ليس في أجندتي الفكرية الرد على ما يثيره الغلمان، غير العاقلين، إلا إذا تلفّظوا بكلمات تستحق الوقوف عندها!! ومما تلفظ به أحدهم، تعليقا على ما نشرته بالأمس، قوله: [اعتبارك أن المفسدين في الأرض هم من يأملون في إقامة الخلافة الإسلامية، فهذا دليل قطعي لكرهك للدين الإسلامي]…، فوجدتها فرصة لإلقاء بعض الضوء على مسألة “الخلافة الإسلامية”، التي يحلم بها “المغيّبون”، فأقول:
لقد كانت “الخلافة الإسلامية” سببا رئيسا في سفك دماء ملايين البشر، حتى سقطت على يد كمال أتاتورك، الذي ألغى نظام الخلافة، وأقام الجمهورية التركية، في 27 رجب 1342هـ، الموافق 3 مارس 1924م.
ولقد شاء الله تعالى ألا يكون نظام “الخلافة الإسلامية” مفصلا في القرآن الكريم، وترك للناس اختيار النظام الحاكم، بعد وفاة رسول الله، وحذرهم من أن تكون [الخلافة] سببا في الإفساد في الأرض وسفك الدماء، الأمر الذي جعل الملائكة تتوقف عندما قال الله لها: “إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً”، فقالت، بعد أن علمت أن [الخليفة] هو الذي يخلف غيره، مما قد يسبب صراعا على السلطة وسفكا للدماء: “أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ”؟!
ولم ينف الله تعالى أن [الخلافة] ممكن أن تكون سببا في الإفساد وسفك الدماء، ولكن بيّن أن هذا ممكن أن يحدث إذا لم تقم [الخلافة] على [العلم] والفهم الواعي لـ [سنة الاستخلاف]، لذلك جاءت الإجابة على الملائكة: “إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ”، ثم بعدها مباشرة: “وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا”، وعلى هذا الأساس، وما حمله آدم من [علم]، أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم.
إن [الخلافة] ابتلاء، فتدبر: “وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ” ــ “وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ” ــ “لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ”، أي أن [الخلافة] ابتلاء، كما أن [تفاوت الناس في الدرجات] ابتلاء.
فإذا ذهبنا إلى الابتلاء الذي واجه “الخلافة الإسلامية” نجد أنه لم يمر بسلام إلا في عصري الخليفة الأول: أبو بكر، والثاني: عمر بن الخطاب فقط، ثم بعد ذلك تحولت [الخلافة] إلى صراع على السلطة، وسفك للدماء بغير حق!! أي أن النموذج الأمثل لـ “الخلافة الإسلامية” لم يدم أكثر من ثلاث عشرة سنة!!
واقرؤوا لو سمحتم التاريخ، بداية بالمواقف التي تسببت في قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، مرورا بالفتوحات التي ادعوا أنها إسلامية، ثم أحلام الخلافة في أفغانستان والسودان، وأخيرا الحلم الذي لم يدم طويلا، حلم الجماعات الدينية التي حكمت مصر عاما كاملا، على حين غفلة من شعبها، والمسئولة أمام الله تعالى عن دماء كل من قتلوا خلال هذا العام، وإلى يومنا هذا، لا أستثني أحدا منها!!
أيها “الغلمان”، أيها “المغيّبون”…، يا من تعيشون في غرف “الرعاية المركزة”، غرف المذهبية والتقليد الأعمى، يكفيكم أن الله تعالى لم يمكن لكم دينكم المفترى عليه وعلى رسوله قرونا من الزمن!! ثم أية خلافة إسلامية هذه التي تحلمون بإقامتها، وأنتم تشركون بالله ما لم ينزل به سلطانا؟!!
* “قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ”.