«لماذا هَجَرَ المسلمون كلام الله واتبعوا كلام البشر»؟!
تمهيد
لقد انحرف أتباع عيسى، عليه السلام، عن رسالته، وأشركوا بالله ما لم يُنزّل به سلطانًا، ويسأله الله يوم القيامة:
«أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ»
ويجيب عيسى عليه السلام:
«مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»
ولقد توفي رسول الله محمد، كما توفي عيسى، ويسأله الله يوم القيامة كما سأل عيسى، عليهما السلام:
أأنت قلت للذين اتبعوك تفرّقوا في «دين الإسلام» إلى فرق ومذاهب عقدية وفقهية متخاصمة، يُكفر بعضها بعضًا، ويقاتل بعضها بعضًا؟!
ويجيب رسول الله محمد كما أجاب عيسى:
«مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ»:
* «… وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ . مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
«فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ»
والسؤال:
لماذا استمرت فتنة «التفرق في الدين» إلى يومنا هذا، والقرآن موجود في بيت مليارين مسلم، يحمل أكثر من آية تحذرهم من الوقوع في هذه الفتنة؟!
أولًا:
يقول الله تعالى:
* «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ»
* «أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ..»
لقد انقلب المسلمون على أعقابهم بعد موت رسول الله محمد، بسبب أحداث أشعلت الحروب الأهلية بينهم، وفرّقت أمتهم إلى فرق ومذاهب عقدية وفقهية متخاصمة، يُكفّر بعضها بعضًا، ويقاتل بعضها بعضا.
ولم يستطع المسلمون الوقوف على قلب رجل واحد لإعادة الخيرية لأمتهم، واستمروا على تفرقهم وتخاصمهم وتقاتلهم، وانحرفوا عن صراط الله المستقيم، الأمر الذي اقتضى معالجة شرعية لهذه الأزمة «العقدية»، حتى لا يتهم أحد صحابة رسول الله بالردة والانقلاب على الأعقاب!!
ولقد وجدها الشيطان الرجيم فرصة، لن تعوض، لإبعاد المسلمين عن القرآن، بل وهجره، فأوحى إليهم بوجوب التمسك بتفرقهم وبكياناتهم المذهبية، وأن تتخذ كل فرقة مصدرًا ثانيًا للتشريع يكون حاكمًا على فهم وتدبر القرآن!!
لقد نجح الشيطان في تفعيل «هجر القرآن» في حياة المسلمين، ويوم القيامة يسمعون رسولهم وهو يقول لربه:
* «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً»
وقد سبق هذه الآية قوله تعالى:
* «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً»
* «يَا وَيْلَتا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً»
* «لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً»
ثانيًا:
لقد أصبح أتباع كل فرقة يعيشون داخل منظومة اسمها منظومة «التفرق في الدين» الشيطانية، وظلوا على هذا الحال أربعة عشر قرنًا، وكل فرقة تعتقد أنها «الفرقة الناجية» المتبعة لـ «السنة النبوية»!!
فهل عندما يريد الأبناء إصلاح ما أفسده الآباء، والعودة إلى ما كان عليه رسول الله وصحبه الذين رضي الله عنهم، قبل عصر «الفتن الكبرى»، والتبرؤ من هذه المنظومة الشيطانية، منظومة «التفرق في الدين».
هل يَظلّون داخل هذه المنظومة، يستمتعون بحياتهم ومعيشتهم، وبترفهم الفكري، ويكتفون بكتابة الكتب، وتسجيل البرامج الدينية الفضائية، ويدعون المسلمين إلى تنقية وغَرْبلة تراثهم الديني، كلٌ حسب الفرقة التي ولد فيها؟!
أم أن عليهم خلع ثوب هذه المنظومة الشيطانية، والسير نحو «إسلام الرسول»، ولا يستمعون لوحي الشيطان الذي يأمرهم بالتمسك بتراثهم الديني بدعوى نقده ونقضه وبيان أباطيله!!
وهنا لنا وقفة مع هذه المنظومة الشيطانية، منظومة «التفرق في الدين».
لقد ظل المسلمون منذ تفرقهم في الدين إلي مذاهب عقدية وفقهية، وإلى يومنا هذا، تابعين لمتبوعين هم أئمة مذاهبهم المختلفة، وظل «فقه التابع والمتبوع، والرعية والراعي» هو الحاكم لمعيشتهم الدينية وغير الدينية، والله تعالى يقول:
* «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى»
* «قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً»
* «قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى»
فلا تسألني:
لماذا يعيش المسلمون معيشة ضنكا، في بيوتهم، ومع أولادهم، وفي أعمالهم؟!
ثالثًا:
لقد ظلت منظومة «فقه التابع والمتبوع، والرعية والراعي» تحكم حياة المسلمين أربعة عشر قرنا، سواء كان «الراعي المتبوع» من:
– أئمة سلف الفرق الإسلامية المختلفة.
– أم من أهل «القرآن وكفى».
– أم من أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة والتنويرية!!
فانظروا وأحصوا عدد نجوم هذه التوجهات الدينية المختلفة، بالنسبة إلى المليارين مسلم، وأنتم تدركون حجم مأساة «الراعي المتبوع» وأثرها على تغييب وعي الإنسان وقدرته على الإبداع!!
نعيب على التراثيّين لأنهم يقلّدون أئمة السلف بغير علم، ولم يسلم من نفس العيب «الرعية التابعون» لجميع التوجهات الدينية «غير السلفية»، وانظروا إلى صفحاتهم وحساباتهم وأنتم تقفون على حقيقة هذه الأزمة التراثية التنويرية!!
لقد ظل كتاب الله، القرآن الكريم، بين أيدي المسلمين منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا، ولم يستطع «كلام الله» أن يمنع حدوث «الفتن الكبرى»، ولا أن يمنع المسلمين من «التفرق في الدين»، ولا أن يجعلهم «وليس بعضهم» علماء في فهم آياته وتفعيلها في حياتهم سلوكًا عمليًا وعملًا صالحًا.
فإلى متى سيظل المسلمون تابعين لقلة من المفكرين، ينتظرون منهم الجديد، ثم يسجّلون إعجابهم به، ويصفّقون لهم لا لأنهم يحملون لهم علمًا، وإنما لأنهم جاؤوا بما يوافق هواهم، لأن «العالم» يُبدع ولا يكون تابعًا مقلدًا أبدًا؟!
ولذلك لا تسألني:
لماذا استطاع «كلام البشر»، السلفي والجهادي والصوفي والعصري والتنويري، أن يُغيّر تدين المسلمين إلى أقصى درجة من التطرف وسفك الدماء بغير حق، بدعوى إقامة الخلافة الإسلامية!!
وإلى أقصى درجة من التحلل وإباحة كشف عورات النساء والعلاقات الجنسية الشاذة، بدعوى أن الله لم ينص على تحريم ذلك!!
محمد السعيد مشتهري