نحو إسلام الرسول

(1253) 6/3/2019 «السياسة الشرعية» وغياب «الوعي الإيماني»

لقد جاء المنشور:

«عندما تحكم السياسة غير الشرعية السياسة الشرعية»

يُبيّن العلاقة التي تربط بين المنشورات الثلاثة التي سبقته:

«هل القرآن كتاب الله» – «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ» – «وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ»

ولبيان أننا في أزمة إيمانية كبرى تتعلق بغياب الفهم الواعي لـ «مقتضى» إيماننا بأن «القرآن كتاب الله»، وأن العقبة الكؤود أمام المسلمين هي صعوبة تغيير «ما هو كائن» في حياتهم إلى «ما يجب أن يكون» وفق أحكام القرآن الذي آمنوا أنه كتاب الله يقينًا.

إن الإقرار بـ «الوحدانية» له «مقتضى»، والإيمان بصدق «نبوة» رسول الله محمد له «مقتضى»، والتصديق بـ «آيته القرآنية العقلية» له «مقتضى»، فما هو هذا «المقتضى»؟!

أولًا:

١- عندما نجد «غريقًا» يطلب المساعدة، فهذا الموقف «يقتضي» أن «نَفْعَلَ» شيئًا على وجه السرعة لإنقاذه، فإذا كنا لا نملك وسيلة لإنقاذه، فإن «مقتضى» حاله يفرض علينا سرعة البحث عن وسيلة لإنقاذه، وإلا كنا آثمين.

* القاعدة:

كما يجب عليك البحث عن وسيلة لإنقاذه، «يَحْرُم» عليك ترك إنقاذه والانشغال بغيره.

٢- عندما نسمع النداء للصلاة، فهذا «النداء» يقتضي أن نقوم على الفور لأداء الصلاة، لأن «الله أكبر» من كل شيء يشغلنا، وإلا كنا آثمين.

* القاعدة:

كما يجب عليك إقام «الصلاة» في موعدها، «يَحْرُم» عليك ترك إقامتها في موعدها:

* «إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتًا».

٣- وماذا نفعل إذا وقع حادث «الغرق» وقت قول المنادي للصلاة «الله أكبر».

فهل نترك إنقاذ الغريق ونذهب لأداء الصلاة ونفوض أمره إلى الله لأن «الله أكبر»؟!

أم نترك أداء الصلاة ونذهب لإنقاذ الغريق؟!

هنا نحن أمام «أمران وجوديان متضادّان»:

– نذهب لأداء الصلاة ونترك «الغريق» يموت.

– نذهب لإنقاذ «الغريق» ونترك أداء الصلاة.

* القاعدة:

إن «حفظ النفس» مقدم على أداء الشعائر، ورؤية «الغريق» وهو يغرق «تقتضي» ترك الصلاة وإنقاذه وفق قاعدة «الوجوب الغيري» حيث يوجد سبب «يقتضي» فعل غير الصلاة، وهو «حفظ النفس».

والسؤال:

ما هو الشيء الذي «اقتضى» أن يترك المسلمون تفعيل «القرآن» في بيوتهم وأعمالهم، بعد أن آمنوا بأنه «كتاب الله» يقينًا؟!

والجواب:

«غياب الوعي الإيماني».

٤- وعندما أمر الله اليهود أن يعملوا بما جاء في التوراة «اقتضى» هذا الأمر العمل بكل ما جاء فيها، وإلا كانت بالنسبة لهم كتابًا أعجميًا لا يفهمونه، لذلك لم يعملوا بما فيه، الأمر الذي «اقتضى» أن يصفهم الله بقوله:

* «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ – ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا – كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً
– بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ – وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»

فلنا أن نتخيل كيف أن عدم تنفيذ «اليهود» ما جاءت به «التوراة» اعتبره الله تعالى تكذيبًا صريحًا لآياته، الأمر الذي اقتضى وصفهم بهذه الصفة الحيوانية.

ثانيًا:

وعندما يأمر الله «الذين آمنوا» بوجوب العمل بـ «أحكام القرآن» فإن «مقتضى» إيمانهم بالقرآن يفرض عليهم تفعيل أحكامه في حياتهم، فإن أصروا على عدم تفعيلها ارتكبوا كبيرة من الكبائر.

فتعالوا نقف على فعاليات أركان «السياسة الشرعية» الثلاثة في حياة المسلمين، لنعلم إلى أي مدى هم حقا «مؤمنون».

* مع ملاحظة أن كلمة «مؤمن» أعني بها أيضا «المؤمنة».

١- إن حياة المؤمنين ومعايشهم «اليومية» يجب أن تقوم على أركان «السياسة الشرعية» الثلاثة:

«السَائِس – المَسُوس – المُسَاس به»

ولكل ركن من هذه الأركان «مقتضياته».

١- «السَائِس»:

هو «المؤمن» الذي من مقتضى إيمانه أن يَتَحَمَّل مسؤولية الشهادة على الناس كما أمره ربه:

* «..هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ – وَفِي هَذَا – لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ – وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ..»

وهذه المسؤولية «فرض عين» على كل مؤمن.

٢- «المَسُوس»:

وهم الناس الذين محل دعوة المؤمن «السَائِس».

وأول الناس هم «أهل بيته»، الأمر الذي «يقتضي» تغيير ما هو كائن في بيته إلى «ما يجب أن يكون» وفق «أحكام القرآن» الذي من المفترض إيمان أفراد البيت أنها من عند الله يقينًا.

فهل يستطيع هذا التغيير اليوم، ولماذا لا؟!

٣- «المُسَاس به»:

وهو الموضوع الذي يجب «بصفة يومية» أن يدعو «المؤمن» أهل بيته إليه، كما يدعو الناس، ويُفضل أن يكون إعداده بعد صلاة الفجر، وطبعا يكون من «القرآن».

فإذا نظرنا إلى «مقتضى» فعاليات أركان «السياسة الشرعية» الثلاثة في «البيت المؤمن»، نجده:

* «إيمانًا – وعملًا صالحًا – ودعوة»

والسؤال:

أين «مقتضيات» إيمان الزوج وزوجه وأولاده و«فعاليتها» اليوم في بيت الزوجية؟!

وكيف نقرأ القرآن «قراءة معاصرة» في غياب العمل بـ «مقتضيات» إيماننا بالقرآن أصلًا؟!

وكيف نبحث عن «معجزات عددية» في قرآن نحمله كما كانت اليهود تحمل التوراة؟!

إنه «غياب الوعي الإيماني».

ثالثًا:

ليس شرطًا أن يكون الموضوع «المُسَاس به» قد نص القرآن عليه صراحة، فهناك مئات «المحرّمات» المستنبطة من القواعد الأصولية القرآنية المحققة لمقاصد الشريعة الإلهية.

١- القوانين التي تعاقب من يتعرض للنساء بالمضايقة والإيذاء، وتعاقب من يضع نفسه في مواقف الريب والشبهات..، تعتبر من «السياسة الشرعية» وإن لم يرد فيها نص قرآني، لأنها تتفق مع مقاصد الشريعة القرآنية ومنها صيانة الأعراض.

* فهل هناك مؤمن عاقل يبيح «التحرش الجنسي» لعدم وجود نص قرآني يُحرمه؟!

إنه «غياب الوعي الإيماني».

٢- القوانين المنظمة لدخول البلاد والخروج منها، ومنها نظام الإجراءات المتعلقة بجوازات السفر وأمن المطارات..، تعتبر من السياسة الشرعية وإن لم يرد فيها نص قرآني، لأنها تتفق مع مقاصد الشريعة القرآنية، ومنها تحقيق أمن الدولة والأفراد.

* فهل هناك مؤمن عاقل يرفض إجراءات خلع الأحذية والتفتيش الذاتي في بعض الحالات، بدعوى عدم وجود نص قرآني بذلك؟!

إنه «غياب الوعي الإيماني».

٣- عندما تفرض الدول على شعوبها «التطعيم» للوقاية من الأمراض الوبائية، أو عندما تضع نظامًا لـ «الحجر الصحي» يمكث فيه القادمون إلى البلاد حتى يتبين خلوهم من الأمراض.

يعتبر ذلك من السياسة الشرعية، وإن لم يرد فيها نص قرآني، لأنها تتفق مع مقاصد الشريعة القرآنية التي تحافظ على سلامة النفس من الأمراض.

* فهل هناك مؤمن عاقل يبيح «التدخين» لعدم وجود نص قرآني يُحرمه؟!

وهنا أقول:

إنه ليس فقط «غياب الوعي الإيماني»، وإنما «جهل وجهالة» بمقتضيات الإيمان، وأحكام الشريعة القرآنية، التي يجب أن تكون لها فعالية في حياة المسلمين.

أتعجب من صورة «المؤمن المسلم» الذي يُصلي في بيته، ثم إذا به وأمام زوجه وأولاده يُدخن سيجارة، لا لشيء إلا لأن «شهوته» حكمت «شريعته»، الأمر الذي اقتضى أن يكون «منافقًا».

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى