ماذا تفعل إذا استيقظت من نومك، فوجدت نفسك في الآخرة وقرأت كتابك، فإذا به يشهد أنك كسبت الدنيا وزينتها وخسرت قلبك؟!
لقد خلق الله «القلب المادي» من أجل حياة الدنيا، فإذا خسره الإنسان خسر الدنيا.
وخلق الله «القلب المعنوي» من أجل حياة الآخرة، فإذا خسره الإنسان خسر الآخرة.
فماذا لو خسر الإنسان القلبين؟!
أولًا:
إن «القلب السليم»:
١- هو القلب الذي آمن وصدّق بأصول الإيمان الخمسة، وبناء عليها أسلم وجه لله تعالى، واستسلم لأحكام شريعته:
* «فَلا وَرَبِّكَ – لا يُؤْمِنُونَ – حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ – ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ – وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»
٢- هو القلب الذي أخلص دينه لله تعالى.
* «…إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا – وَأَصْلَحُوا – وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ – وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ – فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ»
* «…وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ – وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ…»
ولا يُفتن هذا القلب إذا استجاب الله لدعائه.
* «… دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ . فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ…»
٣- هو القلب الذي يجعل الدنيا في خدمة الآخرة، فيكسب الدارين.
* «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ – فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ – وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ – خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ – ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ»
إنه طريق طويل، وجهاد كبير، أن يكسب الإنسان الدارين: الدنيا والآخرة، طريق العمل والتمسك بأحكام القرآن، ومحاسبة النفس عن سنوات مضت لم تكن في سبيل الله!!
فهل ستجعل ما تبقى من عمرك كالذي مضى؟!
٤- هو القلب الذي يعيش دائمًا «سليمًا»، لا يستطيع الشيطان الاقتراب منه.
* «قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ»
إلا إذا نجح الشيطان في إغوائه، ولذلك قال تعالى بعدها:
* «إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ – إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ»
إن القلوب التي «أغواها» الشيطان هي التي تُسرع إلى العمل بفتاوى التحلل من أحكام القرآن.
والسؤال:
أ- ما الذي يمنع المرأة «المسلمة» من العمل في جميع مجالات العلوم المختلفة وهي ساترة جسمها إلا الوجه والكفين، فتصبح خارج دائرة الشبهات، وتكون إلى سلامة القلب أقرب؟!
فهل هناك حكمة في أن تكشف المرأة جسدها للناس؟!
ب- وما الذي يمنع «المدخن» من التوقف نهائيا عن استنشاق «هباب الدخان»، وقد أجمعت منظمات الصحة العالمية عن أضرار «التدخين»، وما ثبت ضرره ثبت تحريمه؟!
ما الحكمة وراء إصرار «المدخن» أن يلقى الله بقلب أسود؟!
والجواب:
لم تعد القلوب التي أغواها الشيطان تُحكم بـ «المعايير القرآنية»، فلم تعد «مؤمنة» وانتفت عنها «السلامة»، وصدق فيها قوله تعالى:
* «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ»
ثانيًا:
لم ترد الإشارة إلى «القلب السليم» إلا في موضعين من كتاب الله، والاثنان في سياق الحديث عن إيمان وإسلام إبراهيم عليه السلام:
الموضع الأول في سور الشعراء «الآية ٨٩»:
«إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»
والثاني في سورة الصافات «الآية ٨٤»:
«إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»
وكلنا يعلم من هو إبراهيم عليه السلام، ولماذا سُمّي بـ «أبو الأنبياء»، ولماذا أمر الله رسوله محمدًا والذين آمنوا باتباع «ملة إبراهيم».
وتعالوا نتدبر الآيات التي سبقت «الآية ٨٩» من سور الشعراء:
١- لقد بدأ السياق بقوله تعالى «الآية ٦٩»:
* «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ . إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ»
# وهذه مسألة يجب أن تشغل بال كل مؤمن ويسأل أهله:
«مَا تَعْبُدُونَ»؟!
٢- فكيف كان رد إبراهيم على قومه «الآيات ٧٥-٧٧»:
* «قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ . أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ . فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ»
# وهذه مسألة ثانية يجب أن تشغل بال كل مؤمن وهو يتعامل مع منظومة الفكر الإسلامي:
«فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ»
٣- وما الذي كان يشغل بال إبراهيم وهو يدعو ربه «الآيات ٨٣-٨٥»:
* «رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ . وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ . وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ»
# وهذه مسألة ثالثة يجب أن يَتَرَبى عليها كل مسلم، ويُرَبِي عليها ذريته:
«وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ»
٤- وهل يُعقل أن يخاف إبراهيم من الخزي يوم القيامة؟!
* «وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»
# وهذه مسألة رابعة، وأخيرة، يجب أن يسعى كل مسلم إلى تحقيقها في حياته، هذا إذا أراد دخول الجنة:
«إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»
إن سلامة القلب «منهج حياة» يبدأ بقلب الطفل وهو في بطن أمه.
ثالثًا:
وبعد أن بيّن الله تعالى للناس أن «القلب السليم» هو شرط دخول الجنة، شهد لنبيه إبراهيم، عليه السلام، بسلامة القلب، فتعالوا نتدبر سياق آيات سورة الصافات، حيث يقول تعالى:
* «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ»
إن شيعة الرجل: أعوانه وأنصاره وأتباعه، وكان إبراهيم من ذرية نوح، عليهما السلام، وأقام دينه على ما أقام عليه نوح دينه، وهو «الوحدانية» ونبذ الشرك.
ثم يُبيّن الله تعالى أن المحور الأساس الذي تدور حوله «ملة إبراهيم» هو «القلب السليم»:
* «إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»
وكما سبق بيانه، إن سلامة القلب «منهج حياة»، يبدأ بـ «قلب الطفل» وهو في بطن أمه.
وفي مقابل قول إبراهيم في سورة الشعراء «الآية ٦٩»:
* «إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ»
يقول الله تعالى هنا في سياق سورة الصافات:
* «إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ»
والفرق بين الآيتين في «مَا» و«مَاذَا».
لقد جاءت «ما» لبيان أن إبراهيم، عليه السلام، كان حكيمًا وهو يتعامل مع قومه، فسألهم أولًا عن معبوداتهم «مَا تَعْبُدُونَ» فأجابوا:
* «قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ»
ثم ذهب إلى «الأصنام» وأشار إليها من باب الإنكار، ولذلك كان من الضروري «لغةً» أن يُضاف إلى «ما» السابقة اسم الإشارة «ذا» لتصبح الكلمة «مَاذَا تَعْبُدُونَ».
ثم أكد بعدها هذا الإنكار بقوله:
* «أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ»
ثم تحدث عن مقومات «القلب السليم»، وأنها «منهج تربية» يجب أن يتربى عليه المسلمون وأبناؤهم، فقال لقومه:
* «فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ»
وقد سبق قوله تعالى في سورة الشعراء «الآية ٧٧»:
* «فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ»
والسؤال:
لماذا لا تبيّن القراءات القرآنية المعاصرة للناس اليوم من هم أصحاب «القلوب السليمة»:
* «وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ»
ومن هم «أعداء رب العالمين»؟!
* «تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ . إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ»
إن «المجرمين»، و«الببغاوات» الذين كانوا يتبعونهم بغير علم، هم «أهل جهنم»، والذي يرجع إلى سياق هذه الآيات، يعلم مدى تهافت عقول الذين يقولون إن مساحة جهنم «متر في متر»!!
محمد السعيد مشتهري