فرقان شحرور
أولًا:
الأزمة:
إن «النهي عن المنكر» ليس فرض «كفاية» يكفي أن يقوم به بعض الأفراد، وإنما هو فرض «عين» على كل من آمن بالله وسلّم لأمره تسليمًا.
إن ما قلته منذ «عام ٢٠١٣م» في إثبات تهافت النتائج التي خرجت بها القراءات المعاصرة للقرآن، قد قالها قبلي، وسيقولها بعدي، الكثير، فهل معنى هذا أن أتوقف عن النهي عن منكرات هذه القراءات لقيام الغير بها؟!
إن «النهي عن المنكر» من مكونات إيمان المسلم، قبل أن يكون فرض عين عليه، ومن المفترض أن يسري في دمه، إذا كان قلبه سليمًا، فلا يفارقه إلا عند الموت.
ثانيًا:
اللغز:
كيف يقول «محمد شحرور» إنه يقرأ القرآن «قراءة معاصرة» وهو يستعين بمنهج «السلف الصالح»، لفرقة أهل السنة والجماعة، لتحقيق نتائج هذه القراءة؟!
كيف يقول إن قراءاته المعاصرة للقرآن قد أثبتت أن القرآن رسالة عالمية تعمل شعوب العالم وبرلماناتها بأحكامه، و«صدق الله العظيم»: «وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»؟!
ثالثًا:
السقوط:
عندما تكون جذور «شجرة المعرفة» فاسدة، فلن تثمر غير معارف فاسدة، ولذلك يستحيل أن يرى مؤمن عاقل شجرة خبيثة ويقول «صدق الله العظيم»، طبعا إلا إذا كان يقصد معنى قوله تعالى:
* «وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ»
ولذلك: لا تحدث الناس عن فساد الثمار، وحدثهم عن فساد أصلها، فتسقط الثمار كلها.
رابعًا:
التدليس:
إن «التدليس» تضليل الناس بالتزوير والاحتيال، وهذا ما فعله «محمد شحرور» عندما نظر إلى شعوب العالم وبرلماناتها وقال لهم: «صدق الله العظيم»!!
إن «محمد شحرور» يرى أن الناس جميعًا على «دين الإسلام» الذي جاء به رسول الله محمد، وأنهم «مسلمون»، «مؤمنون»، في الجنة خالدون، طالما أنهم:
«يؤمنون بالله – واليوم الآخر – ويعملون الصالحات»
وليس شرطا أن يؤمنوا برسول الله محمد ويتبعوا رسالته!!
إن هدف كل إنسان أن يدخل الجنة، حتى الذي يُفجر نفسه، فلو أن مفتاح دخولها هو:
«الإيمان بالله – واليوم الآخر – والعمل الصالح»
استنادا إلى قوله تعالى:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا – وَالَّذِينَ هَادُوا – وَالنَّصَارَى – وَالصَّابِئِينَ»
* «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً»
* «فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»
خامسًا:
القاصمة:
إذن فتعالوا نطبق هذه النتيجة على «الَّذِينَ آمَنُوا» الوارد ذكرهم في أول الآية، فلماذا لا يكون مفتاح دخولهم الجنة:
«الإيمان بالله – واليوم الآخر – والعمل الصالح»
فقط لا غير، خاصة وأن الآية لم تُفرّق بين الملل المذكورة فيها؟!
إذا أردنا «الحق والعدل»، حسب القراءات الشحرورية، لا نُفرّق بين الملل المذكورة في الآية، ويصبح المطلوب من:
«الَّذِينَ آمَنُوا – وَالَّذِينَ هَادُوا ـ وَالنَّصَارَى»
«الإيمان بالله – واليوم الآخر – والعمل الصالح»
وبذلك تعيش شعوب العالم في سلام، وتنتهي أزمة «الفكر الإسلامي»، وأزمة «المنظمات الإرهابية»، وأزمة التوفيق بين «ما يجب أن يكون وما هو كائن»، كي نصل إلى «إسلام الرسول».
ولكن السؤال المنطقي أيضا:
لماذا يا «شحرور» ضيّعت من عمرك عقودًا من الزمن، في قراءة «رسالة محمد» قراءة معاصرة، وأجهدت نفسك في استنباط أحكامها، وأغضبت طوب الأرض من إلحادك في هذه الأحكام، ثم تراجعك عن كثير منها؟!
لقد كان يكفيك يا رجل أن تحدث الناس عن «مفتاح الجنة» ليطمئنوا إلى أن «الدين الإلهي» لا يحمل أحكام شريعة واجبة الاتباع، وأنهم مخيّرون في اتباعها أم عدم اتباعها!!
وتصبح الجماعات الإرهابية ليست في حاجة إلى «العمليات الانتحارية» لدخول الجنة، فها هو مفتاح الجنة:
«الإيمان بالله – واليوم الآخر – والعمل الصالح»
فقط لا غير!!
فلماذا نشغل أنفسنا بأحكام «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»… والجهاد…، إذن فلنسقط أحكام القرآن كلها، ولا نبقي في كتاب الله إلا الآيات المتعلقة بهذا المفتاح الذي سيدخلنا الجنة!!
سادسًا:
قاصمة القواصم:
يرى «محمد شحرور» أن كلمة «الفرقان»، التي وردت في السياق القرآني، هي «الوصايا العشر» التي آتاها الله موسي، ثم انتقلت إلى عيسى، ثم إلى محمد، وأنها التي وردت في سورة الأنعام، الآيات «١٥١-١٥٢».
فتعالوا أولًا نرى هل هي «عشر» وصايا أم «تسع»؟!
* «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ»
١- «أَلاَّ» …. «تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً»
٢- وَبِالْوَالِدَيْنِ …. «إِحْسَاناً»
٣- «وَلا» …. تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ»
٤- «وَلا» …. تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»
٥- «وَلا» …. تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ..»
٦- «وَلا» …. تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..»
٧- «وَأَوْفُوا» …. الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ..»
٨- «وَإِذَا» …. قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى»
٩- وَبِعَهْدِ اللَّهِ …. «أَوْفُوا» ….»
وإلى هنا ينتهي بيان «المحرمات»، ولقد قصدت أن أفصل أدوات النهي عن كل واحدة لتوضيح هذه المسألة.
ثم انظر إلى اختلاف صياغة أسلوب الآية التي جاءت بعد ذلك عن الآيات السابقة، فتدبر:
* «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ…»
والسؤال:
هل هذا «الصراط المستقيم»، المشار إليه باسم الإشارة «هَذَا»، هو الأحكام التي سبقت هذه الآية فقط، أم أنه يشمل كل الأحكام التي سبقتها؟!
خاصة وأنه عَقّب على هذه «الآية ١٥٣» بالدعوة إلى تفعيل أصل من أصول الإيمان وهو «التقوى» وهو ما يناسب مقام الوحدانية وعدم «التفرق في الدين»، فقال تعالى:
* «ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»
ثم عندما عَقّب على الأحكام التي سبقت هذه الآية، عقب عليها بالدعوة إلى تفعيل آليات عمل القلب، وهو ما يناسب مقام التشريع، فتدبر:
* «ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»؟!
* «ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»؟!
سابعًا:
حجية «علم السياق»:
إننا كي نفهم «الآية ١٥٣» من سورة الأنعام، وهل هي كما يدّعون «الوصية العاشرة» أم لا، علينا أن نتدبر سياقها والذي يبدأ من «الآية ١٢٥»، وقوله تعالى:
* «فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ – وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ..»
ثم قوله تعالى بعدها «الآية ١٢٦»:
* «وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ»
إذن فـ «الصراط المستقيم» المذكور في «الآية ١٥٣»:
* «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ…»
لا يتعلق بـ «أحكام الشريعة» التي وردت قبله، وإنما يتعلق بملة الوحدانية التي جاء بها «دين الإسلام» المشار إليه في «الآيتين ١٢٥-١٢٦».
ثم يبيّن السياق بعد ذلك كيف كان المشركون يفترون على الله الكذب، في أحكام الحلال والحرام، ليصدوا الناس عن صراط ربهم المستقيم
فجاءت «الآية ١٤٤» تبين ذلك، وتشير إلى كلمة «الوصية»:
* «أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمْ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ – إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»
ثم تدبر ماذا قال الله بعدها «الآية ١٤٥» عن «المحرمات» من الطعام:
* «قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ..»
فكيف يحمل «فرقان شحرور» المحرمات التي وردت في الآيتين «١٥١-١٥٢»، ولا يحمل المحرمات من الطعام التي وردت في نفس سياق التحريم قبلها؟!
إن اسم الإشارة «هذا» في قوله تعالى «الآية ١٥٣»:
«وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ»
لا يعود فقط إلى المحرمات الواردة في الآيتين «١٥١ -١٥٢»، وإنما إلى «دين الإسلام» واجب الاتباع «فَاتَّبِعُوهُ» بوجه عام، الذي أشار الله إليه في أول السياق بقوله تعالى «الآية ١٢٦»:
* «وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ»
ولكننا في الحقيقة أمام قوم «لا يعْقِلُونَ»، «لا يتذَكَّرُونَ»، «لا يَتَّقُونَ»!!
وإلى المنشور الأخير، في «لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ مَا عَقَلُوهُ»
محمد السعيد مشتهري