يظن كثير من المتابعين للصفحة أن بيني وبين «محمد شحرور» خصومة شخصية، أو كما يقولون «تار بايت»، أي ثأر قديم، والحقيقة غير ذلك تماماً.
فهل السبب هو:
– الجهل باللغة العربية والأساليب المجازية؟!
– عدم تدبر المنشورات بصورة جدية؟!
– التقليد الأعمى والدفاع عما يُرضي الأهواء ويُشبع الشهوات؟!
أولًا:
وللإجابة على هذه الأسئلة، أرى أنه من الضروري تذكير الأصدقاء ببعض النقاط الأساسية في مسيرتي الدينية، لعلاقة ذلك بموضوع الأسئلة.
١- إن السبب الرئيس وراء تحولي من «التدين الوراثي» إلى «الإيمان العلمي»، وتوجيه بوصلة حياتي «نحو إسلام الرسول»، والكفر بما يُسمى بـ «المصدر الثاني للتشريع» بوجه عام، هو:
أن الدراسة المنهجية النقدية التي قمت بها على مستوى أمهات كتب الفرق الإسلامية المختلفة، كانت معظم نتائجها سلبية.
٢- ولقد كان المحور الأساس لهذه الدراسة، التي كانت تحمل اسم «السنة والحديث كمصدر ثان للتشريع»، يدور حول إشكاليات «المرويات» التي حملتها أمهات «كتب الحديث» عند جميع الفرق الإسلامية، ثم نصحني البعض أن أحذف كلمة «السُنّة» لحساسيتها عند المسلمين، فجعلت العنوان «نحو تأصيل الخطاب الديني».
٣- ومع «أوائل الثمانينيات» بدأت في توزيع هذه الدراسة على نخبة من علماء الفرق الإسلامية تمهيدًا لعقد مؤتمر دولي لمناقشة موضوعاتها، وما حملته من براهين قرآنية تُثبت تهافت القول بـ:
أ – «عدالة الصحابة»
ب – «عصمة الأئمة»
ج – «علم الجرح والتعديل» الذي قام على توجهات المدارس العقدية والمذاهب الفقهية.
واقترحت أن يكون عنوان المؤتمر:
«السنة والتشريع بين أزمة التخاصم والتكفير»
وبعد عرض موضوع المؤتمر على الجهات الأمنية للموافقة عليه، رفضت عقده بدعوى أن مناقشة هذه المواضيع في مؤتمر عام يُحدث فتنة بين المسلمين، وبعدها صودرت الدراسة وسُجنت.
ثانيًا:
وبناء على ما سبق:
١- على أي أساس منطقي تقوم بيني وبين «محمد شحرور» خصومة شخصية، وقد كفرت بـ «المصدر الثاني للتشريع» لجميع الفرق الإسلامية، وتفرغت لتدبر القرآن ودراسة أحكامه، قبل «محمد شحرور» بـ «عقد من الزمن»؟!
لقد ترك «محمد مشتهري» ملعب «المصدر الثاني للتشريع» من قبل أن يعرف «محمد شحرور» ما هو وما هي إشكالياته!!
٢- لقد أقام «محمد شحرور» قراءاته القرآنية المعاصرة على إشكاليات جانب واحد فقط من جوانب «المصدر الثاني للتشريع»، ولفرقة واحدة فقط هي فرقة «أهل السنة والجماعة»!!
ولكن الأمر الأخطر علميًا ومنهجيًا، أن «محمد شحرور» أسقط معظم «أحكام القرآن»، وهو في طريقه لإسقاط حجية بعض إشكاليات تراث «فرقة أهل السنة» مع تمسكه بحجية البعض الآخر، لا لشيء إلا لمخالفة ما كان عليه أئمة السلف، وما عليه اليوم أئمة الخلف!!
٣- أما «محمد مشتهري» فكان الميزان عنده من أول يوم هو «ميزان القرآن»، سواء كان «الموزون» موافقًا لما عليه أئمة السلف والخلف أم مخالفًا لهم.
فإذا وافق تفعيل النص القرآني تفعيل السلف والخلف له، كهيئة الصلاة مثلا، لم يُلحد «محمد مشتهري» في أحكام القرآن لمخالفة تفعيل السلف والخلف لها.
٤- لقد تمسك «محمد مشتهري» بوجوب العمل بـ «ما يجب أن يكون» وفق ما أمر الله به في كتابه، ووفق الأدوات المستنبطة من داخل القرآن لفهم آياته، وقامت دعوته من أول يوم على وجوب تغيير «ما هو كائن» في حياة المسلمين إلى «ما يجب أن يكون».
أما «محمد شحرور» فقد قامت قراءاته القرآنية المعاصرة من أول يوم، على قواعد ومصطلحات «سابقة الإعداد»، لا علاقة لها مطلقا بـ «دين الإسلام» الذي أمر الله الناس جميعًا باتباعه.
فكيف يدخل «٩٩٪» من أهل الأرض الجنة إذا هم:
«آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا الصالحات»؟!
وعلى هذه الصفحة عشرات المنشورات تثبت بالبراهين القرآنية تهافت هذا الادعاء، ومنها هذا المنشور الأخير الذي نسف بآية واحدة «الآية ٤٦/ فصلت» كل ما قاله «شحرور» حول موضوع «العباد والعبيد».
والغريب أن يقول «محمد شحرور» أكثر من مرة إنه لا يحترم عواطف الناس، وإنما يحترم عقولهم وأفكارهم، فإذا به في واقع الأمر يتلاعب بعواطف الناس ويستغفل عقولهم، ولكن لماذا؟!
لأن «محمد شحرور» يعلم علم اليقين أن أتباعه يثقون في كل ما يقوله ثقة عمياء، باعتباره «عَلّامَة العصر»، خاصة بعد أن أصبحت قراءاته المعاصرة تلبي كل شهواتهم، وبعد أن أقنع هواهم بأن معايشهم الحالية توافق «٩٩٪» من أحكام القرآن!!
ثالثًا:
خلال مسيرتي الدينية، أي ما يقرب من أربعة عقود، لم تحدث بيني وبين أحد «خصومة شخصية» تتعلق بـ «الفكر الديني»، وذلك لأني أتعامل مع «الأفكار» ولا أ تعامل مع «الذوات» التي تحمل الأفكار والتي أكن لها كل الاحترام من منطلق منظومة الحياة الإنسانية.
وبناء عليه أقول:
١- أعلم أن استخدام «الأسلوب المجازي» في منشوراتي، وخاصة في العناوين، يُحدث لبسًا عند كثير من الأصدقاء، وقد يُساء فهمه، ولكن، ومعذرة لجميع الأصدقاء، فإن هذا الأسلوب يسري في دماء تديني حتى وقت أن كنت سلفيًا!!
ولنأخذ عنوان المنشور الأخير مثالًا:
لقد ظن البعض أنه يحمل إساءة إلى أتباع «محمد شحرور» وأني أصفهم بـ «العبيد»، والحقيقة غير ذلك تماما.
إن الفكرة التي كانت في ذهني، والتي أردت أن تكون عنوانًا للمنشور، هي:
كيف فهم «محمد شحرور» كلمة «العبيد» حسب ورودها في سياق الآيات المتعلقة بـ «الدنيا والآخرة».
وهنا تظهر أهمية «الأسلوب المجازي» في عرض هذه الفكرة بصورة مختصرة وموجزة «تجذب الانتباه إعلاميًا»، فقلت:
«عبيد محمد شحرور في الدنيا والآخرة»
وبرهان ذلك:
أن كل ما كتبته في المنشور يتعلق بفهم «محمد شحرور» الخاطئ لمادة «عبد» في السياق القرآني، وليس لبيان أن لـ «محمد شحرور» عبيدًا، وكنت أحكي قصته مع «عبيده»!!
٢- عندما أصف إنسانًا بـ «الجهل» فالمقصود «جهله» بالأصول والقواعد التي قام عليها توجّهي الديني «نحو إسلام الرسول» وفي مقدمتها أدوات فهم القرآن، وعلى رأسها «لغة القرآن العربية».
وهذا الوصف وصف حقيقي يشهد بصحته الموصوف نفسه، ولا علاقة له بشخصيته العلمية والمعرفية، فقد يكون حاصلًا على جوائز نوبل في العلوم، ولكنه يجهل «لغة القرآن العربية»، ومع جهله هذا أراه يُقحم نفسه في مسائل لغوية وسياقية، في الوقت الذي تشهد فيه تعليقاته بأنه لا يعلم الفرق بين الفاعل والمفعول!!
