نحو إسلام الرسول

(1209) 28/12/2018 «عبيد شحرور» في «الدنيا والآخرة»

لقد انطلق «محمد شحرور» في قراءاته القرآنية المعاصرة من قاعدة «التراث الديني» لفرقة أهل السنة والجماعة، واتبع المنهج «الهرمنيوطيقي» الذي يتيح له فرصة انتقاء الآراء التي توافق هواه، وهوى المنظمات الإلحادية العالمية، التي تُسرع بترجمة مؤلفاته وتفتح له أبواب مراكزها لينشر قراءاته الإلحادية.

وعلى أساس هذا المنهج الانتقائي «الهرمنيوطيقي» أصبح «محمد شحرور» نجمًا يتبعه الآلاف الذين يجهلون لغة القرآن العربية وأساليبها البلاغية، الذين لا يعجبون إلا بما يوافق هواهم، الذين جعلوا من «جمال البنا» نجمًا لأنه أفتى بأن «التدخين» لا يُفسد الصيام!!

ويستحيل أن نجد إنسانًا يتبع هذا المنهج «الهرمنيوطيقي»، في فهمه لأي ديانة من الديانات، إلا وكان مصابًا بفيروس «الهوس الديني» الذي يجعله يبتدع بدعًا شاذة يُعجب بها أهل الهوى، وما أكثرهم، فيجعلون منه نجمًا فضائيًا!!

ولقد انطلق «محمد شحرور» في التفريق بين «العباد والعبيد»، من قاعدة «الهوس الديني» الذي أصابه بعد وقف على إشكاليات «التراث الديني» للفرقة التي ولد فيها.

هذا «التراث الديني» الذي هو في حقيقته «وحي شيطاني»، ما كان لمؤمن ولا مؤمنة أن يقتربوا منه مطلقا، باتباع أو بنقد أو بنقض، وكل الذين اقتربوا منه نراهم أصيبوا بفيروس «الهوس الديني» فكانوا من الغاوين «إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ»!!

فتعالوا نُبيّن الفرق بين:

١- «المنهجية العلمية» في التعامل مع القرآن، القائمة على قواعد راسخة لا تتغير ولا تتبدل وفق هوى البشر ومذاهبهم العقدية والفقهية، والتي تحمل أدوات لفهم آياته مستنبطة من ذات النص القرآني.

٢- «المنهجية الانتقائية» في التعامل مع القرآن، القائمة على قواعد التراث الديني لفرقة «أهل السنة والجماعة» التي ولد في أحضانها أصحاب القراءات المعاصرة والمستنيرة، الذين أصابهم الشيطان بـ «مس» جعلهم يُهلوسون ليل نهار بالبخاري ومسلم..، وبأبي حنيفة والشافعي!!

أولًا:

لقد قال «شحرور» إن «عَبَدَ» في اللسان العربي من أفعال «الأضداد»، وتعني «الطاعة» كما تعني «المعصية»، فالمطيع «عبد لله» بإرادته، والعاصي «عبد لله» بإرادته، ومن أجل ذلك خلقهم الله:

* «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»

وبناء على هذا التأسيس «الهرمنيوطيقي» فهم «شحرور» قوله تعالى:

«قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ»

بمعنى:

«قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الكَافِرِين»

ولقد قمت بالرد على هذه الشبهة في المنشور السابق.

ثم يأتي في هذا الجزء الثاني من حديثه ويقول:

# شحرور:

عندما نقول «عبد» و«عباد» فنحن نتكلم عن «أُناس» لهم حرية الاختيار تماما، بينما كلمة «عبيد» جمع «عبد مملوك»:

واستدل على إلحاده هذا بقوله تعالى «النحل / ٧٥»:

«ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ»

ثانيًا:

يستحيل أن يوافق طالب الابتدائية «شحرور» في قوله:

إن كلمة «عبيد» جمع «عبد مملوك»، لأن ما تعلمه في دروس اللغة العربية هو:

أن الكلمة إما أن تكون:

١- «مفرد»: وهو ما دل على واحد أو واحدة.

٢- «مثنى»: وهو ما دل على اثنين أو اثنتين.

٣- «جمع»: وهو ما دل على أكثر من اثنين أو اثنتين.

وهذا الأخير «الجمع» ينقسم إلى:

أ – جمع «مذكر سالم»:

وهو ما دل على أكثر من اثنين ويكون للعاقل.

ب – جمع «مؤنث سالم»:

وهو ما دل على أكثر من اثنتين ويكون للعاقل.

ج – جمع «تكسير»:

وهو ما دل على أكثر من اثنتين أو اثنتين ويكون للعاقل وغير العاقل، وتتغير معه صورة المفرد، فلا نضيف للمفرد ألف وتاء، ولا نضيف للكلمة واو ونون.

مثال:

– «منزل» مفرد، وجمع التكسير «منازل»

– «شارع» مفرد، وجمع التكسير «شوارع» … إلى آخره.

وكلمة «عبيد» جمع ومفردها «عبد»، وليس هذا المفرد جملة «عبدًا مملوكًا»!!

* ومن غير المعقول أن أقوم في كل منشور بتعليم «شحرور» والذين يتبعونه بـ «الآلاف» مبادئ اللغة العربية التي يعلمها طالب الابتدائي!!

ثالثًا:

١- إن كلمة «عبد»، في السياق القرآني، تعني الإنسان «الحر» والإنسان «المملوك»، والذي يُفرق بين الاثنين هو القرائن الدالة على كل منهما، كقوله تعالى «البقرة / ١٧٨»:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى …»

فالقرينة هنا هي مقابلة «الْحُرُّ» بـ «الْعَبْدِ».

٢- فإذا ذهبنا إلى قوله تعالى:

«ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً …»

نجد أن القرينة هنا هي الصفة التي ألحقت بـ «العبد» بأنه «مملوك»، ثم مقابلته بعدها بـ «الحر» في قوله تعالى:

«… وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَنًا … هَلْ يَسْتَوُونَ»

أي هل يستوي الإنسان الحر الذي رزقه الله «رِزْقاً حَسَنًا» فهو يتصرف فيه كيف يشاء، بـ «العبد المملوك» الذي لا يستطيع التصرف في أي شيء:

«عَبْداً مَّمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ»؟!

فليس لهذا «العبد المملوك» مال يتصرف فيه، وهؤلاء هم الذين عرفهم عصر التنزيل، وسمّاهم القرآن بـ «ملك اليمين»، سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا، فتدبر قوله تعالى «النور / ٣٢»:

«وَأَنكِحُوا الأيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»

٣- ووفق علم السياق فإن جملة «وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ» جاءت مخصصة لجملة «وَأَنكِحُوا الأيَامَى مِنكُمْ»، وذلك لبيان:

أن المقصود بـ «الأيَامَى» الحرائر من الرجال والنساء، يُقال رجل أيِّم وامرأة أيِّم، ويقابلهم ملك اليمين «مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ» أي من المملوكين والمملوكات، ويُشترط صلاحهم.

رابعًا:

أما «شحرور» فيرى أن كلمة «عِبَادِكُمْ» لا تعني «الرق»، لأن الله عندما تحدث عن «الرق» لم يذكر كلمة «عبيد» وإنما قال: «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ».

# المحاور:

إذن فكلمة «عبيد» لا تعني في القرآن الرقيق؟!

# شحرور:

«العبيد» مسلوب الإرادة، وجاءت في التنزيل الحكيم خمس مرات، وكلها تتعلق بـ «يوم الحساب»، فهل لنا في يوم الحساب حرية الاختيار؟!

# أقول:

١- يقول العلامة «محمد شحرور» إن الله لم يذكر كلمة «عبيد» وإنما قال «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ»، في الوقت الذي قال فيه إن العبيد «مسلوب الإرادة»، وهل «العبد المملوك» حر الإرادة؟!

إذن، وبشهادة «شحرور» نفسه، يصح القول بأن «العبد المملوك» يعتبر من «العبيد» الذين سُمّوا «تاريخيًا» بهذا الاسم لأنهم يفتقدون الإرادة وحرية الاختيار.

٢- والذي أوقع «شحرور» في هذا الخطأ العلمي اللغوي أنه لا يؤمن بوجود «مجاز» في القرآن.

ويبدو أنه لا يعلم أن «الرقبة» المطلوب تحريرها هي رقبة «العبد المملوك»، واستخدمت كلمة «الرقبة» لأن الإنسان لا يستطيع العيش بدونها، وهو استخدام «مجازي» عبّر فيه عن الكل «أي الجسم» بالجزء «وهو الرقبة».

٣- وفي إطار إلحاده في آيات القرآن، ومن منطلق إصابته بفيروس «الهوس الديني»، ولتشرب قلبه عقدة «العبيد» و«ملك اليمين»، قال العلامة «محمد شحرور»:

إن كلمة «العبيد» جاءت في التنزيل الحكيم خمس مرات، وكلها تتعلق بـ «يوم الحساب».

فتعالوا نُبيّن كيف أن فيروس «الهوس الديني» يستحيل أن يأخذ المصاب به إلى طريق الحق أبدًا.

خامسًا:

وكعادته، اتبع «شحرور» المنهج الهرمنيوطيقي وهو يتعامل مع القرائن الدالة على ما يخدم هواه، وذكر الآيات التي تصور أنها حجته في بيان الفرق بين «العباد» و«العبيد»، وبدأ بقوله تعالى «غافر / ٣١»:

«وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ»

ثم قال:

# إن هذا «الظلم» يتعلق بظلم «العباد» في الحياة الدنيا، أما في الآخرة فقد استخدم السياق كلمة «العبيد» في خمس آيات، وليس العباد.

ويبدو أنه لا يُحسن الحساب على أصابع يده، فعد أربع آيات وقال إنها خمس، فأين الخامسة يا «شحرور»؟!

فهذه هي الآيات التي ذكرها:

١- آل عمران / ١٨٢:

«ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ»

٢- الأنفال / ٥١

«ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ»

وقد استبدل كلمة «وَأَنَّ» بـ «وإِنَّ» بكسر الألف، فقال:

«وَإنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ»

٣- الحج / ١٠

«ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ»

٤- ق / ٢٦

«مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ»

ولم يذكر الآية الخامسة، وهي قول الله تعالى «فصلت / ٤٦»:

«مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ»

لماذا؟!

«أ» لأن هذه الآية تنسف كل ما قاله «شحرور» عن «العباد والعبيد» من جذوره، لأن الله ذكر كلمة «العبيد» في سياق الحديث عن أحوال الناس و«اختياراتهم» في الدنيا، وليس في الآخرة!!

«ب» لقد جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن إيتاء موسى، عليه السلام، الكتاب، فقال تعالى:

«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ» فصلت / ٤٥

وطبعًا إيتاء الكتاب لموسى كان في الدنيا، ولذلك عقب الله بعدها بقوله:

* «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ»

– وطبعا «عَمِلَ صَالِحًا» باختياره.

* «وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا»

– وطبعا «وَمَنْ أَسَاء» باختياره.

«ج» ثم تأتي بعدها القاصمة التي تُضاف إلى عشرات القواصم التي قصمت ظهر القراءات «الشحرورية» الإلحادية المنشورة على هذه الصفحة، وهذه القاصمة هي:

أن الله تعالى وصف الذين عملوا الصالحات بـ «اختيارهم»، وأساؤوا بـ «اختيارهم»، وصفهم بـ «العبيد»، فقال تعالى:

«وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ»

أي أن الله عادل مع «العبيد»، ومن عدله أن يعاقب المسيء منهم، ويثب المحسن منهم.

«فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»

«د» أما لماذا استخدمت كلمة «العبيد» في هذه السياقات، وليس «العباد»، فهذه مسألة لن تقدم ولن تأخر بعد أن نسف قول الله تعالى «فصلت / ٤٦» كل ما أجهد «شحرور» نفسه فيه لإثبات الفرق بين «العباد» و«العبيد».

ولكن يمكن أن أقول باختصار:

هناك ما يُعرف في علم السياق بـ «مراعاة الفواصل» حسب «الميزان الصرفي»، وهو موضوع يطول شرحه ويحتاج لفهمه أن يكون المتلقي على دراية بمبادئ «علم الصرف».

ولتقريب المسألة نأخذ على سبيل المثال قوله تعالى «ق / ٢٩»:

«مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ»

نجد أن كلمة «العبيد» جاءت مراعاة للفواصل «النهايات» التي سبقتها ولنقل بداية بـ «الآية ٢٦»:

* «فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ (الشَّدِيدِ)»

* «قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ (بَعِيدٍ)»

* «قَالَ لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم (بِالْوَعِيد)»

* «مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ (لِّلْعَبِيدِ)»

* «يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن (مَّزِيدٍ)»

فجاءت كلمة «العبيد» حسب الميزان الصرفي لـ:

«شديد – بعيد – وعيد – عبيد – مزيد»

وطبعا ليست كل الآيات الخمس، التي وردت فيها كلمة «العبيد» على نفس الميزان.

أما عن باقي كلام «شحرور» فلا يستحق الرد عليه أصلًا، ويكفيه نسف إلحاده في التفريق بين «العباد والعبيد» بالآية «فصلت / ٤٦»، التي استخدم معها المنهج «الهرمنيوطيقي».

ولكن على مين؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى