توضيح وبيان:
أولًا:
ما هو الشيء الذي نبذ علماء أهل الكتاب القرآن من أجله:
* «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ»؟!
لا شك أنه شيءٌ مُحرّمٌ يكفر من يفعله، بدليل نبذ علماء أهل الكتاب القرآن واتباعهم هذا الشيء الذي نفى الله أن يكون نبيه سليمان له علاقة به مطلقا، فقال تعالى:
* «وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا»
إذن سليمان عليه السلام لم يفعل هذا «الكفر»، وإنما الذي فعله هم الشياطين، ولكن ما هو هذا الشيء الذي أوقعهم في «الكفر»؟!
* «يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ»
ثانيًا:
ثم تعالوا نتدبر ماذا قال الله بعدها:
* «وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ»
يفهم البعض أن عطف هذه الجملة على ما قبلها بـ «واو العطف»، ثم بـ «ما النافية»، يعني نفي تعلم الْمَلَكَيْنِ السحر، وهو فهم غير صحيح لما يلي:
١- لقوله تعالى بعدها:
* «وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ»
إذن فـ «العملية التعليمية»، بصرف النظر عن موضوعها، تتعلق بـ «الْمَلَكَيْنِ» فكيف ننفيها؟!
٢- إن هذه «العملية التعليمية» يستحيل أن يكون لها علاقة بتعليم السحر الذي يقوم به الشياطين، وإلا لجاء العطف بهذه الصيغة:
«يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ (والذي) أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ»
أي يعلمون الناس «السحر» الذي تعوّدوا عليه، وكذلك «السحر الجديد» الذي أُنزل على الْمَلَكَيْنِ.
ثالثًا:
إن مجيء «وَمَا أُنزِلَ» بصيغة المبني للمجهول، في سياق هذه «العملية التعليمية»، يُبيّن أن المُنزّل على الْمَلَكَيْنِ شيءٌ غير الذي كان يتعلمه الناس من الشياطين، وذلك بقرينة:
١- يستحيل أن تقوم الشياطين بتحذير الناس من «فتنة» تَعَلّم السحر الذي يفعلونه معهم، ومن الأضرار الناتجة عن ذلك.
٢- ولكن الْمَلَكَيْنِ قاما بتحذير الناس من «فتنة» تَعَلّم السحر:
* «وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ»
٣- ويستحيل أن يُنزّل الله على الْمَلَكَيْنِ نفس «السحر» الذي يقوم به الشياطين، فيُعلّمان الناس ما يضرهم ولا ينفعهم، لأن هذا يسقط حجية الآيات التي ذكرتها في المنشورات السابقة.
رابعًا:
إذن فكيف نفهم قول الله تعالى بعدها:
* «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ»؟!
نفهم ذلك إذا عرفنا الحكمة من ورود «الفتنة» في هذا السياق:
«إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ»
حيث تأتي «الفتنة» للاختبار، فتدبر:
* «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ»
* «وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ»
و«الفتنة» هنا أن «أعمال السحر» كانت هي الشغل الشاغل لأهل «بابل»، فأرسل الله الْمَلَكَيْنِ إليهم، كما أرسل «لوطًا» إلى قومه عندما أصبح الشذوذ الجنسي بين الرجال هو شغلهم الشاغل!!
ولكن إرسال الْمَلَكَيْنِ كان بهدف تعليم الناس كيف يتقون شر أعمال السحر التي تقوم بها الشياطين، وقد بينت ذلك في المنشور السابق.
خامسا:
١- يقول الله تعالي:
* «وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ»
أي أن الشياطين كانت تعلم الناس السحر.
٢- ويقول الله تعالى:
* «وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ»
فإذا اعتبرنا أن الْمَلَكَيْنِ من البشر، وكانت الشياطين تعلمهما السحر.
– كان مصدر تعليم السحر واحدًا هو الشياطين.
– والشياطين تعلم الناس السحر.
– والمَلَكَان من الناس.
# يصبح هذا ليس قرآنًا أحكمت آياته!!
إن ما ذكرته في هذا المنشور والمنشورات السابقة يتعلق بالناحية «العلمية التأصيلية» لمفهوم «إبليس – الشيطان – الجن» في السياق القرآني.
أما «ما هو كائن» بين الناس اليوم، ويشاهدونه من «أعمال السحر» في البرامج التلفزيونية، وفي المناسبات والاحتفالات، أو في بيوتهم وبيوت أصدقائهم..، وعلاقة ذلك بالناحية «العلمية التأصيلية» السابق بيانها، فهذا موضوع المنشور القادم.
محمد السعيد مشتهري