ليس معنى قراءة القرآن قراءة معاصرة أن نهدم «أحكام القرآن» التي حملتها «منظومة التراث السلفي» التي جاءت موافقة تماما للفهم الواعي المتدبر للقرآن.
ليس معنى قراءة القرآن قراءة معاصرة أن نذيب أحكامه بحمض «ما هو كائن» لتتناغم معه.
إن القراءة القرآنية المعاصرة، تفعيلٌ لآيات القرآن، بالإمكانات العلمية المعاصرة، وفق أصول علمية ثابتة لا تتغير بتغير وتبدل الإمكانات.
أولًا:
مِنْ بين سور القرآن سورة اسمها «الجمعة»، يأمر الله فيها الذين آمنوا بالآتي:
١- إذا سمعوا «النداء» للصلاة في يوم الجمعة:
* «إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ»
أ- إذن فهناك «نداء للصلاة» كان يسمعه المسلمون في عصر الرسالة وهم منشغلون في أعمالهم، وظلوا يسمعونه إلى يومنا هذا، ولا يوجد أي بيان له أو تفصيل في القرآن.
ب- اللام في كلمة «لِلصَّلاةِ» تسمى «لام العهد»، أي أن هذا النداء لأجل صلاة معهودة معروفة لكم خاصة بيوم الجمعة.
ج- و«مِنْ» في جملة «مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» جاءت لبيان أن المقصود «وقت الصلاة»، لأن الصلاة ذاتها لا تكون من اليوم، وإنما الذي يكون هو وقتها.
٢- فإذا سمعوا هذا «نداء الصلاة» عليهم:
«فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ»
أ- المقصود بـ «ذِكْرِ اللَّهِ» هو ذات «الصَّلاةُ» التي نودي إليها، بقرينة قوله تعالى بعد ذلك:
«فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ..»
ب- ترتيب الأمر بالسعي لذكر الله على النداء للصلاة، يُبيّن حجية هذه الصلاة، وأنها فريضة، ويجب أن تؤدى «جماعة»، كما هو واضح من سياق الآيات.
ج- وسُمّيت «الصلاة» ذكرًا، فقال «فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ» لبيان أن في هذا الوقت يحدث أمران:
– الأول: موعظة «خطبة» تُذكر الناس بالله، وتُبيّن لهم أنوار «القرآن» وأحكامه وفرقانه.
– الثاني: إقام الصلاة بهيئتها المعروفة في المساجد منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا.
د- ويُفهم من جملة «وَذَرُوا الْبَيْعَ» أن الناس يكونون مشغولين في وقت هذه «الصلاة» بالتجارة، وأول «صلاة» يمكن أن يحدث في وقتها هذا الانشغال هي صلاة الظهر، بقرينة قوله تعالى بعد ذلك:
* «وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً..»
٣- فإن فعلتم ما سبق بيانه:
* «ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»
ثانيًا:
عندما خلعت ثوب «السلفية»، لم أخلع معه ثوب «القرآن»، وكما كنت أخطب الجمعة بمنهج «السلف»، أصبحت أخطب الجمعة بمنهج «القرآن»، ولكن:
لم يحدث هذا إلا عندما كنت أملك المكان الذي سأقيم عليه صلاة الجمعة، وبعد أن أقمت مسجدًا وبدأت أصلي فيه وأخطب الجمعة، وكان ذلك عام «١٩٩٥م»، لم يكن موضوع الخطبة إلا عن منهج التربية القرآن.
ولكن «الجمعية الشرعية» التي كان والدي رئيس مجلس إدارتها، كانت تحاربني في كل مكان، حتى وصل بهم الأمر أن قرّروا شراء قطعة أرض لإقامة مسجد بجوار هذا المسجد الذي أصلي فيه، وطبعا السبب معروف.
ولم أكن أستخدم «مكبرات الصوت» خارج المسجد، فقط بداخله، مراعاة للجيران المسيحيّين، ولم تجد أي محاولات لمنع هؤلاء من إقامة مسجدهم.
ولم ينتظروا حتى تنتهي أعمال بناء المسجد، ووضعوا «مكبرات الصوت» أعلى المسجد وهو ما زال بالطوب الأحمر، وبدأ خطيب المسجد يخطب أول جمعة له في ١-٧-٢٠٠٥م، وكأنه يتحدث داخل المسجد الذي أخطب فيه!!
الحقيقة أني لم أتمكن يومها من استكمال حديثي، وأنهيت الخطبة، وعلمت حجم الفتنة التي يريدون أن أقع فيها، وخاصة ما يتعلق بالمسائل الأمنية.
فقررت أن يكون يوم الجمعة «٨-٧-٢٠٠٥م» هو آخر يوم أصلي فيه الجمعة في هذا المسجد المقام على أرضي، وأن أدعو المصلين إلى الصلاة في هذا المسجد المجاور، على أن يأخذوا معهم السجاد والحصر التي كنا نصلي عليها، وفرشها في هذا المسجد لعدم وجود فرش فيه.
ثالثًا:
هذه بعض مقتطفات من خطبة الجمعة لمتابعتها، نظرًا لعدم وضوح الصوت في الفيديو المرفق:
الحمد لله حمد الشاكرين المقرين بنعمه وفضله، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إمام العابدين المتقين، اصطفاه ربه فكان خلقه القرآن،
وأرسله للناس فكان رحمة للعالمين، فسلام عليه وعلى رسل الله أجمعين.
أما بعد
فقد فوجئت بعد عودتي من سفري بأن هذا المسجد المجاور يُؤذّن فيه للصلوات الخمس، وهو مازال على الطوب الأحمر، ولم يتم الانتهاء من أعمال العمارة والتشطيب فيه…
والحقيقة أنني بذلت جهداً منذ أن علمت أن هناك مسجد سيقام في هذا المكان الذي لا يبعد إلا عدة أمتار عن هذا المسجد، الذي نصلي فيه منذ عشر سنوات…
لذلك انتبهوا جيداً لما سأقوله لكم:
إن الحديث عن وحدة الأمة الإسلامية، وعن وحدة المسلمين، والتحذير من تفرق المسلمين وتخاصمهم، أصبح اليوم، بخلاف أي يوم مضى، فريضة على كل مسلم…
أدعوكم جميعًا، اعتباراً من اليوم، إلى الصلاة في هذا المسجد، خلف هذا الإمام المعين، وأنا سأكون في مقدمتكم، تفضلوا.
رابعًا:
في عصر التنزيل، وفي حياة رسول الله، أقام جماعة من المنافقين مسجدًا ليذهب المؤمنون إليه، وينصرفوا عن مسجد رسول الله، ولم يكن الرسول يعلمهم، ولا يعلم حقيقة إنشاء هذا المسجد، حتى نزل القرآن يُبيّن له فتدبر:
* «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ»
إن فعل «اتخذ» يُبيّن أن من «المساجد» ما قد يُتخذ للإضرار بوحدة المؤمنين، والتفريق بينهم، وأن الذين يفعلون ذلك يحاربون الله ورسوله، ولذلك قال تعالى بعدها:
* «وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ»
و«الإرصاد» معناه «التهيئة»، أي أن من أقاموا هذه المساجد يحملون من قبل بنائه توجهًا فكريًا عقديًا، ويريدون أن يكون المسجد منبرًا لهذا التوجه.
ومع ذلك يُقسمون لرسول الله أن بناءه كان لأجل الخير، فتدبر:
* «وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى – وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»
والذي يهمني الوقوف عنده هو قوله تعالى:
«وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ»
أليست «المساجد» التي يصلي فيها المسلمون اليوم، تُفرّق بينهم، كلٌ حسب مذهبه العقدي، ولم نعد نجد فعالية لقوله تعالى:
«وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا»؟!
خامسًا:
ثم يأتي الحكم الشرعي الخاص بـ «الصلاة» في المساجد التي تفرق بين المسلمين:
* «لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً»
* «لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْم أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ»
* «فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا»
* «وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ»
إذن فالقضية في كيف يُغيّر المسلمون «ما هو كائن» إلى «ما يحب أن يكون»، كلٌ حسب التحديات التي يواجهها، بعد أن أصبح لكل فرقة، بل ولكل مذهب من مذاهبها، مساجد خاصة بها!!
محمد السعيد مشتهري
https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/videos/1800516280030246/?t=14