* فعالية علم السياق في استنباط الأحكام – نموذج لمصير الذين كفروا بـ «نبوة» رسول الله محمد – الآيات «٦٤-١٠١» من سورة آل عمران:
١- «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» / ٦٤
إن النداء بـ «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ» يشمل كل من انتسبوا إلى كتاب إلهي، وكانوا يعيشون في عصر نزول القرآن، ونزلت الآيات تدعوهم إلى الدخول في «دين الإسلام»، وهم تحديدا «اليهود والنصارى».
لقد دعاهم الله إلى «كَلَمَةٍ سَوَاءٍ»، هي التي عليها المسلمون الذين دخلوا «دين الإسلام» من باب «الآية القرآنية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد.
وهذا معناه أنهم كافرون بهذه الكلمة، أي بـ «أصول الإيمان»، فإن أصرّوا على كفرهم فعلى المسلمين أن يقولوا لهم:
* «اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»
أي اشهدوا أننا آمنا بأصول الإيمان، وأسلمنا وجوهنا لله، واتبعنا الرسول.
٢- «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ – لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ – وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ – أَفَلاَ تَعْقِلُونَ» / ٦٥
٣- «هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ – فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ – وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» / ٦٦
٤- «مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً – وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً – وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» / ٦٧
# نلاحظ:
«أَفَلاَ تَعْقِلُونَ» – «لاَ تَعْلَمُونَ» – ثم وصفهم بمخالفة ملة إبراهيم، وبأنهم «مشركون»، فكيف يدخلون الجنة، وكيف يبيح الله الزواج من نسائهن؟!
٥- «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ – لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ – وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ – وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ» / ٦٨
٦- «وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ – لَوْ يُضِلُّونَكُمْ – وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ – وَمَا يَشْعُرُونَ» / ٦٩
إنها شهادة من الله أن أهل الكتاب لم يتبعوا إبراهيم، عليه السلام، ولذلك حذر الله المؤمنين من أهل الكتاب الذين سيعملون على إضلالهم، إذن فعلى أي أساس شرعي يدخلهم الله الجنة؟!
٧- «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ – لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ – وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ» / ٧٠
٨- «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ – لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ – وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ» / ٧١
والسؤال:
ما هي «آيات الله» التي كفر بها أهل الكتاب، الذين شهدوا فعاليات تنزيلها، والذين يعلمون أن «نبوة» الرسول حق، إذا لم تكن هي آيات القرآن؟!
٩- «وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ – آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ – وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ – لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» / ٧٢
١٠- «وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ – قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ – أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ – أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ – قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ – وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» / ٧٣
١١- «يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ – وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» / ٧٤
ويكشف الله عن نفاق طائفة من أهل الكتاب، وأنهم لا يثقون إلا في المنافق مثلهم، ثم تأتي جملة معترضة أثناء حوارهم تخاطب الرسول.
ثم يستكمل الله حوارهم واعتزازهم بيهوديتهم، وإنكارهم أن تكون النبوة في غير بني إسرائيل، وأن من يقول بغير هذا لا حجة له عند الله.
ويستمر سياق الآيات مبينًا لماذا كان الناس يكفرون بـ «نبوة» رسول الله محمد، ويفترون على الله الكذب:
١٢- «… وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ – وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ – وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» / ٧٨
ثم يقيم الله الحجة على الناس جميعًا بجميع مللهم ونحلهم، ويُبيّن لهم ماذا حمل «ميثاق النبيّين»:
١٣- «وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ – لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ – ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ – لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ – قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي – قَالُواْ أَقْرَرْنَا – قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ» / ٨١
١٤- «فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ – فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» / ٨٢
فهل يُدخل الله «الْفَاسِقين» الجنة؟!
لقد اقتضت بعثة رسول الله محمد إيمان الناس جميعا به واتباع رسالته، فتدبر «الآية ١٥٨» من سورة الأعراف:
* «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ – إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً…»
ولذلك قال تعالى بعد «الآية ٨٢» من آل عمران:
* «أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ – وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً – وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ» / ٨٣
إن «دين الله» هو «دين الإسلام» الذي جاء به رسول الله محمد، وأخذ الله ميثاق النبيّين على أساسه، وإلا فما معنى:
* «ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ – لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ»؟!
وهو «دين الإسلام» الذي لن يقبل الله غيره، فقال تعالى:
١٥- «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً – فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ – وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ» / ٨٥
ثم يأتي الحكم النهائي على كل من لم يؤمن برسول الله محمد ولم يتبع رسالته:
١٦- «كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً – كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ – وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ – وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ – وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» / ٨٦
١٧- «أُوْلَـئِكَ – جَزَآؤُهُمْ – أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ – وَالْمَلآئِكَةِ – وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» / ٨٧
١٨- «خَالِدِينَ فِيهَا – لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ – وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ» / ٨٨
١٩- «إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ – فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ» / ٨٩
إن «أهل الكتاب» كافرون، فهل نابوا وآمنوا برسول الله محمد، واتبعوا رسالته؟!
* وهنا يجب أن أقول:
إن الحكم بالكفر أو الشرك أو النفاق على أتباع أي ملة لا يعني قتلهم، بل يحرم مسّهم بأي أذى، إلا الذين اعتدوا منهم فقتالهم بسبب عدوانهم وليس بسبب ملتهم.
ثم يستمر سياق الآيات، ويخاطب الله أهل الكتاب بقوله تعالى:
٢٠- «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ – لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ – وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ» / ٩٨
٢١- «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ – لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً – وَأَنتُمْ شُهَدَاء – وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» / ٩٩
٢٢- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ – إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ – يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ» / ١٠٠
٢٣- «وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ – وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ – وَفِيكُمْ رَسُولُهُ – وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ – فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» / ١٠١
لقد أطاع المسلمون المنافقون «فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ»، وكفروا بآيات الله، يوم خرج عليهم «جاهل» بأحكام القرآن، يقول لهم إن «اليهود والنصارى» سيدخلون الجنة!!
لماذا يا أيها «الجاهل» المريض بفيروس «الهوس الديني»؟!
يقول: لأنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون الصالحات، والله يقول:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ»!!
وقد بينت في المنشور السابق أن من يستند إلى جملة «وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» وحدها، دون استعراض جميع الآيات التي وردت فيها، فهو أجهل من الجهل نفسه!!
إن «الشحروريّين» ليسوا «جهلاء» فقط، وإنما مرضى بنفس بفيروس «الهوس الديني» المصاب به شيخهم!!
لقد أكل هذا الفيروس قلوب الكثير من الرجال والنساء والشباب «الجُهّال»، الذين لا يملكون الحد الأدنى من آليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر.
* ندعو لهم جميعا بالشفاء العاجل.
محمد السعيد مشتهري