلمة «أقسط» بمعنى أزال «القَسْطَ» بفتح القاف، أي أزال الظلم والجَوْر، نقول:
«قَسَطَ» الرجل إذا جار، و«أقْسَطَ» إذا عدل ورفع الظلم.
٣- ولِمَ سمَّي الإعراب إعرابًا؟!
(أ) لأنه يبين المعاني، استنادا إلى قولهم: أعرب الرجل عن حجته إذا بَيّنها.
(ب) والأهم أنه مأخوذ من قولهم «أعربت الكلام» إذا أزلت عَرَبه، أي عُجمته وفساد أسلوبه، كما نقول «أعجمت الكتاب» أي أزلت عُجمته.
رابعًا:
فإذا عدنا إلى قول «الرفاعي»:
إن «همزة التعدي» تدخل على «الفعل» فتقلب المعنى إلى «النقيض»، واستناده إلى قوله تعالى:
* «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»: وقوله «قَسَطَ» بمعنى عدل
* «وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا»: وقوله «أقْسَطَ» بمعنى ظَلَمَ.
١- نقول له:
إن «أقْسَطَ» ليست بمعنى ظَلَمَ، وإنما بمعنى أزال الجور والظلم.
يقول الله تعالى:
* «ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ»؟!
أَي أَقْوَمُ وأَعْدَلُ، يُقال: قَسَطَ في حُكْمِهِ، وأَقْسَطَ؛ أَي عَدَلَ، فهو مُقْسِطٌ.
ويقول الله تعالى:
«ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ»؟!
٢- إن القضية أولًا وأخيرًا لا علاقة لها بـ «همزة التعدية» وإنما بـ «أوزان» الأفعال اللازمة والمتعدية، وموضوعنا عن وزن «أَفْعَلَ» وكلمة «أَقْسَطَ».
فإذا جاء الفعل الثلاثي مزيدًا بـ «الهمزة» في أوله فإن وزن «المصدر» له أكثر من صورة لا مجال للحديث عنها هنا، وإنما أقول باختصار:
إن لفظ «القسط» يدل على معنيين متضادين:
* العدل:
يُقال: «أقسط يقْسِط فهو مُقسط»
إذا عدل فيما أُسند إليه، والاسم «القِسط» بكسر القاف.
* الجور:
يقال: «قَسط يقسِط قسوطًا فهو قاسط»
إذا جار وظلم فيما أسند إليه.
ولذلك نقول: إن الله «يُقْسِط» ولا «يَقْسِط»
ونقول: أمر الله بـ «القِسْط»، ونهى عن «القَسط»
إن هذه قطرة من بحر علوم لغة القرآن العربية، فهل شاهدها المسلمون يوما تسقط عليهم، وبناء عليه سجلوا إعجابهم بالقراءات القرآنية الشاذة؟!
محمد السعيد مشتهري