نحو إسلام الرسول

(1156) 26/7/2018 ردا على تعليقات منشور الأمس: «صلاة الجمعة فريضة وتركها كبيرة، ولكن…»

أولًا:

لقد كان «الذين آمنوا»، من قبل نزول أحكام سورة الجمعة، يُصلّون الصلوات الخمس المفروضة، ويعلمون أن لكل صلاة «نداءً»، وهذا ما يؤكده قوله تعالى في بيان أحوال المنافقين:

* «وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً»

و«الذين آمنوا» كانوا يعلمون أن «صلاة الجمعة» تؤدى في وقت «صلاة الظهر» من يوم الجمعة، وظلت حلقات «صلاة الجمعة» متصلة إلى يومنا هذا.

ثانيًا:

إن «صلاة الجمعة» غير الصلوات الخمس التي يُصلّيها المسلمون في مساجدهم وأمرهم الله المحافظة عليها.

إن «صلاة الجمعة» تجمع أهل المنطقة أو الحي الواحد في «مسجد جامع»، ليس من أجل «إقام الصلاة» وإنما من أجل سماع «خطبة الجمعة»، وحضور المؤتمر الذي يُعقد أسبوعيًا بعد «إقام الصلاة».

وتعالوا نتدبر سياق «الآيات ١٠٦-١٠٨» من سورة المائدة:

* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الآثِمِينَ»

إن الشخص الذي شعر أنه على وشك الموت، ويريد أن يوصي بوصية، عليه أن يأتي باثنين من المؤمنين ليشهدوا على وصيته، فإن لم يجد فمن أي ملة أخرى.

ثالثًا:

نفهم من قوله تعالى:

«تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ»

أن هذا موضوع من المواضيع التي كانت تبحث وتناقش بعد «صلاة الجمعة»، في حضور المصلين وأقارب الميت، لسماع شهادة الشاهدين.

ثم يأتي قوله تعالى بعدها:

* «فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ»

يفهم من قوله تعالى:

* «فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً»

وجود سجلات بداخل المسجد تحمل بيانات أهل المنطقة، فإن عُثر فيها «عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً» لم يؤخذ بشهادتيهما.

رابعًا:

هناك ما يُسمى بـ «علل الأحكام»، و«القرائن» الدالة عليها، والتي تُفهم من سياق الآيات.

فعندما يخاطب الله «الَّذِينَ آمَنُوا» بمضمون هذه الآية، فلا شك أنهم كانوا يعلمون من قبل نزولها، ما هي هذه «الصلاة» التي أمرهم الله أن:

١- يسعوا إليها «فَاسْعَوْا»: أن يمشوا إليها بخطى سريعة.

٢- وسَمّاها «ذكرًا» بعد أن قال قبلها:

«إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ»

وبعد أن ختم الموضوع بقوله تعالى:

«فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ»

وكانوا يعلمون أن هذه «الصلاة» ليست كسائر الصلوات، وإنما هي «صلاة» تحوي ثلاثة أشياء تُذكّرهم بفعاليات «كلام الله» على أرض الواقع:

أ- خطبة الجمعة.

ب- إقام الصلاة.

ج- المؤتمر الاسبوعي الذي كانوا يحضرونه لبحث ومناقشة أحوالهم والتحديات التي تواجههم، كما بينت في بداية المنشور.

خامسًا:

هذا عن حكمة تشريع «صلاة الجمعة»، منذ عصر التنزيل وإلى يومنا هذا، والتي ظل المسلمون يُقيمونها بعد وفاة النبي مع تفرقهم وتخاصمهم وتقاتلهم.

ويبقى السؤال قائمًا:

إذن فلماذا نزلت سورة باسم «الجمعة»، وهل هذا الاسم له علاقة بقوله تعالى في نفس السورة:

* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ..»؟!

فمع أداء المؤمنين المخاطبين بهذه الآيات لـ «صلاة الجمعة»، ومعرفتهم بوقتها، إلا أن المشكلة التي استدعت نزول هذه الآيات أنهم كانوا يتأخرون عن الذهاب إلى المسجد ظنًا منهم أن سماع «خطبة الجمعة» ليس بالأمر الضروري!!

فنزلت الآيات تُبيّن لهم أن سماع «خطبة الجمعة» فريضة كفريضة «إقام الصلاة»، وجاء بيان ذلك في كلمتين كما بينت ذلك في رابعًا.

ولكن لماذا كان انشغالهم بالتجارة في وقت النداء لـ «صلاة الجمعة» بالذات، الأمر الذي استدعى نزول آيات تحذرهم من عاقبة التأخير عن سماع «خطبة الجمعة»؟!

إن «ذروة» أوقات التجارة تكون في «منتصف» النهار، وإذا كان العرب اعتادوا على أخذ قسط من الراحة في وقت «الظهيرة» فليس معنى هذا أن تغلق الأسواق في هذه الفترة.

سادسًا:

عندما بيّن الله للمؤمنين حدود أزمنة العورات الثلاث، نلاحظ الآتي:

١- «مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ»

وهي فترة زمنية، حدودها معروفة لجميع المسلمين لا جدال فيها.

٢- «وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ»

وهي فترة زمنية، حدودها معروفة لجميع المسلمين لا جدال فيها.

وبذلك تصبح الفترة ما بين بعد صلاة العشاء وصلاة الفجر كلها عورة، ولا تخضع لأعراف المسلمين وظروفهم الخاصة.

فإذا ذهبنا إلى العورة الوسطى وقوله تعالى:

٣- «وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ»

وجدنا أن «الظَّهِيرَةِ» مساحة زمنية ليس لها توقيت محدد لاختلاف درجة الحرارة باختلاف المناطق المرتفعة والمنخفضة.

وإلا لقال تعالى تمشيًا مع السياق:

«وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الظُهْر»

٤- ولذلك استخدم السياق كلمتين لبيان أن مسألة التخفيف من الثياب مسألة «نسبية» تتوقف على ظروف المسلمين، وهذا من بلاغة الأسلوب القرآني، وهما:

أ- كلمة «حِينَ» في «وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ»

والدالة على أن زمن الراحة «القيلولة» زمن قصير.

ب- كلمة «مّنَ» في «مِنْ الظَّهِيرَةِ»

والدالة على أن هذه «القيلولة» يختارها المسلم من مساحة زمنية اسمها «الظَّهِيرَةِ»، وقد لا يحتاج إليها أصلًا لانشغاله بتجارته.

سابعًا:

يستحيل أن يُنَزّل الله كتابًا على قوم بلغة لا يفهمونها، لأنه القائل:

* «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»

* «فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»

ولقد نزل «القرآن» بـ «اللغة» التي كان ينطق بها «لسان العرب» من قبل نزول القرآن، ولذلك فهموا وعرفوا وعقلوا ما نُزّل إليهم.

واليوم هناك قوم لم يفهموا ولم يعرفوا ولم يعقلوا ما أنزله الله من أحكام القرآن، والسبب: أنهم «أعاجم»!!

ولذلك أقول لهم:

١- يوم أن قررت أن أقيم فريضة «صلاة الجمعة»، بعيدا عن «السلفية»، كنت أملك شروط أدائها في يدي، وخلال عشر سنوات «١٩٩٥-٢٠٠٥م» لم أكن أتحدث إلا عن «منهج التربية بالقرآن».

لقد بدأت بسورة الفاتحة، حتى وصلت إلى سورة الروم، حيث توقفت لظروف بينتها في المنشور السابق.

٢- إن امتناعي عن صلاة الجمعة ليس بسبب عدم إيماني بوجوبها، بل هي عندي أهم من «الصلوات الخمس»، وإنما بسبب عدم تحقق شروط إقامتها.

فلم تعد المساجد لله، وإنما للمذهب العقدي الذي أقيم المسجد من أجل نشره.

٣- إن الله تعالي يقول في سياق الرد على بناء المنافقين للمساجد:

* «لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ»

ويقول تعالى بعدها:

* «أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»

فهل يُسمح لـ «الشيعي» أن يخطب الجمعة في مساجد «أهل السنة»، والعكس؟!

إذن فهذه المساجد لم تؤسس «عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ».

ثامنًا:

هناك أدوات يستحيل فهم القرآن بصورة صحيحة بمعزل عنها، وفي مقدمتها:

١- منظومة التواصل المعرفي.

٢- اللغة العربية.

٣- علم السياق.

فالذي لا يعلم هذه الأدوات ولم يدرسها، ويريد الاستفسار عن شيء في المنشور، فعليه أولًا:

١- أن يقرأ البوست المرفق جيدًا، فإن استطاع أن يجيب على السؤال الذي يحمله، فليضع إجابته في تعليقه.

وإن لم يستطع فليعترف بأن القرآن يستحيل أن يُبيّن نفسه بنفسه، ثم يتبع الخطوات التالية:

٢- ينقل النص الذي هو موضوع سؤاله.

٣- يضع سؤاله تحت النص.

والفرق بين المستطيع وغير المستطيع كالفرق بين «الوهم» و«الحقيقة».

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى