كلمة في المنهج
لقد حمل المسلمون «كلام الله» قرونا من الزمن، لم يستطيعوا خلالها خلع ثوب «تدينهم المذهبي»، والسير نحو «إسلام الرسول»، وظلوا على حالهم من «التفرق في الدين» إلى يومنا هذا، كلٌ يتبع «المفكر الإسلامي» الذي يُريح قلبه.
فإذا نظرنا إلى حكاية «راحة القلوب» وجدناها مسألة نسبية، تحتاج إلى ضوابط منهجية علمية، يستطيع المسلم عن طريقها أن يقرر هل سيظل تابعًا مقلدًا أم سيكون فقيهًا مُبْدِعًا.
ولا أقصد بكلمة «الفقه»، في قولي «فقيهًا مُبْدِعًا»، المصطلح التراثي المذهبي، وإنما أقصد المعنى الوارد في قوله تعالى:
«قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ»
وفي قوله تعالى:
«لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا»
وبمناسبة قولي:
«كلٌ يتبع المفكر الإسلامي الذي يُريح قلبه»
سألني أحد الأصدقاء، تعقيبا على المنشور السابق وقولي:
«وظل فقه التابع والمتبوع، والرعية والراعي، هو الحاكم لمعيشتهم الدينية وغير الدينية»
قال: أليس أصدقاء هذه الصفحة «تابعين» لـ «متبوع» هو أنت؟!
قلت: لقد رفضت أن أكون «متبوعًا» أربعة عقود، وكنت دائما أدعو المسلمين أن يكونوا علماء في فهم وتدبر القرآن.
ويجب أن نفرق بين تعلم «التابع» من مُعلّم «متبوع» على صعيد المجالات العلمية المختلفة، وعلى مستوى مراحل التعليم المختلفة، وبين «التدين المذموم» القائم على فقه التابع «المعاصر» والمتبوع «السلفي»!!
إن كل البشر، من لدن آدم عليه السلام، كانوا تابعين للذين علّموهم كيف يقرؤون وكيف يكتبون، بل و«التواصل المعرفي» قائم على منظومة «التعليم والتعلم»، والله تعالى يقول:
«مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ»
«ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ»
«وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ»
«وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ»
إن الإنسان عندما يبلغ النكاح ويكتمل رشده، من المفترض أن تقوم البيئة والمجتمع الذي نشأ فيه، بتعليمه كيف يكون مبدعًا، وليس تابعًا مقلدًا، وهذا «ما يجب أن يكون»، ولكن «ليس كائنًا»!!
وأنا «المتبوع» مهمتي أن أبيّن للناس «التابعين» حقائق «دين الإسلام»، وأقصد بكلمة «أبيّن» إظهار هذه الحقائق للناس من خلال نصوص «الآية العقلية القرآنية».
ثم تأتي مهمة «المتبوعين» بتفعيل آليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه..، أي آليات عمل القلب، عند دراستهم لما أكتب، ثم لا يكتفون بهذه الدراسة، وإنما يُعَلّمُون الناس ما تعلّموا.
* «إن الاتباع آلية للإبداع وليس للابتداع – محمد مشتهري»
أولًا:
لقد كان لغياب البيئة الصالحة وتفكك المجتمع الإيماني وذهاب التقدم العلمي بلا رجعة، أثره الكبير في ظهور التوجهات الدينية العقدية المختلفة التي نراها اليوم على ساحة الفكر الإسلامي!!
إن الإنسان عندما يبلغ النكاح ويكتمل رشده، يصبح على المجتمع الذي نشأ فيه أن يقوم بإعداده ليكون مبدعًا وليس تابعًا مقلدًا، وهذا «ما يجب أن يكون».
ولكن «ما يجب أن يكون» هذا، لم يكن كائنًا في حياة المسلمين قرونا من الزمن، فماذا كانت النتيجة؟!
ثانيًا:
لقد كانت نتيجة «الاتباع» المذهبي لأئمة سلف الفرق الإسلامية «المتبوعين» أن أصبحت منابر الدعوة الإسلامية في يد هؤلاء الأئمة، كلٌ حسب الفرقة والمذهب العقدي الذي ينتمي إليه!!
فكم عدد أئمة كل فرقة بالنسبة إلى عدد أتباعها؟!
إن النسبة لا تكاد تذكر، الأمر الذي أسفر عن مصيبة عقدية علمية كبرى أصابت الأتباع، فانقسموا إلى:
١- عَوَام، لا يعلمون أن هذه القرآن يحمل «الآية العقلية القرآنية» الدالة على صدق رسول الله محمد، ولا يعلمون المنهجية العلمية في التعامل مع نصوص هذه «الآية القرآنية»، فأذهانهم خالية تماما من أي معلومة عن القرآن إلا ما وجدوا عليه أباءهم.
٢- جُهّال كالعوام، إلا أنهم أضافوا إلى جهلهم معلومات مغلوطة تحتاج أن تصحح أولًا.
٣- أهل الأهواء والشهوات، الذين وجدوا في الخلافات العقدية والتشريعية بين الفرق الإسلامية فرصة لهدم «التراث الديني»، كلٌ حسب الفرقة التي ولد فيها.
ووجدوها فرصة للخروج على المسلمين بقراءات جديدة لأحكام القرآن، تضع عنهم أغلال السلفية التي كانت عليهم، وتهدم في الوقت نفسه هذه الأحكام!!
ولقد وجد أعداء الإسلام هذه القراءات الجديدة فرصة للنيل من «دين الإسلام» والإلحاد في «أحكام القرآن»، فقاموا بتشجيع وتأييد:
– «الجُهّال»
– «أهل الأهواء والشهوات»
وفتحوا لهم أبواب «وسائل الإعلام» على مصراعيها، واحتفت بهم منظمات الإلحاد العالمية، وقامت بتمويلهم والدعاية لبرامجهم الفضائية.
ثالثًا:
لقد ظهر نجم الملحدين في أحكام القرآن في عصر تغييب الوعي الديني، والتطبيع مع المنظمات الإلحادية التي تدعو إلى الإسلام المدني الديمقراطي ليكون بديلا لـ «دين الإسلام».
لقد ظهر نجم الملحدين في أحكام القرآن في عصر «الشرق الأوسط الجديد»، عصر إعداد أجيال ترضخ للمناهج التي تضعها المنظمات الإلحادية لمحو الهوية الإسلامية من على الأرض!!
فما الذي فعلته هذه المنظمات الإلحادية؟!
١- لقد بدأت، منذ عقود مضت، مرحلة التشكيك في بعض المسائل الفقيهة، كمسألة «تعدد الزوجات»، و«الجزية»، و«الردة».
٢- ثم انتقلت إلى مرحلة التشكيك في الثوابت التي يقدسها أتباع الفرق الإسلامية، كـ «حجية السُنّة» و«علوم القرآن».
٣- ثم جاءت مرحلة الإتيان بـ «دين جديد» يهدم كل أحكام القرآن من قواعدها، ويفتح باب الشهوات والعلاقات الجنسية وإظهار عورات النساء على مصراعيه.
وخير شاهد على ذلك هم أنفسهم، فقد أعلنوا صراحة أنهم يتبعون المنهجية المادية الإلحادية الماركسية والتي تسمى بـ «الحركة الجدلية الداخلية».
وفي إطار التفسير المادي الماركسي للكون، ذهب الملحدون إلى القرآن يبحثون فيه عن شيء يستندون إليه لإثبات شرعية وحجية هذه «الحركة الجدلية الداخلية»، فإذا بهم يكتشفون إنه «التسبيح»:
«وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»
«أَفَلا تَعْقِلُونَ»؟!
محمد السعيد مشتهري