رابعًا:
إن الذي يريد أن يقف فعلًا على حقيقة هذه الظاهرة الشحرورية، عليه أن يكتب اسم «شحرور» على محرك البحث، ثم يقارن عدد الصفحات التي ستظهر له بعدد صفحات من يرى أن إلحاده في آيات القرآن لا يقل عن إلحاد «شحرور».
فإذا قام بدراسة علمية جادة للموضوعات التي حملتها هذه الصفحات، فإنه سيصل إلى هذه النتائج:
١- من حيث الموضوع:
لقد بُعث «محمد شحرور» ليبشر بدين إسلامي جديد قام على «المنهج الهرمنيوطيقي» الذي يعود قدمه إلى عام «١٦٥٤م»، ويعني وضع مجموعة من القواعد والمعايير والمصطلحات يستند إليها مفسر «النص الديني» ليخرج تفسيره وفق هواه.
وفعلًا هذا هو أول ما بدأ به «شحرور» مسيرته الفكرية الدينية.
٢- من حيث الشكل:
لقد أصبح «محمد شحرور» نجمًا إعلاميًا من غير منافس، ولكن على أي أساس قامت هذه النجومية؟!
على أساس إشباع رغبات وشهوات النفس، وتفعيل «المنهج الهرمنيوطيقي» الذي يجعل القارئ أو المستمع يشعر بأنه أمام «عَلَّامة العصر»، الذي أثبت بـ «النص القرآني» أن معظم أهل الأرض سيدخلون الجنة!!
٣- من حيث النقد:
لقد كُتبت عشرات الدراسات العلمية النقدية التي أثبتت بالبراهين القرآنية والعقلية والمنطقية تهافت كل ما حملته القراءات الشحرورية المعاصرة من فتاوى، خالفت «لغويًا وسياقيًا» الفهم الواعي للسياق القرآني.
والسؤال الذي سيفرض نفسه في هذا السياق:
هل يُعقل أن «يجهل» آلاف المتابعين والمعجبين بهذه «القراءات الشحرورية المعاصرة» البراهين التي جاء بها «محمد مشتهري» من داخل القرآن والتي أسقطت هذه القراءات الإلحادية المعاصرة من قواعدها؟!
والجواب:
سأتركه لأتباع ومحبي «محمد شحرور»، الذين يتابعون منشورات الصفحة، وهم كُثُر، ليأتوا لنا بالآيات القرآنية التي تسقط حجية الآيات التي حملتها هذه المنشورات.
والسؤال الثاني:
هل من حق أي إنسان أن يجتهد في فهم «أحكام القرآن»، أو أن يتبع «مجتهدًا» يثق في علمه، دون أن يكون هو نفسه على علم بأصول البحث العلمي ليتأكد من أن هذه الثقة في محلها؟!
إن «الاجتهاد» في فهم «أحكام القرآن» له شروطه، وفي مقدمتها أن يكون «المجتهد» على دراية بعلوم اللغة العربية التي نزل بها القرآن، قولًا واحدًا.
أما «الجهلاء»، وما أكثرهم على الفيس بوك، الذين يُذيّلون منشوراتهم بقولهم:
«رأيي صَوابٌ يَحتَمِلُ الخَطأ، ورأيُ غَيري خَطأ يَحتَمِلُ الصَّوابَ»
أقول لهم:
أي رأي هذا الذي يحتمل الصواب، وأي صواب هذا الذي يحتمل الخطأ، ومنشوراتكم تشهد بأنكم لا تعلمون أصلًا الفرق بين الفاعل والمفعول؟!
خامسًا:
أما بالنسبة لموضوع «الفيديو» المرفق، الذي بعنوان:
«أنا لا أحترم عواطف الناس ولكن أحترم عقولهم ولا أجامل»
يقول شحرور:
١- إن أي إنسان يقرأ أي نص يستخدم خلفيته المعرفية لفهم هذا النص، إلا المصحف فقد فهّمونا أنك لا تستطيع أن تفهمه لوحدك بدون الرجوع إلى كتاب تفسير.
# أقول:
إن هذه الفقرة السابقة من كلام «شحرور»، يتبع فيها «المنهج الهرمنيوطيقي»، الذي يستغفل به عقول أتباعه.
فأنا «محمد مشتهري» أتحدى أهل الأرض، أن يفهم أحد منهم كلمة واحدة من كلمات المصحف، دون أن يكون قد تعلم معناها «مُسمّاها» من خارج القرآن، وليس من داخله، وذلك في دروس اللغة العربية.
صحيح أن فهم أي شيء يقوم على ما يحمله الإنسان من معارف، وفهم القرآن يقوم على المعرفة الكاملة والتامة للغة التي نزل بها.
فهل تأكد «محمد شحرور» أن الذين يتبعونه على دراية كاملة وتامة بلغة القرآن، وعلى هذا الأساس يُصفقون له، ويعجبون بقراءاته القرآنية المعاصرة؟!
الإجابة على هذا السؤال فيما يلي:
٢- المحاور:
يَردّون عليك بقوله تعالى:
«فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»
فمن هم أهل الذكر يا دكتور؟!
* شحرور:
«بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ – وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ»
فأهل الذكر تنطبق على اليهود، وعلى النصارى، لأن الله يقول عن اليهود «الأعراف / ٦٣»:
«أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»
# أقول:
إن هذه الآية تتحدث عن قوم نوح ولا علاقة لها باليهود.
أما استشهاده بقوله تعالى:
«فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»
فقد وردت هذه الآية في موضعين:
في سورة الأنبياء «الآية ٧»، وفي سورة النحل «الآية ٤٣».
والسياق الذي حمل معنى «الذكر» هو سياق سورة الأنبياء، والذي يبدأ بقوله تعالى:
* «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ»
* «مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ»
إذن فـ «الذكر» هو «كلام الله» الذي أنزله على رسله ودوّنوه في الكتب، والذي يستحيل فهمه دون تفاعله مع «مقابلها الكوني» في هذا الوجود، فيذكره الإنسان ويتذكره في كل زمان ومكان على مر العصور.
ولذلك فإن المعنى هو: فاسألوا الذين حملت كتبهم «كلام الله».
إذن سنعود إلى نفس النقطة الخاصة بوجوب تعلم المسلمين اللغة التي نزل بها «كلام الله» القرآن العظيم.
* المحاور:
وهل الناس لديها هذا الوعي عن «الذكر» لتقرأ القرآن؟!
* شحرور:
أهل الذكر هم الذين اتبعوا القواعد التالية:
«الذكر»: هو الصيغة المنطوقة، والعلوم أثبتت أن الصيغة المنطوقة في اللغات لا يوجد ترادف، واللغة والرياضيات قائمان على «المنطق» فقط.
# أقول:
مثال آخر لـ «المنهج الهرمنيوطيقي»!!
فما الذي أقحم مسألة «الترادف» في سياق سؤال المحاور كيف يفهم الناس القرآن؟!
* لذلك قال له المحاور:
الناس لا تملك هذه الملكة من المعرفة والقدرة على البحث؟!
* شحرور:
التنزيل الحكيم طوّر اللغة العربية، ولغى الترادف، ولا يوجد فيه حرف زائد، وكل كلمة لها معنى!!
# أقول:
وهذا مثال ثالث لـ «المنهج الهرمنيوطيقي»!!
فإذا كان التنزيل الحكيم قد طوّر اللغة العربية، إذن فلماذا لم تدعو يا «شحرور» أتباعك إلى تعلم هذه «اللغة العربية المتطورة»، وجعلتهم كـ «الببغاوات» يردّدون ما تقول بغير علم؟!
لقد هرب «محمد شحرور» من الإجابة على أصل الموضوع، وهو قوله في بداية حديثه:
* إن أي إنسان يقرأ أي نص يستخدم خلفيته المعرفية لفهم هذا النص، إلا المصحف فقد فهّمونا إنك لا تستطيع أن تفهمه لوحدك بدون الرجوع إلى كتاب تفسير.
فكم عدد الذين يحملون الخلفية المعرفية المتعلقة بـ «لغة القرآن العربية»، من آلاف المعجبين بقراءات شحرور الإلحادية؟!
والجواب:
لو كانوا يعلمون «لغة القرآن العربية»، لظل «شحرور» مغمورًا لا يعرفه أحد.
محمد السعيد مشتهري