فهل دخل المسلمون في «دين الله» من بابه الصحيح، باب الإقرار العلمي بصدق «الآية القرآنية العقلية»، أم ورثوا «دين الله» مذهبيًا عن آبائهم؟!
وهل كانت أزمة المسلمين على مر العصور أزمة:
فكرية، أم قولية، أم فعلية؟!
وما موقفهم اليوم من قول الله تعالى:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ»
«كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ»؟!
أولًا:
إن الآية «المعجزة» الوحيدة الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، والتي لن يقبل الله من أحد إيمانًا ولا إسلامًا إلا بعد الإقرار «العلمي» بصدقها، هي «الآية القرآنية العقلية» التي حملها كتاب الله الخاتم، القرآن العظيم.
وإن البرهان على وجوب «الإقرار العلمي» بصدق هذه «الآية القرآنية العقلية» هو قوله تعالى «الآية ٥٣ / فصلت»:
* «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا – فِي الأفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ – حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ – أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»
١- إن مفتاح فهم هذه الآية هو قوله تعالى:
«حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»
فجاءت كلمة «الْحَقُّ» مُعرّفة بـ «أل» التعريف لبيان أن المقصود ليس «الحق» الذي يتعارف عليه الناس، وإنما «الْحَقُّ» الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي يقابله «الباطل».
وعليه فإن الضمير في جملة «أَنَّهُ الْحَقُّ» يشمل:
«الله – والرسول – والقرآن»
٢- عندما نتحدث عن وجوب أن تكون الآية «المعجزة» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد «حقَا مطلقًا»، فإن هذا الحق قائم في التفاعل بين «كلمات القرآن» مع «مقابلها الكوني» في الآفاق والأنفس، إلى يوم الدين.
٣- ولم يشر القرآن إلى أي آيات «معجزات» أيد الله بها رسوله محمدًا، لتكون برهانًا على صدق «نبوته»، وصدق «القرآن» الذي بلغه للناس، غير «معجزة» التفاعل بين الآيات المقروءة والمشاهدة، وهو ما أسميه بـ «الآية القرآنية العقلية».
٤- ولذلك كان باب الدخول الوحيد في «دين الإسلام» هو «التصديق العلمي» بتفاعل كلمات «الآية القرآنية العقلية» مع «مقابلها الكوني» في الآفاق والأنفس.
ولما كان تدين المسلمين تدينًا وراثيًا مذهبيًا، حَمَلُوه وهم في بطون أمهاتهم، ولم يعيدوا دخولهم في «دين الإسلام» من بابه الصحيح.
فإن «الفريضة الغائبة» عن حياتهم اليوم، هي إعادة دخولهم في «دين الإسلام» من جديد.
ثانيًا:
ومن ثمار إعطاء المسلمين ظهورهم لهذه «الفريضة الغائبة» أن تم اختراق قلوبهم بكثير من البدع العقدية والفقهية التي آمنوا وتديّنوا بها، وأقاموها في حياتهم الفكرية والدعوية والتربوية.
١- ومن البدع التي يحلوا للمسلمين أن يسارعوا إلى اتباعها والإعجاب بها في كل عصر، بدعة «الإعجاز العددي في القرآن».
هذا «الإعجاز» الذي لا علاقة له بمفهوم «الآية الإلهية» السابق الحديث عنها، والدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد.
٢- لقد ورث المسلمون «المصاحف» بعدة قراءات، وهي حسب انتشارها بينهم كالتالي:
أ- مصحف بقراءة «حفص» عن عاصم
* ومن البلاد المنتشر فيها: الجزيرة العربية ومصر، وغيرها.
ب- مصحف بقراءة «ورش» عن نافع:
* ومن البلاد المنتشر فيها: المغرب العربي، وغرب إفريقيا.
ج- مصحف بقراءة «قالون» عن نافع:
* ومن البلاد المنتشر فيها: ليبيا وتونس.
د- مصحف بقراءة «الدوري» عن أبي عمرو
* ومن البلاد المنتشر فيها: الصومال والسودان وأواسط إفريقيا.
لذلك يستحيل أن نجد هناك «معجزة عددية كبرى» بين هذه المصاحف، لاختلاف عدد كلماتها، وما ظهر من نتائج باسم «الإعجاز العددي» قام على عدد كلمات مصحف حفص.
وكل النتائج قامت على حسابات عشوائية لم تسفر عن نظرية متكاملة تشهد بأن هذا القرآن هو حقًا الآية «المعجزة» الإلهية الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد.
ثالثًا:
إن «المنهجية العلمية» تفرض على أصحاب بدعة «الإعجاز العددي» أن يُحدّدوا لنا أولًا موقفهم من المصاحف الأخرى، وتكون لديهم الشجاعة أن يقولوا:
إن هذه «المعجزة الكبرى» قامت على أساس حسابات كلمات قراءة حفص عن عاصم، ولا علاقة لها ببقية القراءات.
فإذا تمت هذه الشجاعة فإنها كفيلة بإسقاط حجية القرآن من قواعدها، لأن هذا معناه أن الله لم يحفظ كتابه الخاتم!!
١- إن عدم اتفاق أصحاب بدعة «الإعجاز العددي في القرآن» على معايير ومعادلات رياضية يقيمون على أساسها حساباتهم، وحسم قضية هل يحسب الحرف المُشدّد حرفًا أم حرفين، وهل الحروف غير الملفوظة تدخل في الحسابات أم لا.
وغير ذلك من الإشكاليات والخلافات الجوهرية المثارة بين أصحاب هذه البدعة، هو خير برهان على اختراق عقائد الملل المنحرفة لتدين المسلمين، وصرفهم عن المفهوم الحق لـ «الآية الإلهية» الدالة على أن:
«الله حق – والرسول حق – والقرآن حق»
٢- ومن الذين وقعوا أسرى بدعة «الإعجاز العددي»، وأقاموا عليها أحكامًا عشوائية متهافتة، المهندس «عدنان الرفاعي».
فلقد استند في استنباطه لعدد ركعات الصلوات المفروضة من القرآن، إلى الرأي الذي يجعل نتائجه الرياضية توافق هواه الرياضي.
فيقول عند تفسيره لقوله تعالى:
«أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»
دلوك الشمس: الزاوية التي تبدأ فيها الشمس بالميل عن الحالة التي هي عمودية فيها على الأرض، يعني بداية فريضة الظهر، إلى «غسق الليل»، إلى ما كان قبل فريضة المغرب!!
# أقول:
إذا تركنا الخلاف القائم بين المفسرين حول معنى «دلوك الشمس» فيستحيل أن نترك ما ليس عليه خلاف، وهو معنى «غسق الليل».
فهل من فقهاء اللسان العربي، ومن علماء الفلك، في العالم أجمع، من قال إن «غسق الليل» هو ما كان قبل غروب الشمس؟!
٣- لقد زارني المهندس «عدنان الرفاعي» في مكتبي لأخذ رأيي في كتابه «المعجزة الكبرى»، وأنه يريد تحويله إلى عمل فني يتم تصويره مع الممثل «محمد رياض» على ما أذكر.
ولقد بيّنت له حجم الإشكاليات التي ستواجه كتابه وخطورتها، وأنه بكتابه هذا يطعن في حفظ الله للمصاحف الأخرى التي بين أيدي المسلمين، لذلك عليه أن يجد لهذه الأزمة حلًا قبل تحويلها إلى أي عمل فني، أو نشرها عن طريق القنوات الفضائية.
وعندما دعاني الدكتور «إبراهيم كامل»، صاحب مشروع «شفرة القرآن» لحضور حفل الإعلان عن هذا المشروع، قلت له نفس الكلام الذي قلته للمهندس عدنان الرفاعي.
واستمر الاثنان في نشر نتائج حساباتهما العشوائية، وهم يعتبرون أن المصحف الذي بقراءة حفص عن عاصم هو الذي حفظه الله، وهذا معناه الطعن في باقي المصاحف، واعتبارها من التراث الديني الذي آتاه الباطل!!
رابعًا:
لقد أراد المهندس «عدنان الرفاعي» أن يحل إشكالية قيام نتائج حساباته على قراءة واحدة، فكتب رسالة بعنوان:
«وكانوا لا يستطيعون سمعا»
وذكر في رسالته أن السبب في اعتماده حسابات مصحف «حفص عن عاصم» أن يعطي فرصة لغيره لإظهار ما في القراءات الأخرى من معجزات!!
وطبعا غاب عن المهندس «عدنان الرفاعي» أن قوله هذا كقول الذين قالوا:
«إن اختلاف فقهاء المسلمين رحمة»
في الوقت الذي يُكفر فيه الفقهاء بعضهم بعضًا!!
فهل غاب عن «عدنان الرفاعي» أن النتائج المبهرة التي توصل إليها بحسابات مصحف «حفص»، سيأتي من ينقضها بحسابات مصحف «قالون»، أو بحسابات مصحف «ورش»، ويظل السؤال قائما:
أين هي «المعجزة الكبرى»؟!
١- هل يصح أن يكون من بين نتائج «المعجزة الكبرى» عودة عيسى عليه السلام آخر الزمان، استنادا إلى معجزة «العدد ١٩»، والقرآن ينفي ذلك تماما؟!
يقول «عدنان الرفاعي» في رسالة بعنوان:
«المسيح بين الصليب والعودة»:
«والحقيقة أن ما أذهب إليه في عودة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ناتج عن تدبري لكتاب الله تعالى، وعن امتلاكي للأدلة والبراهين الدامغة من كتاب الله تعالى»!!
ويقول في موضع آخر:
ولذلك نرى أن هذه العبارة التي سينطق بها في عودته، «يقصد المسيح»، هي وحدها مسألة كاملة، بمعنى أنها من المضاعفات التامة للعدد «١٩» دون زيادة أو نقصان!!
٢- والسؤال:
أين هي الأدلة والبراهين الدامغة من كتاب الله، على إيمان أئمة السلف بنزول عيسى آخر الزمان، استنادًا إلى «الروايات»، وليس إلى آية واحدة من كتاب الله؟!
إن مسألة عودة عيسى آخر الزمان تعد من أصول الإيمان، فهل يمكن أن تُستنبط أصول الإيمان بالمعادلات الرياضية، والتفسيرات الباطنية، والدلالات الظنية؟!
٣- وعلى سبيل المثال وليس الحصر:
أ- هل يصح أن يكون من بين نتائج «المعجزة الكبرى»:
أن الرجل إذا تزوج اثنين، واحدة مسلمة والأخرى من أهل الكتاب، فإن الأولى تسمى «زوجة»، والثانية تسمى «ملك يمين»؟!
ب- هل من الممكن حذف حرف الواو من كلمة «ويقول» في قوله تعالى في سورة المائدة «الآية ٥٥»:
«وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ»
# أقول: نعم ممكن، حسب قراءة «قالون»، فتدبر:
«يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ»
ج- وهل من الممكن حذف حرف الواو من كلمة «وتوكل» في قوله تعالى في سورة الشعراء «الآية ٢١٦»:
«وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ»
واستبداله بحرف الفاء؟!
# أقول: نعم ممكن حسب قراءة «قالون»، فتدبر:
«فَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ»
خامسًا:
إن الذين يتصورون أن الآية «المعجزة» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد موجودة داخل القرآن، هؤلاء قوم «يجهلون» أن القرآن لا يحمل غير «الكلمات» التي يستحيل فهم معناها إلا من خارج القرآن.
فهل هناك عاقل يقول:
إننا فهمنا معنى كلمة «شجرة» من داخل القرآن؟!
وهل هناك عاقل يقول:
إننا فهمنا معنى «الكلمة» دون أن نشاهد «مُسمّاها» الموجود خارجها؟!
وهل هناك عاقل يقول:
إن المسلمين تعلموا «اللغة العربية»، التي كان ينطق بها «لسان العرب» من قبل نزول القرآن، تعلّموها من داخل القرآن؟!
وعليه أقول:
إن الآية «المعجزة» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد موجودة في التفاعل القائم بين «كلمات القرآن» مع «مُسمّياتها» الموجودة خارج القرآن، أي مع «مقابلها الكوني» في الآفاق والأنفس.
وهناك مقال لي على هذه الصفحة بعنوان:
«القرآن آية إلهية رغم اختلاف مصاحفه»
يكشف عن حقيقة بدعة «الإعجاز العددي» في القرآن، وعن تهافت «المناهج العشوائية» التي تعاملت «رياضيًا» مع هذه البدعة.
محمد السعيد مشتهري
رابط المقال:
https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/posts/934190313329518:0