يقولون:
كيف يأمر الله الناس بالإيمان برسوله محمد، وباتباع كتاب نزل باللغة العربية، وهم أصلًا لا يعلمون شيئًا عن هذه اللغة؟!
أقول:
تعالوا نستخدم المنطق، والمنهجية العلمية، واللغة العربية، وعلم السياق القرآني، كوحدة مترابطة متناغمة للرد على هذه الشبهة.
أولًا:
من هم «بنو آدم» الذين خاطبهم الله في كثير من الآيات، ومنها قوله تعالى «يس/٦٠-٦١»:
* «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ – وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ»؟!
إنهم الوجود البشري، منذ خلق الله آدم، عليه السلام، وإلى يوم الدين، ولكن المقصود «الناس جميعًا» منذ بعثة رسول الله محمد، لاستحالة أن يكون الخطاب للأموات.
وعليه يتوجه الخطاب بـ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» إلى الناس جميعًا المعاصرين لرسول الله محمد، بجميع مللهم ونحلهم، وإلى الذين جاؤوا من بعدهم إلى يوم الدين.
ومن القرائن الدالة على ذلك:
١- أول نداء في القرآن بـ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ»:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» البقرة / ٢١
ومن دلائل الوحدانية التي لا تحصى، يقول الله لـ «الناس جميعًا»:
* «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ» البقرة / ٢٢
الأمر الذي يقتضي:
* «فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ» البقرة / ٢٢
والذين في قلوبهم ريب من «عالمية نبوة» رسول الله محمد، ومن وجوب «اتباع كتابه»، من جميع الملل والنحل، يقول الله لهم:
* «وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» البقرة / ٢٣
لقد طلب الله من الذين في قلوبهم ريب من «عالمية القرآن»، أن يستعينوا بكل الجهود والإمكانات العلمية التي تساعدهم على الإتيان بمثل سور هذا القرآن، وإثبات عدم صحة ما قاله الله فيه:
* «فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ – وَلَن تَفْعَلُواْ»
فعلى الرغم من كل المحاولات التي درس أصحابها علوم اللغة العربية حتى أصبحوا من أهل اللسان العربي، «لم يَفْعَلُواْ» إلى يومنا هذا «وَلَن يَفْعَلُواْ»، وكان مصيرهم النار:
* «فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ»
لأنهم هم الكافرون:
* «أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ» البقرة / ٢٤
# «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ» بنبوة رسول الله محمد ولم يتبع القرآن، من الذين خاطبهم الله بـ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ»، وإلى يوم الدين.
ثانيًا:
ومن الآيات التي جاءت متناغمة مع الآيات السابقة، قوله تعالى في سورة الأعراف «الآية ١٥٨»:
* «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً»
والذي يقابله قوله تعالى «البقرة / ٢١»:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»
ثم قوله تعالى «الأعراف / ١٥٨»:
* «الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ»
والذي يقابله قوله تعالى «البقرة / ٢٢»:
* «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ – فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ»
ثم قوله تعالى «الأعراف / ١٥٨»:
* «فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ»
والذي يقابله قوله تعالى «البقرة / ٢٣»:
* «وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»
ثم قوله تعالى «الأعراف / ١٥٨»:
* «وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»
والذي يقابله قوله تعالى، «البقرة / ٢٤»:
* «فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ – وَلَن تَفْعَلُواْ»
وهذه الجملة تحمل ضمنيًا معنى «وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»، لأن عدم استطاعتهم الإتيان بمثل هذا القرآن يقتضي «منطقيًا» الإقرار بصدق «نبوة» رسول الله محمد واتباع كتابه، ولكن:
* «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً – فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ»
ولذلك كان مصير هؤلاء النار:
* «فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ – أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ» البقرة / ٢٤
# «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ» بنبوة رسول الله محمد ولم يتبع القرآن، من الذين خاطبهم الله بـ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ»، وإلى يوم الدين.
ثالثًا:
والذي يجهله الملحدون في أحكام القرآن، الذين تنكشف عوراتهم الدينية، ويظهر إفلاسهم العلمي، يوما بعد يوم.
أن رسول الله محمدًا سيقيم الشهادة على «الناس جميعًا» يوم القيامة، سواء الذين عاصروه، أو الذين جاؤوا من بعده، وإلى يوم الدين، ولكن كيف وهو لم يكن شاهدًا إلا على قومه؟!
والجواب:
لأن موضوع هذه الشهادة هو «الآية القرآنية العقلية» التي تعهد الله بحفظها، وحفظ نصوصها إلى يوم الدين.
يقول الله تعالى «الشورى / ٧»:
* «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا»
ثم تدبر ماذا قال تعالى بعدها:
* «وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ»
* «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ»
إن الذين ناداهم الله، في أول نداء في السياق القرآني، بقوله تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ»، هم الذين سيشهد عليهم رسول الله محمد يوم القيامة.
وذلك باعتبار أن وجود «الآية القرآنية العقلية» قائمة بينهم إلى يوم الدين، يعني وجود الرسول بينهم، يبلغهم القرآن وأحكامه إلى يوم الدين، وهذا معنى قوله تعالى:
* «وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ»
لقد جاء يوم الجمع، يوم الحساب الذي لَا رَيْبَ فِيهِ، وعلم الناس بجميع مللهم ونحلهم، من الذين يُسَاقون إلى الجنة، ومن الذين يُسَاقون إلى السعير:
* «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ»
«فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ» بنبوة رسول الله محمد ولم يتبع القرآن، من الذين خاطبهم الله بـ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ»، وإلى يوم الدين.
رابعًا:
مسألة منطقية:
مما لا شك فيه، أن غير العرب الذين لم يدرسوا اللغة العربية ولا يعلمون شيئًا عن علومها، لا يستطيعون دراسة القرآن للوقوف على صدق «الآية القرآنية العقلية» التي يحملها، ليؤمنوا برسول الله محمد ويتبعوه.
والسؤال:
هل بناء على هذه الشبهة المنطقية يستطيع الملحدون المسلمون أن يجهروا بوصف الله تعالى بـ «الظلم»؟!
والسبب:
أنه تعالى يطلب من «الناس جميعًا» تعلم اللغة العربية حتى يقفوا على صدق «الآية القرآنية العقلية» كخطوة أولى في طريق الإيمان برسول الله محمد واتباع كتابه؟!
والعقبة:
أن الوقوف على صدق «الآية القرآنية العقلية» يستحيل أن يتحقق عن طريق أي لغة غير اللغة العربية التي نزل بها القرآن، كما يستحيل أن يتحقق باجتهادات الناس الشخصية.
والمعضلة:
أن الذين لم يتعلموا اللغة العربية، الذين ناداهم الله بـ «يَا بَنِي آدَمَ»، وبـ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ».
لن يستطيعوا فعلًا أن يقفوا على صدق «نبوة» رسول الله محمد، ولا على صدق «الآية القرآنية العقلية» التي حملها كتابه القرآن العظيم.
وسيعيشون حياتهم كلها في ريب من ذلك، والله تعالى يقول لهم:
* «وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا»
* «فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ»
* «وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»
* «فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ»
* «وَلَن تَفْعَلُواْ»
* «فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ»
* «أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»
نعم: إنهم «كافرون»، سواء قبل «الملحدون» وصف الله لهم بذلك أم لم يقبلوه!!
ولأنهم «جُهّال» – «مفلسون» – «علميا»، لن نجد لهم على هذه الصفحة، وبصفة خاصة «الشحروريّين»، أي تعليق «علمي» للرد على أي منشور من عشرات المنشورات التي أسقطت قراءات شحرور الإلحادية للقرآن من قواعدها.
إن القضية «يَا أَيُّهَا النَّاسُ»، أقصد طبعا «الجُهّال» منهم، ليست في «الجمل القرآنية» التي تحمل رقم في نهايتها، بداية بسورة الفاتحة وحتى سورة الناس.
وإنما القضية يا أيها «الأذكياء» في الوقوف على صدق «الآية القرآنية العقلية» التي حملتها هذه «الجمل القرآنية»، ويستحيل الوقوف عليها إلا باللغة العربية، واللغة العربية فقط لا غير.
# «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ» بنبوة رسول الله محمد ولم يتبع القرآن، من الناس الذين خاطبهم الله بـ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ»، وإلى يوم الدين.
محمد السعيد مشتهري