نحو إسلام الرسول

(1172) 19/8/2018 لماذا لا يُعظّمون «الكعبة» «البيت الحرام» التي في «مكة»؟!

إذا سألت أي مسلم يعيش على هذه الأرض، أين توجد «مكة» التي بها منطقة «بكة»، التي اختارها الله لتُقام عليها «الكعبة – البيت الحرام»، يستحيل أن يأتي بموقعها الجغرافي من داخل القرآن!!

إذن فكيف عرف المسلمون، بجميع توجهاتهم السلفية والقرآنية والتنويرية والمعاصرة، كيفية أداء ما حمله القرآن من أحكام الحج؟!

عرفوا ذلك من خلال «منظومة التواصل المعرفي» التي للأسف ينكر حجيتها «الجُهّال»!!

وتنقسم هذه المنظومة إلى «معارف عالمية»، يعلمها الناس جميعًا، و«معارف أممية» تخص كل أمة من الناس.

ومن «المعارف الأممية» التي حملتها «منظومة التواصل المعرفي» نقلا عن إبراهيم، عليه السلام، فريضة الحج إلى البيت الحرام، وقد أمر الله رسوله محمدًا وأمته بأدائها «مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً».

وسأرمز إلى «منظومة التواصل المعرفي» بـ «م.ت.م» اختصارًا، ولا ننسى أن محورها الأساس هو التواصل المعرفي العملي بين «الناس» وليس من خلال الكتب، ولا من ما يُسمى بـ «التواتر العلمي» المذهبي.

أولًا:

# زمن الحج:

إن الذي يريد أن يؤدي فريضة «الحج»، حسب بيان الله في القرآن، يستحيل أن يؤديها استنادا إلى القرآن بمعزل عن «م.ت.م».

فكيف يعرف وقت الحج، والله تعالى يقول:

* «يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ»

إذن فـ «الأهلة» هي التي تحدد مواقيت الشهور القمرية التي أشار الله إليها في قوله تعالى:

* «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ»

فهل بيّن الله في القرآن أسماء هذه الشهور، وأسماء «الأَرْبَعَةٌ الحُرُمٌ»، وأسماء «أشهر الحج»، وقد وصفها الله بـ «الدِّينُ الْقَيِّمُ»؟!

أم أن الله تعالى أحال الناس إلى «م.ت.م» لمعرفة تفاصيل ذلك؟!

نعم، لقد أحال الله الناس إلى معرفة المساحة الزمنية التي تؤدى خلالها شعائر الحج، منذ عصر التنزيل وإلى اليوم، وأنها موجودة في شهر «ذي الحجة»، في أيام «معلومات معدودات»، من الثامن إلى الحادي عشر من الشهر.

والسؤال:

إذا كانت شعائر الحج تؤدى في «أيام معلومات معدودات»، إذن فلماذا قال تعالى «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ»؟!

سيأتي الجواب بعد قليل.

ثانيًا:

# مكان الحج، يقول الله تعالى:

* «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»؟!

ولم يذكر القرآن مكان البلد الذي يقع فيه هذا البيت، ومع ذلك نرى الحجيج منذ عصر التنزيل وإلى اليوم، يذهبون إلى هذا البيت ويؤدون شعائر الحج، فمن أين عرفوا ذلك؟!

لقد نقلت «م.ت.م» للمسلمين كل مناسك وشعائر الحج كما أدّاها المسلمون في عصر التنزيل، فنقلت لهم مكان البيت، ومكان «الصفا والمروة»:

* «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا»

ومكان «عرفات» و«المشعر الحرام»:

* «فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ»

ثالثًا:

# الإحرام بالحج:

إن «الإحرام» هو الركن الأول من أركان الحج، وهو نية وعزم على أداء الفريضة، يلبس بعدها الحاج لباس الإحرام، ويصبح «حاجًا»، وعليه الالتزام بمحظورات الإحرام.

يقول الله تعالى:

* «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ – فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ – فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ»

فقوله تعالى «فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ» أي من نوى وعزم على أداء فريضة الحج، خلال أشهر الحج المعلومات «شوال – ذو القعدة – ذو الحجة»، ولبس لباس الإحرام، سواء في بيته أو في أي مكان آخر.

فقد أصبح من هذه اللحظة «حاجًا» يؤدي فريضة الحج، وعليه الالتزام بمحظورات الإحرام:

* «فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ»

ومن محظورات الإحرام:

* «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً»

ومن المسلمين في عصر التنزيل، من كانوا يُفضلون «الإحرام» من بيوتهم، وكانت رحلاتهم تستغرق زمنًا طويلًا:

* «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ»

فإذا أحرموا من بيوتهم فقد بدؤوا أداء فريضة الحج، وقيّدوا أنفسهم بمحظورات «الإحرام»، كلٌ حسب قرب أو بعد «مكة» عن بلده، وهذا معنى مجيء:

* «فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ»

بعد قوله تعالى:

«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ»

رابعًا:

الإحصار في الحج:

لم ينزل قوله تعالى «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ» لتشريع وقت الحج، لأن هذا الوقت كان معلومًا منذ عصر إبراهيم عليه السلام.

وإنما نزلت الآية للرد على أصحاب «بدعة النسيء» الذين أرادوا تحريك أشهر الحج حسب أهوائهم!!

ولذلك قال تعالى في سورة التوبة، بعد بيان عدة الشهور، وبعد قوله عن الأشهر الحرم «فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ»:

* «إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ – يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا – يُحِلُّونَهُ عَاماً، وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً – لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ»

ثم قال تعالى بعد بيان بعض أحكام القتال:

«الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ»

وبعدها:

* «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ»

* «وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ»

إذن فلو كانت شعائر الحج يمكن أن تؤدى في أي وقت خلال أشهر الحج، ما كان لتقديم الهدي نتيجة هذا «الإحصار» معنى، ولا لقوله تعالى بعدها:

* «وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ»

فعندهم أشهر يستطيعون خلالها أداء شعائر الحج في أي وقت منها!!

وما كان لقوله تعالى بعدها أي معني:

* «فَإِذَا أَمِنتُمْ – فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ – فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ»

كيف وهذه الآية خير برهان على تهافت أصحاب بدعة «الحج في أي وقت»، لأنها تبيّن بما لا يدع مجالا للشك أن هناك وقتًا ثابتًا محددًا لأداء شعائر الحج، بقرينة قوله تعالى «إِلَى الْحَجِّ».

فإذا زال الإحصار ووصل الحاج إلى مكة قبل وقت الحج، وأراد يؤدي عمرة ثم يتحلل من إحرامه انتظارًا لوقت الحج، فعليه هدي:

* «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ»

والسؤال المنطقي:

إذا كانت شعائر الحج يمكن أن تؤدى في أي وقت من أشهر الحج، إذن فلماذا لا يذهب الحاج مباشرة إلى عرفات بعد أداء عمرته ولا ينتظر «إِلَى الْحَجِّ»؟!

هذه بعض محاور موضوع «أحكام الحج»، الذي تم نشره أكثر من مرة، أردت بها الرد على الذين لا يملكون كل عام إلا إذاعة «الأسطوانة المشروخة» التي يستخفون بها عقول من لا يعلمون!!

عقول من لا يعلمون أن فريضة الحج يستحيل أن تؤدى استنادًا إلى النص القرآني وحده، بمعزل عن «منظومة التواصل المعرفي».

محمد السعيد مشتهريِ

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى