ويسأل «المُلحد»:
فهل نستطيع أن «نُقدّر» كلامًا لم يرد في كتاب الله تعالى؟!
أقول:
نعم نستطيع أن «نُقدّر» كلامًا لم يرد في كتاب الله تعالى.
وسأكتفي بمثال واحد فقط يتعلق بما يُسمى بـ «الاستفهام الإنكاري»:
مثال (١): «أَفَمَن»:
أصلها «مَنْ» فلحقت بها:
– الهمزة مع تشديد الميم «أَمَّنْ»:
* «أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ..»
– الهمزة والواو «أَوَمَن»:
* «أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ …»
– الهمزة والفاء «أَفَمَن»، في قوله تعالى «٨ / فاطر»:
* «أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً – فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ – فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ – إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ»
١- «زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ»:
لقد جاء الفعل «زُيِّنَ» مبني للمجهول، فمن «الفاعل» الذي قام بـ «تزيين» أعمال الإنسان السيئة ليراها حسنة؟!
والحقيقة أن «الفاعل» ليس مجهولًا، وإنما غير ظاهر في السياق، «مستتر»، ويمكننا تقديره ومعرفته وهو «الشيطان».
٢- ويوجد أيضا «تشبيه» غير ظاهر «مستتر»، بقرينة الاستفهام الإنكاري
* «أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا»
وهذه الأخيرة «أَفَمَن» جاءت لتنفي المساواة بين:
– من زَيّن له الشيطان أعماله السيئة فرآها حسنة.
– من زَيّن له الإيمان أعماله الصالحة فرآها حسنة.
فـ «أظهر» من زَيّن له الشيطان أعماله السيئة فرآها حسنة.
و«ستر» من زَيّن له الإيمان أعماله الصالحة فرآها حسنة.
باعتبار أن هذه الجملة تُفهم «ضمنيًا» فنقول:
* «أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا»
والمفهوم ضمنيا:
(كمن زَيّن له الإيمان أعماله فرآها حسنة)
*«فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ»
وهنا أيضا يوجد ما يُفهم «ضمنيًا» لوجوب تنزيه الله عن الظلم وهو:
*«فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ»
والمفهوم ضمنيا:
مَن يَشَاءُ: (أن يسير في طريق الضلال)
* «وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ»
والمفهوم ضمنيا:
مَن يَشَاءُ: (أن يسير في طريق الهداية)
وذلك لأن الله تعالى خالق أسباب الضلال والاهتداء:
* «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا – فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا – قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا – وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا»
ونفس البيان ينطبق على قوله تعالى:
* «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ – وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ – وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَاماً وَرَحْمَةً»
والمفهوم ضمنيا:
(كمن لا يملك البيّنة على صحة ما يؤمن به)؟!
وهذا المفهوم الضمني جاء التصريح به في موضع آخر حيث يقول الله تعالى «١٤ / محمد»:
* «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ»
* «كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ – وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ»
مثال (٢) الاستفهام الإنكاري «أَمَّن».
يقول الله تعالى «٩ / الزمر»:
* «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخرةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ – قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ – إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الألْبَابِ»
فقوله تعالى:
«أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً …»
المفهوم ضمنيًا:
(كمن يقضي ليله في معصية الله دون خوف من الآخرة؟!)
لذلك جاء بعدها ببيان حكمة الحذف «المفهوم ضمنيًا» ونفي المساواة بين الفريقين، فقال تعالى:
* «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ»؟!
طبعا الموضوع له ثقله العلمي، وأنا أعلم أنه سيكون ثقيلا على كثير من الأصدقاء الذين ليس لهم دراية باللغة العربية.
لذلك جعلتها قطرة صغيرة واحدة لبيان أن الملحدين أخطر على المسلمين من ملل الكفر كلها، لماذا؟!
لأنهم يخاطبون المسلمين بالقرآن ولكن بما تهوى قلوبهم، وذلك بالإلحاد في أحكامه لرفع أحمالها من على أكتافهم.
فيعيشون سعداء بـ «الإسلام الحر»، وبـ «القراءات المعاصرة»، وبـ «التنوير الظلامي».
فهل ستتعلمون اللغة العربية وعلومها، لتحصين أنفسكم وأولادكم من سموم «أفعى الإلحاد»؟!
أم ستظلون في غيبوبة الإعجاب بما هو كائن، وبالمنشورات التي لا تحملكم أي مسؤولية دينية:
فشوية سياسة، وشوية اقتصاد، وشوية كيمياء، وشوية حكايات، وشوية فكاهة، وشوية نقد للموروث….، والله غفور رحيم!!
محمد السعيد مشتهري