لم يصل المسلمون إلى منحدر التخلف الحضاري والفساد الديني إلا بسبب «المنهجية العشوائية» التي يُفكرون بها، والتي جعلتهم يُصرّون على «التفرق في الدين»، وعلى الشرك بالله «وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ»!!
لم يصل المسلمون إلى منحدر «الإفلاس العلمي» إلا بسبب اتباعهم للقراءات القرآنية الإلحادية المعاصرة التي غسلت قلوبهم بماء الجهل، المعطر بالهوس الديني.
وهم غرقى في نقد ونقض تراث الفرقة التي ولد فيها، لا يعرفون شيئا عن إشكاليات تراث الشيطان الديني غير البخاري ومسلم وأئمة المذاهب السنية «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»!!
أولًا:
إن جميع الرسالات الإلهية ينتهي مفعولها بانتهاء مفعول «الآية الإلهية»، أي بموت الرسول، والذين يتصورون أن الله تعالى يقبل إيمان أو إسلام أحد بدون إقراره بصدق الآية الإلهية الدالة على صدق «نبوة» الرسول المعاصر له، هؤلاء هم الجاهلون حقًا.
فما علاقة الملل والنحل الموجودة في العالم اليوم، التي يرثها الأبناء عن الآباء بغير علم، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود أو بوذيين ..، بـ «دين الإسلام» القائم على «الآية الإلهية» على مر الرسالات، سواء كانت حسية أو عقلية؟!
ما علاقة تراث المسلمين وتفرقهم في الدين إلى مذاهب عقدية متخاصمة يُكفر بعضها بعضًا، بـ «الآية القرآنية العقلية» التي بين أيديهم اليوم، والتي تعهد الله بحفظها إلى يوم الدين؟!
ثانيًا:
إن معظم شعوب العالم اليوم، تعلم ما هي الديانات التي يتدين بها الناس، وتعلم أن تدينهم «تدين وراثي» لا يقوم على البرهان التي تثبت صدق الرسول الذي حمل لهم هذا الدين.
ويعلمون أن رسول الله محمد هو النبي الخاتم.
فلماذا لم يسألوا عن «الآية»، أي المعجزة، التي كان يحملها الرسول وتثبت صدق نبوته؟!
إن الله تعالى لن يقبل من الغافلين المغفلين عذرهم، فلا يُعقل أن يَدّعي أي شخص أنه نبي أرسله الله إلى الناس، ثم يقبل الناس «المغفلون» منه نبوته ويتبعونه، دون أن يحمل معه «الآية الإلهية» الدالة على صدق ادعائه!!
ثالثًا:
لقد مات موسى ومات عيسى، عليهما السلام، وماتت معهما «الآيات الحسية» الدالة على صدق «نبوتهما»، والتي آمن به من آمن على أساسها.
ويأتي الإيمان بـ «التوراة والإنجيل» واتباعهما، بعد الإقرار بـ «الآيات الحسية» التي تثبت صدق «نبوة» موسى وعيسى.
والسؤال:
على أي أساس «منطقي» يؤمن «اليهود والنصارى» اليوم بـ «موسى وعيسى» وهم لم يشاهدوا «الآيات الحسية» الدالة على صدق «نبوتهما»؟!
إنه «الإيمان الوراثي» الذي وجدوا عليه آباءهم، تماما كالمسلمين:
* «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ – قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا – أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ»؟!
رابعًا:
لو أن شخصًا وُلد في «تشيلي» وكل ما يسمعه عن «الإسلام» هو ما يسمعه عن باقي الملل والنحل المختلفة.
فهل المطلوب منه أن يتعلم اللغات التي نزلت بها هذه الديانات، حتى يختار الدين الذي يتبعه؟!
الإجابة:
المطلوب منه أن يبحث عن «الملة» التي يحمل أتباعها «الآية الإلهية» الدالة على صدق «نبوة» رسولهم.
ولن يجد من بين الملل والنحل في عالم اليوم قوما يحملون «البرهان الإلهي» على صدق «الكتاب الإلهي» الذي في أيديهم، إلا أتباع النبي الخاتم رسول الله محمد.
خامسًا:
إن المشركين والكافرين في حياة رسول الله محمد، لم يكونوا غافلين مغفلين، ولذلك كان أول شيء سألوا عنه هو:
أين «الآيات الحسية» التي تثبت أنك «رسول الله» حقا؟!
وهنا ينزل القرآن بالقاصمة التي تقصم ظهر أي ملحد يتحدث عن القرآن بمعزل عما يحمله من «آية عقلية».
يقول الله تعالى: «العنكبوت / ٥٠-٥١»
* «وَقَالُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الأيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ»
* «أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
أليست هذه الآية وحدها برهانًا على جهل أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة، الذين يتعاملون مع القرآن ككتاب إلهي فقط مثل «التوراة والإنجيل»؟!
سادسًا:
لماذا لا يذهب أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة إلى شعوب العالم ويقولون لهم:
إذا كان الله قد أيد الرسل السابقين بـ «آيات حسية» تراها أعين الناس، فإن الله أيد النبي الخاتم بـ «آية قرآنية عقلية» تراها قلوب الناس يحملها هذا الكتاب الذي تشاهدونه بين أيدينا.
فإذا أردتم التعرف على هذه «الآية القرآنية العقلية» فنحن على استعداد أن نُبيّنها لكم.
وطبعا لن يفعل أصحاب القراءات المعاصرة ذلك، لأنهم أصلًا يعلمون شيئًا عن هذه «الآية القرآنية العقلية»!!
سابعًا:
أما الذين يصعب عليهم فهم أن تكون «الآية القرآنية العقلية» بـ «اللغة العربية»، ويعتبرون أن من غير المعقول أن نطلب من الناس تعلم «اللغة العربية» للدخول في «دين الإسلام».
أقول لهم تدبروا هذه الآيات «الشعراء ١٩٣-١٩٦» جيدًا:
* «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ»
* «عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ»
* «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ»
* «وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأوَّلِينَ»
* «أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ»
وسأتوقف عند هذه الآية الأخيرة:
١- إن الضمير يعود إلى القرآن الذي «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ».
٢- إن هذا القرآن «آية» نزلت نصوصها «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ».
٣- إن «عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ» درسوا هذا القرآن «العربي» وعلموا أنه يحمل
«الآية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد.
٤- أن هؤلاء العلماء أسلموا بقرينة جملة «أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً» أي جعلتهم أسملوا.
ثامنًا:
إن الذي يريد أن يدخل في «دين الإسلام» يجب أن يدخله من بابه الصحيح، باب الإقرار بصدق «الآية» القرآنية العقلية «العربية» التي يستحيل ترجمتها إلى أي لغة من لغات العالم.
إنك إن استطعت أن تترجم الحروف والكلمات، فلن تستطيع أن تترجم الرابطة اللغوية، والصياغة البلاغية، والعطاء البياني، للجملة القرآنية، في سياقها المحكم.
محمد السعيد مشتهري