نحو إسلام الرسول

(1252) 4/3/2019 عندما تحكم السياسة «غير الشرعية» السياسة الشرعية

إن البراهين الدالة على أن القرآن كلام الله يجب أن يتعلمها الصغير قبل الكبير، لأن «أفعى الإلحاد» يستحيل أن تنشر سمومها في بيئة علمية تربت على الفهم الواعي لـ «دين الله الإسلام».

* وهذا ما بيّناه في منشور «هل القرآن كتاب الله»؟!

وعندما نؤمن أن «القرآن كتاب الله» الذي حمل «الآية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، فلا ننسى أنه نزل بـ «اللغة العربية» التي كان ينطق بها لسان العرب من قبل نزوله.

الأمر الذي يقتضي أن يكون المسلمون على دراية كاملة بـ «اللغة العربية» حتى لا يقعوا فريسة «أفعى الإلحاد»، فإذا بهم مع «الملحدين» أمام جهنم يسألون:

لماذا لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم تفعلون في الدنيا؟!

* وهذا ما بيّناه في منشور «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ».

والحساب يوم القيامة لن يكون عن الأعمال فقط، وإنما عن الآثار التي تركتها الأعمال بين الناس، لذلك عندما ننشغل بمعايش الدنيا علينا ألا ننسى أننا محاسبون على آثارها بين الناس.

* وهذا ما بيّناه في منشور «وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ».

لقد كانت هذه المنشورات الثلاثة تمهيدًا للحديث عن المحور الأساس الذي دارت حوله هذه المنشورات وهو ما يُعرف باسم «السياسة الشرعية».

أولًا:

ترجع كلمة «سياسة» في لسان العرب إلى الفعل «سَاس يسُوس سياسة» ويعني تدبير شؤون الشيء بما يُصلح أحواله، فيُقال «ساس» الأمر سياسة إذا بذل جهده في إصلاحه، و«ساس» الرعية إذا أدار شؤونها بما يصلحها ويحقق مطالبها الحياتية المتجددة.

وترجع كلمة «شرعية» إلى «شَرْع»، وهو الشيء القائم على أساس شرعي، نقول «محكمة شرعية» أي تحكم وفق الشريعة الإسلامية.

وعليه فـ «السياسة الشرعية» بالمفهوم القرآني هي تدبير شؤون المؤمنين بما يحقق سعادتهم في الدنيا والآخرة، حسب أحكام القرآن الكريم.

والحكمة من استخدامي لفظ «السياسة الشرعية» هي الاستفادة من آلياتها في بناء المجتمع الإيماني المصغر، «البيت المؤمن»، بناءً يقوم على أكتاف جميع أفراده:

١- «السَائِس»:

هو المسؤول عن رعاية شؤون غيره.

وهو هنا «المؤمن» الذي أسلم وجهه لله و«يَسُوس» أمر نفسه بما يُصلحها، وأمر من هم تحت ولايته ورعايته، وكذلك «المؤمنة».

فإن عزل المؤمن «الشرعية»، أي أحكام القرآن، عن «سياسته» فَسَدَ وفَسَدَ من معه، ذلك أن الله لم ينزل «القرآن» لتحقيق المقاصد الدنيوية فقط.

٢- «المَسُوس»:

وهم «الرعية» التي يتولى «السَائِس» رعايتها.

وهم هنا «البيت المؤمن» الذي أسلم وجهه لله، ويعمل أفراده مع «السَائِس» على رعاية شؤونه، من أجل سعادتهم في الدنيا والآخرة.

٣- «المُسَاس به»:

وهو «المنهج التربوي» الحاكم حياة هذا «البيت المؤمن».

# عندما يضع أفراد الأسرة هذه المسؤوليات الثلاث في أذهانهم، ويعملون على تفعيلها بصورة يومية، ستتغير حياتهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة.

ثانيًا:

وأنا هنا لا أتكلم عن «السياسة الشرعية» بمعناها الفقهي السلفي المتعلق بنظام الحكم ورسم سياسات الدولة وعلاقاتها الدولية… إلى آخره، وإنما عن معناها اللغوي، ومفهومها القرآني، الذي يعني «حاكمية الشريعة» المستمدة من قول الله لرسوله محمد:

* «إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ – لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ – وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا»

فمن غير المعقول شرعًا أن يكون المسلم قد آمن بأن القرآن كلام الله يقينا، وعلم أن سموم «أفعى الإلحاد» لا علاج لها إلا في جهنم، وأن العبرة بآثار أعماله..، ثم لا يقيم حياته على ما أنزله الله في كتابه القرآن الحكيم؟!

إن الحكم بما أنزل الله كما هو مسؤولية الحاكم المؤمن فهو أيضا مسؤولية كل مؤمن، لأن الله تعالى يقول «٢-٣ / الأعراف»:

* «كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ»

ثم تدبر جيدًا ماذا قال الله بعدها، يأمر المؤمنين بما أمر به رسوله:

* «اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ – وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ – قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ»

وهذا أمر إلهي لكل مؤمن، أي «فرض عين» على كل مؤمن، أن يدير شؤون حياته وحياة من يعول وفق ما أنزله الله في كتابه، وبآليات «السياسة الشرعية» بمحاورها الثلاثة:

«السَائِس – المَسُوس – المُسَاس به»

والسؤال:

هل يسهل على «السَائِس» اليوم، رعاية شؤون «المَسُوس» وخاصة الأولاد، بـ «المُسَاس به»، أي بما أنزله الله في القرآن؟!

الإجابة: معروفة مسبقًا.

إذن فما الحل، ولماذا نبكي على أولادنا الذين أصابهم فيروس لعبة «Momo» القاتل، وما الفرق بينها وبين سموم «أفعى الإلحاد»؟!

ثالثا:

إن «السياسة الشرعية» مسؤولية فردية، وتعني آليات الحكم بما أنزل الله، أي «حاكمية الشريعة» لحياة المؤمن، وهذه «المسؤولية الفردية» هي التي تقوم على أساسها المسؤولية الجماعية، وليس العكس.

ولذلك كان التحول من «السياسة الشرعية» التي تقوم على «مسؤولية الفرد» أمام الله تعالى، إلى «الأحكام السلطانية» التي تقوم على أن الحاكم «ظل الله» في الأرض، كان سببًا في جميع المصائب العقدية، والكوارث الدموية، التي شهدتها «الخلافة الإسلامية» على مر العصور.

إن الفرق بين «السياسة» و«السياسة الشرعية» أن الأولى تهدف إلا إدارة شؤون الناس وتدبير ورعاية معايشهم الدنيوية فقط، أما الثانية فتشمل دنياهم وآخرتهم.

ولذلك كان من الطبيعي أن يُسقط أصحاب المصالح الدنيوية «الشرعية» من الجملة المفيدة «السياسة الشرعية» لتصبح «السياسة» من غير «شرعية»، وهي الحاكمة دول العالم اليوم.

وأخطر ما في «فصل الدين عن الدولة»، و«السياسة» عن «الشريعة»، انفصال معايش الناس الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية…، عن «الشريعة».

فإذا ذهبنا نتعرف على «حدود الشريعة» التي يجب ألّا يتعداها المسلم وجدناها الخضوع الكامل لأحكام «الآية القرآنية العقلية»، خضوعًا كليًا وليس جزئيًا، فالله تعالى يقول لرسوله:

* «وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ – وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ»

* «وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ..»

والسؤال:

هل عندما ننجح في بتفعيل محاور «السياسة الشرعية» الثلاثة في بيوتنا، هل سيكون هذا النجاح «جزئيًا»، وإن شاء الله مكملين، أم نجاحًا «كليًا» يقوم على تحمل جميع أفراد الأسرة مسؤولياتهم؟!

رابعًا:

إن محور «المُسَاس به» في مثلث «السياسة الشرعية» ليس فقط الأحكام التي أنزلها الله في كتابه، وإنما يشمل كل إبداعات المتخصصين في العلوم المختلفة، التي تحقق للناس تنمية حضارية مستدامة ترعى مصالحهم ومصالح الأجيال القادمة، ولكن بشرط ألا تتعدى «حدود الله».

ولقد تعدى المسلمون حدود الله منذ قرون مضت، يوم دخلوا هم وأولادهم وأحفادهم «المجال السياسي» وأصبح مخزونهم المعرفي لا علاقة له بـ «المجال الشرعي» الذي هو القاعدة الإيمانية التي يحرم أن تقام حياتهم الأسرية والاجتماعية والمالية على غيرها.

وإذا كانت «السياسة» تدير الشأن العام الدنيوي وتقيم العُمران وفق قوانين من وضع البشر، فإن «السياسة الشرعية» تدير شؤون المؤمنين في إطار «حدود الله» التي أمرهم بعدم تعدّيها.

وعليه فإن «حاكمية الشريعة» يجب ألا تغيب لحظة عن حياة المؤمنين، فـ «دين الله الإسلام» دينٌ تشريعيٌ نزل ليحكم حياة الناس، لا ليضعه المسلمون «بركة» في بيوتهم ويقرؤون آياته على موتاهم.

لقد انفصل «دين الله الإسلام» عن الواقع الدنيوي، ولم يعد المسلمون يعيشون داخل منظومة «السياسة الشرعية» الحاكمة لمعايشهم، ونسوا أن الله أمرهم أن يكونوا شهداء على الناس وأن يخرجوهم من الظلمات إلى النور:
* «الَر – كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ – لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ – بِإِذْنِ رَبِّهِمْ – إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»

فأين الكتاب، وأين الرسول، وأين الإسلام، وأين المسلمون الشهداء على الناس؟!

والجواب: لقد حكمت السياسة «غير الشرعية» السياسة الشرعية

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى