نحو إسلام الرسول

(1153) 23/7/2018 هل كان «نوح وموسى» على دراية بـ «علم فوق الوراثة»؟!

يعيش الناس في مجتمعات يستحيل فصلهم «ماديًا» عنها، وإن كان يمكنهم أن ينفصلوا «نفسيًا»، والطفل يولد في بيئة يستحيل فصله «ماديًا» عنها ولا «نفسيًا»، حتى يبلغ النكاح ويكتمل رشده.

وهنا تكمن أزمة شعوب العالم أجمع، أزمة «الطفل»، وما أدراك ما أزمة «الطفل»، الذي هو اللبنة الأولى للمجتمع الإنساني، ومع ذلك نتركه يتفاعل مع بيئته ليصبح نسخة طبق الأصل منها.

لقد قال «نوح» لربه:

* «وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً»

* «إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً»

فهل كان لـ «الوراثة» تأثير «جيني» على الطفل وهو في بطن أمه؟!

وقال «موسى» لربه، بعد أن أصر فرعون على الكفر:

* «رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ»

* «فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ»

فهل كان لـ «البيئة» وزينة الدنيا وأموالها، تأثير «جيني» في إضلال الشعوب وإبعادها عن صراط الله المستقيم:

* «رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»

* «رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ»؟!

أولًا:

يسمى علم«ما فوق الوراثة» بعلم «ما فوق الجينات»:

«الإيبيجينيتك»: «Epigenetic»، و«الإيبيجينيتكس»:

هي «عوامل الوراثة فوق الجينية».

١- «الجينات» هي الوحدات الرئيسية المكونة لـ «الحمض النووي»، والتي تحمل صفات الإنسان الوراثية.

٢- «عوامل الوراثة فوق الجينية» لا علاقة لها بـ «التركيب الجيني للحمض النووي» السابق بيانه.

فإذا اعتبرنا تسلسل القواعد النيتروجينية في «الحمض النووي» نصًا مكتوبًا يشرح عمل جسم الإنسان.

فإن «عوامل الوراثة فوق الجينية» ما هي إلا علامات إرشادية تتدخل إما لتفعيل بعض الجينات الخاملة، أو إيقاف النشطة منها، ويكون ذلك بسبب عوامل خارجية يتعرض لها الإنسان.

٣- إن إدراك الطفل وإحساسه بأي شيء يفرحه أو يغضبه، تحمله «عوامل الوراثة فوق الجينية» إلى «الحمض النووي»، فإذا تعرض الطفل في بيئته إلى صدمات نفسية، فإنها تؤثر على «الحمض النووي».

٤- الأمر الذي ساعد العلماء على تفسير مشاعر الخوف والأمراض النفسية التي تصيب الذين يتعرضون لمثل هذه الصدمات خلال فترة طفولتهم.

٥- كما ساعد العلماء على الوقوف على سبب إنتاج بعض الفئران ذرّية لديها نفور عامّ من أدوات معيّنة؛ لأنّ هذه الأدوات كانت مصدرًا لتجارب مؤلمة لآبائهم.

٦- كما وجد العلماء أن العوامل الخارجية قد تكون سببًا في تغير بعض الجينات من حالتها الطبيعية إلى حالة معاكسة تنتج عنها أمراض خطيرة كالزهايمر والسرطان.

وخلاصة القول:

إن علم «ما فوق الجينات» يدرس العوامل الخارجيّة والبيئيّة التي تُنَشّط أو تُثَبّط عمل الجينات، دون تغيير «سلسلة الحمض النوويّ – DNA»، وذلك على خلاف علم «الجينات» القائم على دراسة التغيّرات في «سلسلة الحمض النوويّ».

ثانيًا:

إن علم «ما فوق الجينات» لا يهتم بتحديد الجينات المسؤولة عن صفة أو مرض ما، فهذا من اختصاص «علم الجينات»، وإنما يعتني بالعوامل البيئية التي تُنشط أو تُثبط الجينات.

١- إن «الجين»، الذي يشكل وحدة الحمض النووي، يبقى كما هو، ولكن تفعيله بالإيجاب أو السلب يختلف باختلاف ظروف البيئة التي يعيش فيها الإنسان، فقد أثبت العلماء أن نسبة الأمراض التي تصيب البشر من «البيئة» أكثر من التي تصيبهم بـ «الوراثة».

٢- إن الإنسان هو الذي يتحكم في «الجينات»، وليست هي التي تتحكم فيه، وهو الذي يكتب حياته وفق خياراته، لأنه لم يعد مولودًا بجينات لا يمكن تغييرها، بل يمكن تغييرها إلى ما فيه مصلحته، أو إلى ما فيه ضرره.

٣- إذا غيّرت «الظروف البيئية» فعالية «الجين»: سلبًا أو إيجابًا، ولم ينتج عن هذا أي تغيير في نمط حياة الإنسان: سلبًا أو إيجابًا، فإن الأبناء سيرثون هذا التغيير: سلبًا أو إيجابًا!!

٤- قد يسأل الإنسان نفسه:

لماذا أجد أحد أولادي صالحًا والآخر غير صالح؟!

فلا يذهب ذهنك إلى «علم الجينات و DNA»، فلعل المشكلة في علم «ما فوق الجينات»، أي في «عوامل الوراثة فوق الجينية».

ثالثًا:

لقد عرف نوح وعرف موسى، عليهما السلام، «عوامل الوراثة فوق الجينية»، أي عرفوا تأثير «البيئة» على «الجينات» عن طريق الظروف والعوامل المحيطة، وليس بسبب تحول في «سلسلة الحمض النوويّ».

ولقد نزل القرآن بكثير من آيات الأحكام التي تحفظ الإنسان المؤمن من تأثير البيئة المحيطة و«عوامل الوراثة فوق الجينية».

وسأضرب مثالا واحدًا يُبيّن جذور انحراف كثير من أبناء المسلمين عن صراط ربهم المستقيم، ماديًا وأخلاقيًا وإدمانًا، وينفقون الأموال على علاجهم عند الأطباء النفسيّين.

في الوقت الذي لا يغلقون فيه منابع ومصادر هذا الانحراف، ويتركون أجيالهم القادمة تتربى بـ «عوامل الوراثة فوق الجينية»، وهم سعداء بطفولتهم الذكية، والرياضية..، وقد أعطوا ظهورهم لتربيتهم التربية الإيمانية التي تعصمهم من هذا الانحراف.

١- يعتقد البعض أن الطفل قبل بلوغ النكاح غير مكلف بأحكام الشريعة، فله أن يلهو ويلعب ويتعامل مع الإنترنت دون أي ضوابط شرعية، ولا يصلي ولا يصوم لأنه لم يبلغ الحلم!!

بل ويمكنه أن يصفع أباه أو أمه على وجههما، وكمان يشتمهما، والكل يضحك وسعيد لأن الولد كبر، ويغضب الطفل ويبكي إذا لم تنفذ طلباته فورا، فيتم تنفيذها!!

ويشاهد عورات الرجال والنساء على التلفاز، أو على الأجهزة المحمولة، ويحفظ الأغاني عن ظهر قلب، وكذلك أسماء الممثلين، وكذلك أسماء أبطال العالم في كرة القدم…، إلى آخر تشهد به بيوت المسلمين!!

٢- أما أحكام القرآن، فلا تنتظر حتى يبلغ الطفل الحلم ثم بعد ذلك تكلفه، وإنما تقوم بإعداد الطفل وتربيته منذ الصغر على الضوابط الشرعية القرآنية وفي مقدمتها من هو «الله» الذي يجب أن نطيعه.

لقد وضعت الشريعة القرآنية القاعدة التي تتعلق بأخطر قضية أخلاقية تهدم منظومة القيم في أي مجتمع، وهي «العورات».

فهل يُعقل أن يُحرم الله نظر الأطفال «الذين لم يبلغوا الحلم» إلى «عورات» الوالدين؟!

نعم، لحمايتهم منذ الصغر من «عوامل الوراثة فوق الجينية».

فيقول الله تعالى:

* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»

فهذا حكم تشريعي، يأمر الوالدين بتعليم أطفالهم «الذين لم يبلغوا الحلم» آداب الاستئذان، وأنه لا يصح أن يدخلوا عليهما حجرة نومهما بدون استئذان، وذلك في هذه الأوقات:

«مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ»

٣- وإن هذا يعني أن على الوالدين تربية الأطفال على ذلك، وبيان أن هذا التصرف حرّمه الله، وذلك بأسلوب حكيم، ولغة يدركها الطفل في هذا السن.

وبذلك نعلم حكمة التشريع القرآني في حماية الأطفال من رؤية ما قد يصيبهم بالخوف، أو بأمراض نفسية وعصبية، يصعب شفاؤهم منها، بل وقد تنتقل إلى ذريتهم عن طريق «عوامل الوراثة فوق الجينية».

كما نعلم لماذا يبيح أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة أن تكشف المرأة للناس جميعا جميع جسدها باستثناء ما يستره «المايوه البكيني»!!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى