نحو إسلام الرسول

(1180) 6/9/2018 «وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا»

مع بداية هذا العام، كتبت ثمانية منشورات بعنوان «لن يدخل الجنة من يجهل لغة القرآن العربية»، وكما يعلم المتابعون لمشورات الصفحة، أن معظم عناوين المنشورات تأتي بأسلوب مجازي.

ووفق «المنهجية العلمية» التي قام عليها مشروعي الفكري وما تحمله من أدوات فهم القرآن، وفي مقدمتها:

١- منظومة التواصل المعرفي

٢- اللغة العربية

٣- علم السياق

تعالوا نعيش في عصر التنزيل والآيات تتنزل على رسول الله، ونفهم معناها باعتبارنا من قوم النبي العرب، أهل اللسان العربي، ونخص بالفهم «الآية ١٠٢» من سورة البقرة.

أولًا:

إن المتدبر لقصة نبي الله سليمان في القرآن، واضعًا في الاعتبار لقد أيد الله تعالى رسله بآيات «معجزات» حسية من جنس ما برع فيه القوم.

والمطلع على عصر رسول الله سليمان، وقصته في القرآن، يعلم أن قومه كانوا على دراية بتسخيّر الجن الكافر، وكما بيّن الله في كتابه أن الجن ينقسمون إلى كافر ومسلم، فيقول تعالى:

* «وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً»

* «وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً»

١- ولقد أيد الله سليمان بـ «الجن المسلم»، ليصحح مفاهيم الناس عن مسألة تسخير الجن، ويبطل أعمال الشر التي كان يقوم بها «الجن الكافر»:

* «… وَمِنْ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ»

* «يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ»

٢- ولكن الناس اعتادوا تحريف الرسالات الإلهية بعد وفاة الرسل، ونشر القصص والخرافات لإبطال حجية «الآيات الحسية» التي أيد الله بها الرسل.

لقد خرجت طائفة من بني إسرائيل تقول إن سليمان لم يكن نبيًا، وإنما كان ساحرًا بارعًا في السحر، ففعل ما لم يستطع القوم فعله!!

ولقد فُتِنَت هذه الطائفة، وتركت تعاليم التوراة، وذهبت تعمل بالسحر.

ثانيًا:

إن المتدبر للسياق الذي وردت فيه «الآية ١٠٢»:

* «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا..»

أي ما قبل هذه الآية وما بعدها، يعلم لماذا بدأت الآية بـ:

١- «واو العطف» في «وَاتَّبَعُوا»؟!

* لبيان أن هذه الآية لا تُفهم إلا بتدبر الآيات التي قبلها.

٢- ومن هم الذين «اتَّبَعُوا»؟!

* هم علماء اليهود الذين شهدوا عصر التنزيل.

٣- وما الشيء الذي تركوه «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ»؟!

* تركوا «الآية العقلية القرآنية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، واتبعوا تراثهم الديني وما حمله من روايات وخرافات.

كما ترك المسلمون «الآية العقلية القرآنية» وانشغلوا بتراثهم الديني وما حمله من مصادر تشريعية ما أنزل الله بها من سلطان.

فتعالوا إلى الآيات «٩٩-١٠١»:

* «وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ»

* «أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ»

* «وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ»

إذن فالحديث عن «آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ»، أي عن نصوص «الآية العقلية القرآنية»، التي كان يجب على هذا الفريق أن يؤمن بها لأن «التوراة» بشرت بمجيء هذا الرسول.

فلماذا أعطوا ظهورهم لكتاب الله الخاتم الذي أنزله الله على رسوله محمد، كأنهم لا يعلمون ما في «التوراة» من تصديق لبعثته؟!

ثالثًا:

ولقد أصر علماء اليهود «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» على الكفر بكتاب الله الخاتم وبرسول الله محمد، والسبب أنهم ورثوا عن آبائهم عقائد فاسدة، وسحر وشعوذة، نقلتها الروايات ودُوّنت في الكتب.

* «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ»

وهنا تُبيّن الآية ما سبق ذكره، من اتهام طائفة من بني إسرائيل سليمان عليه السلام بأنه لم يكن «نبيًا»، وإنما كان يُسخر «شياطين الجن»، التي كانت تقوم بعمل ما عجز القوم عن عمله.

فجاء الرد بأسلوب بليغ حكيم، يلخص قضية تسخير «شياطين الجن» في «السحر»، ويُبيّن حُكمها بدلالة قطعية:

«وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا»

لماذا؟!

«يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ..»

١- إذن فالحديث الآن عن فترة ما بعد وفاة سليمان، عليه السلام، عندما كثرت الإشاعات والروايات تتهمه بأنه كان يُسخر «شياطين الجن»، فاتسعت دائرة تعليم السحر اقتداءً بسليمان!!

٢- ثم عندما تأتي الجملة التالية في سياق التعليم:

«… وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ»

نعلم أن الله تعالى أنزل «مَلَكَيْنِ» هما «هَارُوتَ وَمَارُوتَ» على أرض «بابل»، لتعليم الناس أصول السحر التي يُبطلون بها أعمال السحر التي شاعت وانتشرت بين الناس.

٣- وعندما يرسل الله الملائكة لتعليم الناس يرسلهم في صورة بشرية، لقوله تعالى في موضع آخر:

* «وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ»

رابعًا:

ولأن «الْمَلَكَيْنِ» يَعلمان طبيعة النفس البشرية، خاصة هؤلاء الذين ورثوا «أعمال السحر» جيلا بعد جيل، قالا للناس:

* «وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ»

أي إياكم أن تستخدموا هذا العلم في الإضرار بالناس فتقعوا في الكفر.

١- ولكن الناس وقعت في «الفتنة» وفي «الكفر»، فخلطوا ما تعلموه من «المَلَكَيْنِ» مع ما ورثوه، المشار إليه في «يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ..»

واستخدموا الخليط في الإضرار بالناس:

* «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ»

طبعا لا يُفهم من الآية أن «المَلَكَيْنِ» قاما بتعليم الناس كيف يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، لاستحالة ذلك «عقديا»، وإنما هذا أسلوب بلاغي يُقصد به بيان فساد قلوب المُتَعَلِّمين عندما يستخدمون «العلم» سلاحًا للإفساد في الأرض.

وهكذا يفعل «شياطين الإنس»، الذين يستخدمون «العلم» و«التقنيات الحديثة»، و«الْذَرّة»، و«الكيماويات»..، في الإفساد في الأرض.

٢- إن كل شيء يحدث في هذا الوجود يحدث وفق «مشيئة الله»، أي وفق «السنن» التي قام عليها هذا الوجود منذ خلقه الله، ولكل مخلوق سُننه، وأسبابها ومسبباتها.

فالإنسان الذي اختار طريق الهدى يصل إلى الهدى بإرادته واختياره، ووفق مشيئة الله وإذنه، أي وفق سنن الهداية.

والإنسان الذي اختار طريق الضلال يصل إلى الضلال بإرادته واختياره، ووفق مشيئة الله وإذنه، أي وفق سنن الضلال.

و«شياطين الجن» التي تعمل وفق سنن الضرر، تُحدث الضرر بإرادتها، ووفق مشيئة الله وإذنه، ولذلك قال تعالى:

* «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ»

خامسًا:

ثم تعالوا نتدبر ماذا قال الله بعدها إلى آخر السياق:

* «وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ»

وهذا برهان قطعي الدلالة، يأتي في سياق إثبات الضر ونفي النفع، ليفيد «الحصر»، أي أن التعامل مع كل ما له علاقة بـ «شياطين الجن»، بأي صورة من الصور، لا نفع فيه مطلقا.

* «وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ»

إن قلوب السحرة تؤمن بضلال أصحابها، وأنه لا خلاق لمشتري السحر، وأن مصيرهم جهنم، فقد باعوا الإيمان واشتروا الكفر:

* «وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»

* «وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»

إن «إيمان» أهل الملل جميعًا لن يدخلهم الجنة بمعزل عن «التقوى»، لذلك يستحيل أن يهتدي بكتاب الله الخاتم غير المتقين «لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»:

* «ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ»

فأين هم؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى