من لدن آدم عليه السلام، والله تعالى يرسل الرسل للناس، يدعوهم إلى «الوحدانية» والعمل بكتابه الذي أنزله، وكان البرهان على صدق «نبوة» رسوله «آيات حسية»، يراها الناس بأعينهم، وتنتهي فعاليتها بموت الرسول.
ولقد كانت مواقف الناس من دعوة الرسل متباينة، فمنهم المؤمنون والمسلمون والمشركون والكافرون والمنافقون والذين في قلوبهم مرض، وكان جزاء الآخرة إما الجنة أو جهنم.
أولًا:
ثم بعث الله رسوله محمدًا بـ «كتابه الخاتم» إلى الناس جميعًا:
* «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً»
وجعل البرهان على صدق نبوته «آية عقلية قرآنية» تراها القلوب بآليات التفكر والتعقل والتدبر…، وممتدة المفعول إلى يوم الدين.
وبدأت أول وأطول سورة من سور هذه «الآية العقلية القرآنية» ببيان مواقف الناس من دعوة رسول الله محمد، منذ عصر التنزيل وإلى يوم الدين:
١- المتقون:
* «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ»
٢- الكافرون:
«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ»
٣- المنافقون:
«وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ»
ثانيًا:
ثم بعد بيان أصناف الناس ومواقفهم من دعوة رسول الله محمد، لفت الله نظرهم إلى دلائل الوحدانية التي تقتضي أن تكون «الآية العقلية القرآنية» هي البرهان على صدق رسوله محمد إلى يوم الدين:
* «وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ»
ونلاحظ أن الضمائر في «كُنتُمْ – فَأْتُوا – وَادْعُوا» تعود إلى الناس جميعًا، منذ عصر الرسالة وإلى قيام الساعة.
ولكن المفكرين المسلمين لا يعلمون هذه «الحقيقة الإيمانية»، بل ولم يقفوا على مقتضى قوله تعالى بعدها مخاطبا الناس جميعًا:
* «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»
لقد أعطى المسلمون ظهورهم لهاتين الآيتين «٢٣-٢٤» من سورة البقرة، وهما البرهان على أن رسول الله محمد مبعوث اليوم في عصرنا، وعلى الناس جميعًا:
١- إما الإتيان بسورة من مثل سور القرآن:
# وفي هذه الحالة سقطت نبوته ورسالته.
٢- وإما الإيمان برسول الله محمد:
# وفي هذه الحالة عليهم اتباع رسالته.
٣- وإما كانوا كافرين بالله ورسوله:
# ومصيرهم النار.
ثالثًا:
وعندما نتدبر قوله تعالى:
* «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا»
الذي يثير حماس الكافرين بـ «وَلَنْ تَفْعَلُوا»، ويحفزهم على بذل أقصى ما يملكون من جهد للإتيان بسورة من مثل سور القرآن.
نعلم أن «دين الإسلام» هو الدين الذي حملته «الآية العقلية القرآنية»، التي عجز الإنس والجن أن يأتوا بمثل سورة من سورها، والذي ختم الله به الأديان السابقة، يوم خاطب المؤمنين بقوله تعالى:
* «…الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً…»
تدبر: ورَضِيتُ لَكُمْ «الإِسْلامَ» «دِيناً»
رابعًا:
وعليه نفهم قوله تعالى:
* «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ»
والذين لن يبتغوا «دين الإسلام» الذي جاء به رسول الله محمد، هم الذين خاطبهم الله بعدها بقوله:
* «كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»
وهؤلاء مصيرهم:
* «أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»
* «خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ»
فأين نجد هؤلاء، من بين «٧ مليار» موجودين على الأرض، يدعوهم رسول الله محمد إلى الإيمان به واتباع رسالته؟!
خامسًا:
عندما ننظر إلى المرجعية الإلهية لـ «دين الإسلام» باعتبارها نصوص «الآية العقلية القرآنية» المعاصرة للناس جميعًا اليوم، والتي يحملها رسول الله محمد برهانًا على صدق نبوته.
نعلم أن الباب الوحيد للدخول إلى «دين الإسلام» هو الإقرار بصدق هذه «الآية العقلية القرآنية»، وأن على المسلمين جميعًا إعادة الدخول في «دين الإسلام» من هذا الباب، لأن الله لن يقبل إسلامهم الوراثي «المذهبي» الذي هم عليه
اليوم.
١- إن الله تعالى لا يرسل رسولًا إلا بلسان قومه:
* «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ»
والسبب:
* «لِيُبَيِّنَ لَهُمْ»
٢- ولقد كان لسان قوم رسول الله محمد لسانًا عربيًا، بل وفي قمة هرم البيان والفصاحة والبلاغة، بقرينة أن الله يستحيل أن يطلب من قومه أن يأتوا بسورة من مثل سور القرآن وهم ليسوا على مستوى أسلوب وبلاغة القرآن؟!
٣- وإذا كان الباب الوحيد للدخول في «دين الإسلام» هو باب الإقرار بصدق «الآية العقلية القرآنية»، الأمر الذي يستلزم أن يكون الإنسان على علم بالأدوات المثبتة لصدق هذه الآية، وفي مقدمتها «لغة القرآن» التي خاطب الله بها العرب.
والسؤال الذي سيفرض نفسه:
كم عدد الذين دخلوا «دين الإسلام»، أو أعادوا دخولهم فيه، من باب «الآية العقلية القرآنية»، وكانوا على علم بـ «لغة القرآن»، من مجموع الـ «مليار ونصف مسلم»؟!
سادسًا:
إن الدخول في «دين الإسلام»، أو إعادة الدخول فيه، ينسخ ويسمح كل ما قلب الإنسان من علوم ومعارف دينية سابقة، ليستقبل نصوص «الآية العقلية القرآنية» وهو «قلب سليم».
ولقد خرج «القلب السليم» من أجساد المسلمين، منذ تفرّقوا في «دين الإسلام»، ولم يعد إليهم حتى يومنا هذا.
١- فهل يمكن لـ «قلب سليم» أن يقبل «السلفية» التي قامت على أزمة «التفرق
في الدين»؟!
٢- هل يمكن لـ «قلب سليم» أن يقبل دعوى «القرآن يُبيّن نفسه بنفسه» ومُسَمّيات كلمات القرآن كلها خارجه؟!
٣- وهل يمكن لـ «قلب سليم» أن يقبل دعوى القراءة المعاصرة «السُنّية» للقرآن التي قامت على:
«المادية الجدلية التي أقام عليها ماركس فلسفته وفق قوانين الدياليكتيك»
في الوقت الذي لا ينكر أصحاب هذه القراءات المعاصرة ذلك، بل وسجّلوه
صراحة في كتبهم؟!
٤- إن المتدبر لسياق آيات سورة الإسراء، الذي ورد فيه قوله تعالى «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» يعلم:
* «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً»
* «وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً»
ليصل إلى قوله تعالى:
* «مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ»
* «وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا»
* «وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»
* «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً»
ولقد بعث الله رسوله محمدًا بـ «القرآن»، والذين لا يؤمنون بالقرآن لا يؤمنون بالآخرة، فمن أراد النجاة فعليه اتباع هدي القرآن، وذلك بعد الإقرار بصدق «آيته العقلية» المعاصرة للناس جميعًا اليوم.
محمد السعيد مشتهري