نساء شحرور
إن اللافت للنظر، منذ بدأت الرد على «محمد شحرور» في «١٧-١١-٢٠١٣» وإلى يومنا هذا، أني لم أجد أحدًا من أتباع «شحرور» كتب تعليقًا واحدًا يحمل علمًا ينقد أو ينقض ما حملته المنشورات من «علم» استنادًا إلى آيات الذكر الحكيم.
لقد كتبوا «كلامًا مرسلًا» لا يسمن ولا يغني من جوع، ولكن الأغرب والأعجب أن اتَّهم بأني «سلفي» لأني أقول ما يقوله السلفيّون!!
فهل قضية «دين الإسلام» هي «السلفية»، فإذا جاء قرآني أو عصري أو تنويري، أو حتى ملحد، بـ «الحق» الذي ينطق به القرآن، نرفضه لأن السلفيّين قالوا به؟!
أم علينا أن ننظر في البراهين القرآنية التي أقام عليها متدبر القرآن أحكامه، فإن كانت حقًا أخذنا بها، سواء وافقت ما قاله السلفيّون أم لم توافقه؟!
أولًا:
ينطلق «محمد شحرور» في قراءاته الإلحادية المعاصرة من قاعدة «الجدلية المادية» التي لا تعرف وحدانية، ولا أحكام شريعة إلهية، وتضحك على الشعوب بإظهار ولائها لتدينهم ولمذاهبهم، ولا تصطدم معهم في أي نقطة، وإنما تداهنهم.
يقول «محمد شحرور» في كتابه «تجفيف منابع الإرهاب»:
١- فمن هنا نرى أن أطروحات التجديد لا معنى لها ولا تؤتي ثمارها، وإنما هي تكرار للذات وللسلف، وهي مجموعة من الخطابات والكلمات الرنانة بدون أي معانٍ أو أفكار مفيدة.
٢- فأي تجديد لا يسمى تجديداً إلا إذا اخترق الأصول، وعلينا أن نعي حقيقة تاريخية هامة جداً وهي أن التاريخ الإنساني حسب التنزيل الحكيم يمكن أن يقسم إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى مرحلة الرسالات التي انتهت برسالة محمد.
والمرحلة الثانية مرحلة ما بعد الرسالات والتي نعيشها نحن.
* ثم نتدبر جيدا ماذا قال بعد ذلك، والذي كشف عن حقيقة القاعدة التي ينطلق منها في قراءاته المعاصرة للقرآن، قال:
٣- أي أن الإنسانية الآن لا تحتاج إلى أية رسالة أو نبوة، بل هي قادرة على اكتشاف الوجود بنفسها بدون نبوات، وقادرة على التشريع بنفسها بدون رسالات.
٤- والإنسانية اليوم أفضل بكثير من عصر الرسالات، لأن البشرية كانت بحاجة إليها للرقي من المملكة الحيوانية إلى الإنسانية، أما نحن فلا.
٥- وعلينا أن نعي أن المستوى الإنساني والأخلاقي في تعامل الناس بعضهم مع بعض أفضل بكثير من قبل وحتى في عهد الرسالات، فالبكاء على عصر الرسالات لا جدوى منه، لأننا الآن في مستوى أرقى معرفياً وتشريعياً وأخلاقياً وشعائريًا»
تعليق:
طيب يا باش مهندس «شحرور»:
إذن ما علاقتك أنت بالقرآن، وما الهدف من قراءاتك المعاصرة له، ثم لمصلحة من هذه القراءات، بعد أن كشفت عن إلحادك بنفسك؟!
فإذا أردنا أن نُقيّم هذه القراءات، التي شهدت أنها «إلحادية»، بميزان «أصول البحث العلمي»، فلن تستحق أكثر من «صفر» لسبب واحد فقط:
التناقض الذي أفرزته «المنهجية العشوائية»!!
ثانيًا:
إن الذين يقولون إن «لباس المرأة المؤمنة» كان خاصًا بالبيئة التي نزل فيها القرآن، وحسب ما كان متعارفًا على لبسه في هذه البيئة، هؤلاء لا يعلمون شيئًا عن القرائن التي يحملها السياق القرآني، الدالة على صحة استنباط الحكم من عدمها.
ومن القرائن الدالة على وجوب التزام المرأة المؤمنة بما بيّنته «الآية ٣١» من سورة النور، وذلك منذ عصر التنزيل وإلى قيام الساعة:
١- صفة الإيمان:
فعندما يخاطب الله المؤمنين والمؤمنات بـ «أحكام عامة» لا تتعلق بمواقف خاصة بعصر التنزيل، تكون هذه الأحكام مُلْزِمَة لكل من حملوا هذا «الإيمان» إلى يوم الدين.
٢- جسد المرأة:
وعندما يخاطب الله المؤمنين والمؤمنات بحكم يتعلق بـ «جسد» المرأة ووجوب تغطيته، يظل هذا الحكم قائمًا بين الناس طالما أن للمرأة جسدًا تتحرك به بين الناس.
وهل يمكن لهذا «الجسد» أن يتغير أو يتطور مع تتطور العصور وتقدم الحضارات، إلا إذا كان جسدًا «صناعيًا»؟!
* يقول «ويل ديورانت» في «قصّة الحضارة»
«كان في وسع الرجل أن يُطلِّق زوجته إذا عصت أوامر الشريعة اليهوديّة بأنْ سارت أمام الناس عارية الرأس، أو غزلت الخيط في الطريق العامّ، أو تحدّثت إلى مختلف أصناف الناس، أو إذا كانت عالية الصوت…»
والسؤال:
مش أحكام الشريعة الإسلامية طلعت أرحم من أحكام الشريعة اليهودية؟!
ثالثًا:
إن كلمة «نِسَاء» جمع امرأة، وهي «الأنثى» من البشر، ويقابلها «الرجل» وهو «الذكر» من البشر، لقول الله تعالى:
* «يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ»
ولقوله تعالى:
«وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً»
وكلمة «نِسْوَة» بكسر النون، جمع قلة يدل على العدد القليل من «النِسَاء»، وقد وردت الكلمة في آيتين فقط:
* «مَا بَالُ النُّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ»
* «وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ»
وكلمة «نَسْوَة» بفتح النون، مصدر «نَسا»، و«نَسّاء» صيغة مبالغة من نَسِيَ، أي كثير أو سريع النِّسيان.
ووردت كلمة «النَسَاء»، بفتح النون، بمعنى «التأَخير»، نَسَأَ الشيءَ يَنْسَؤُه نَسْأً وأَنْسَأَه، أي أَخَّره، والاسم النَّسِيئةُ والنَّسِيء.
ووردت كلمة «النَّسِيء»، بفتح النون، في القرآن مرة واحدة في «الآية ٣٧» من سورة التوبة، ردا على المشركين الذين كانوا يتلاعبون بالأشهر الحرم باستخدام ما يُعرف بـ «النَّسيء»، فنزل قوله تعالى:
«إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ»
فإذا بحثنا عن جذر كلمة «النِسَاء»، بكسر النون، وهو «نسو»، وجدنا أنها وردت تسعًا وخمسون «٥٩» مرة، لا تحمل مرة واحدة منها غير معنى جنس «النساء» المقابل لـ «الرجال»، منها عشرون «٢٠» في سورة سُمّيت بسورة «النِسَاء».
فمن أين نأتي لـ «محمد شحرور» بطوق نجاة ينقذه من أزمته الإلحادية وقد أغلق بيده جميع المنافذ التي تنقذه؟!
رابعًا:
إن كلمة «النِّساء» اسم جمع امرأة لا مفرد له تطلق على جنس «الإِناث»، ثم تأتي «القرائن» الدالة على التخصيص فتُبيّن المعنى المقصود.
فإذا قال الله تعالى:
«يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ»
نفهم أن «النساء» الأولى «أزواج النبي»، والثانية عموم «النساء» متزوجات وغير متزوجات.
فإذا ذهبنا إلى «الآية ١» من سورة النساء، وتدبرنا جملة:
* «وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً»
نعلم أن كلمة «النساء» جاءت في مقابل «الرجال».
وإذا تدبرنا «الآية ٢٣» وجملة:
* «وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ»
نعلم أن المقصود بكلمة «نِّسَآئِكُمُ» الربيبة، التي هي «بنت» زوج الرجل من رجل غيره، والتي يقوم بتربيتها وهي في حجره.
فإذا ذهبنا إلى الموضع الأخير، من المواضع الـ «٢٠» التي وردت فيها كلمة «النساء» في سورة «النساء»، وهو «الآية ١٧٦»:
* «وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ»
نجد أن «رِّجَالاً» جاءت مقابل «الذكر»، و«نِسَاءً» جاءت مقابل «الأنثى».
خامسًا:
لقد أصبح القرآن مرجع «الجهلاء»، وتسلية «البُلداء»، وفتنة «الملحدين»، وهذا ما أكده «محمد شحرور» بفهمه لكلمة «نِسَائِهِنَّ»، وقوله إنها تعني «الذكور»، وذلك في كتابه «الكتاب والقرآن»، حيث قال:
«فـ نِسَائِهِنَّ هنا يجب أن تكون من الذكور وليس من الإناث».
وكذلك في كتابه «نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي»، عند حديثه عن «محارم الزينة»، حيث قال:
«فنسائهن هنا يجب أن تكون من الذكور وليس من الإناث، ونون النسوة للتابعية فقط، كأن نقول كتبهن، بيوتهن، وهذا لا يمكن إلا إذا فهمنا النساء على أنها جمع (نَسيء) لا جمع امرأة…»
ثم أكد ذلك في الفيديو المرفق.
وهنا أتوقف عند قوله في الفقرة الأخيرة «ونون النسوة للتابعية فقط»، لبيان أن هذا الكلام لا يقبله إلا «مغفل»!!
لأن قول «شحرور»:
«إن نون النسوة الموجودة في كلمة نِسَائِهِنَّ للتابعية لا للجنس»
لا أصل له مطلقا إلا في قاموس الإلحاد، ذلك أن الإضافة في اللغة العربية لها قواعدها:
فكلمة «نِسَائِهِنَّ» إما أن تكون «نساء لَهُنَّ»، أي تابعين لهن، مثل الخدم، ولذلك عطف عليهن «وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ».
وإما تكون «نساء منهن»، أي من قرابتهن.
ولو أن «شحرور» وضع قوله تعالى «الآية ٣١» من سورة النور:
* «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ … أَوْ نِسَائِهِنَّ»
وتحته «الآية ٥٥» من سورة الأحزاب، وهي خطاب أيضا للنساء:
«لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ.. وَلَا نِسَائِهِنَّ»
ونظر إلى الآيتين، ثم تدبر سياق «الآية ٥٥» وقوله تعالى قبلها:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ .. وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ..»
لعلم أن سياق الآيات يتحدث عن آداب دخول بيوت النبي، وعن أحكام التعامل مع «نسائه»، وأن كلمة «وَلَا نِسَائِهِنَّ» جاءت مضافة إلى «المؤمنات»، لماذا؟!
لبيان أن الاستثناء من حكم «الحجاب» يشمل فقط المؤمنات، وأن «غير المؤمنة» تتعامل مع «نساء النبي» من وراء «حجاب».
إذن فبأي عقل، وبأي منطق، نفهم جملة «أَوْ نِسَائِهِنَّ» بمعنى «الذكور» وقد جاءت في سياق بيان الذين تظهر المرأة المؤمنة أمامهم بـ «لباسها الساتر»، وليس بـ «الخمار والجلباب»، وهن عموم النساء المؤمنات؟!
محمد السعيد مشتهري