في منشورات سابقة، كتبت مقدمة لبيان فتنة الإعجاز العددي في القرآن، وأن البرهان على هذه الفتنة موجود بين أيدي المسلمين يشهد باستحالة أن تجتمع المصاحف التي بين أيديهم على رقم واحد تكون نتائجه واحدة، وذلك لاختلاف عدد حروف هذه المصاحف «حفص وورش وقولون والدوري» وقيمها العددية.
أولًا:
يتصور بعض الأصدقاء أن محمد مشتهري جالس على «قهوة» يشرب الشاي، وكلما شاهد منكرًا يفعله الناس سارع بكتابة منشور ويعرضه على صفحته، دون أن يعلم شيئًا عن حقيقة الموضوع الذي يكتب عنه.
وهي شهادة أعتز بها، بل وأشكرهم عليها، لأنها إن دلت على شيء فإنما تدل على أن محمد مشتهري رجل عبقري، يحمل مخزونًا معرفيًا من الآيات القرآنية والعلوم المختلفة، يجعله يرد بالآيات القرآنية على كل منكر يشاهده وهو جالس على «القهوة» بيشرب شاي!!
فما هذه الظاهرة الفكرية الخطيرة، التي لا شك أنها ستؤثر تأثيرًا سلبيًا على مستقبل الأجيال القادمة التي تتربى على هذه العشوائية الفكرية المذهبية المصابة بـ «فيروس الهوس الديني»، الذي من أمراضه الإجابة على هذا السؤال:
كيف يدخل الناس في «دين الله – الإسلام»، هل:
* عن طريق الباب السلفي لـ «فرقة أهل السنة والجماعة»، على المذهب الحنفي أو المالكي…، إلى آخره.
* أم عن طريق باب «المعجزة الكبرى» لـ «فرقة أهل السنة والجماعة» على قراءة حفص أو ورش…، إلى آخره.
ثانيًا:
إن المؤمن الذي أسلم وجهه لله، وتدبر القرآن بالأدوات التي أمر الله بها في كتابه، لا شك أنه يعلم أن الآية «المعجزة» التي أيد الله بها رسوله محمدًا هي «الآية القرآنية العقلية»، فقط لا غير، وبرهان ذلك قوله تعالى «العنكبوت / ٥٠-٥١»:
* «وَقَالُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ – (أي معجزات) – قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ – وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ»
* «أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ – أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ – إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى – لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
١- إن «الكتاب» الذي هو «القرآن العظيم»، هو الآية «المعجزة» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، والتي لن يقبل الله من أحد دخوله في «دين الإسلام» إلا من بابها.
٢- مصطلح «المعجزة الكبرى» مصطلح بشري، يقوم على:
أ- نظرية الاحتمالات
ب- المعادلات الرياضية
ج- قواعد العد، وقوانين التباديل والتوافيق.
ولم يحدث إلى يومنا هذا، أن خرج علينا أحد بنظرية رياضية «مترابطة متكاملة»، تقوم على قواعد راسخة، تسفر عن نتائج تشهد بإحكام منظومة «النظم العددي» في القرآن، ،ذلك على مستوى جميع القراءات القرآنية التي حملتها المصاحف التي بين أيدي المسلمين اليوم.
٣- إن كل ما أبهر «الجهلاء» الذين يجهلون حقيقة ما يُسمى بـ «الإعجاز العددي» هو مجرد نتائج تم التوصل إليها خلال أسابيع وأشهر، بل وسنوات من محاولات العد والتباديل والتوافيق، حتى يتحقق ما يسمونه بالإعجاز العددي مع بعض الآيات.
والإشكالية هنا تكمن في تغيير «المنهج» الذي يقوم على أساسه حساب القيم العددية للمسألة الواحدة التي يريدون إثبات إعجازها.
فمثلا: إذا وجدوا أن إجمالي القيمة العددية لـ «حروف الآيات»، المتعلقة بالمسألة الواحدة، لن تكون «وحدها» من مضاعفات الرقم الذي يريدون إثبات إعجازه، ذهبوا يضيفون إليه قيمًا أخرى بمنهج آخر.
فمرة يضيفون رقم الآية المذيلة به، ومرة يضيفون حساب الجُمّل، بضم الجيم وتشديد الميم، ومرة يضيفون رقم السورة، ومرة يذهبون إلى آيات أخرى يدّعون أن لها علاقة بهذه المسألة الواحدة التي يريدون إثبات إعجازها وفق هذا الرقم!!
ثالثًا:
لقد أيد الله تعالى رسوله محمدًا بالآية «المعجزة» الدالة على صدق «نبوته» وتعهد بحفظها لتكون قائمة بين الناس إلى يوم الدين، فكان من المنطقي أن تحمل جميع التحديات التي تجعل فعاليات آياتها قائمة بين الناس إلى يوم الدين.
١- إن إثبات حجية «نبوة» رسول الله محمد، عليه السلام، على العالمين، هو أول الفعاليات التي يجب أن يكون لها واقع بين الناس، ولذلك حملت «الآية القرآنية العقلية» منظومات علمية مُحكمة تشهد بذلك.
٢- إن هذه المنظومات العلمية تشمل كافة العلوم التي عرفها الإنسان والتي لم يعرفها، من علوم لغوية وبيانية وكونية واجتماعية ونفسية وعددية…، وكلها تنطلق من «الآية القرآنية – العقلية – الكبرى».
٣- ومما لا شك فيه أن هذه «الآية القرآنية العقلية» تحمل «نظمًا عدديًا رياضيًا محكمًا» لم يصل البشر إلى كشف أسراره حتى الآن عن طريق قاعدة «عددية رياضية» محكمة.
إن كل ما فعلوه هو إلقاء الضوء على بعض الأرقام التي ثبتت فعالياتها في سياقات معينة، وهناك على شبكة الإنترنت الكثير من الدراسات الدالة على ذلك.
رابعًا:
منذ أن سرت في الطريق الصحيح «نحو إسلام الرسول»، فإن توجهي الديني يقوم على «المنهج التأصيلي» الذي تعلمته في دراساتي الأكاديمية، فلا أضيع وقتي ولا وقت الناس في قطع ثمار الشجرة الخبيثة ثمرة ثمرة، وإنما أقتلع الشجرة كلها من جذورها.
١- لقد اقتلعت شجرة بدعة الإعجاز العددي «المذهبي» في القرآن ولم أقتلع منظومة «النظم العددي المحكم» التي حملتها «الآية القرآنية العقلية».
لقد اقتلعت شجرة بدعة الإعجاز العددي «المذهبي» في القرآن بجملة واحدة هي:
استحالة أن يقوم هذا «الإعجاز» على حسابات حروف كلمات المصاحف التي بين أيدي المسلمين.
لذلك أعتذر للذين يجهلون هذه الحقيقة، ويطلبون مني أن أكتب كتابًا للرد على كتاب «المعجزة الكبرى» للمهندس «عدنان الرفاعي»، بدعوى أنه جاء بما لم يأت به أحد من العالمين، وأنه يقول دائما في ختام كلامه «والله أعلى وأعلم»!!
* طيب مسألة أن «الله أعلى وأعلم» مسألة إيمانية لا يعلمها إلا الله، فاتركوا علم الله الذي لا تعلمونه، وخليكم في علمكم أنتم!!
٣- إن حجية الآية «المعجزة» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، وصدق هذه المصاحف التي بين أيدي المسلمين اليوم، لا تقوم «مطلقا» على إثبات صدق «المحدثين» فيما نقلوه عن «رواة» الفرق الإسلامية من «مرويات» تثبت نزول عيسى آخر الزمان!!
فهل يعلم «الَّذِينَ آمَنُواْ» أن القرآن من عند الله، وأن «مرويات» الفرق الإسلامية من عند البشر؟!
هل يعلم «الَّذِينَ آمَنُواْ» أن هذه «المرويات» هي المقبرة الفكرية المذهبية التي يعيش بداخلها أتباع الفرق الإسلامية، والتي سيبعثون منها مباشرة إلى جهنم، إن هم أصروا على تفرقهم في الدين؟!
خامسًا:
أما بخصوص «الرقم ١٩» فهذا هو الرقم الوحيد، من منظومة «النظم العددي المحكم» الذي جعله الله فتنة للكافرين وللذين في قلوبهم مرض، والبرهان على أنهم حقا مرضى القلوب:
أن المذهبية العشوائية السُنيّة الشحرورية الرفاعية أعمتهم عن رؤية الحق الذي يحمله سياق الآيات، فتدبروا:
* «عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ»
والسؤال:
١- «تِسْعَةَ عَشَرَ» إيه بالضبط؟!
من قال إن «تِسْعَةَ عَشَرَ» عدة أفراد، يعني «١٩»؟!
لماذا لا تكون عدة مجموعات من «الكوماندوز» التي تحاصر جهنم، فـ «عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ» مجموعة؟!
٢- ولذلك قال بعدها يا أتباع المناهج العشوائية:
* «وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا»
٣- وقد حدثت الفتنة في عصر الرسالة، فتدبروا:
* «لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»
فمن أي شيء استقين «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» ولماذا؟!
٤- ثم لماذا كانت هذه الفتنة سببًا في زيادة إيمان المؤمنين:
* «وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً»
فهل يُعقل أن يزداد «الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً» بمسألة غيبية لا يدركون حقيقتها؟!
٥- «وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ»
ولا يرتابون من أي شيء، ولماذا؟!
٦- «وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً»
وهنا مربط الفرس: «مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً»؟!
٧- والجواب الذي هو مفتاح فهم سياق الآيات كلها:
* «كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ»
ثم يختم الله السياق ببيان إلحاد كل من اتخذوا «الرقم ١٩» دليلًا على صدق «نبوة» رسول الله محمد وعلى صدق القرآن، لأن السياق يتحدث عن مسائل غيبية، «من ضرب المثل»، لا يعلم حقيقتها إلا الله:
* «وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ»
أي وما يعلم حقيقة جنود الله «كمًا وكيفًا» إلا الله.
# والعبرة من هذا المثل:
«وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ»
وعلى كل حال فإن هذا المنشور هو أول الطريق نحو بيان حجم المصيبة العقدية التي يعيش بداخلها المسلمون، الذين يُعجبون بما يجهلون أصله وفصله!!
وسيكون بيان ذلك، إن شاء الله تعالى، في المنشور القادم.
محمد السعيد مشتهري