أولًا:
أنا لا أفتي، حسب مشروعي الفكري، في مسألة علمية تتعلق بآيات الآفاق والأنفس، إلا بعد دراستها دراسة علمية جادة، وسؤال أهل التخصص عنها.
ثانيًا:
ويعلم أهل التخصص الطبي، أن دم حيض المرأة يختلف عن أي دم آخر يخرج من أي مكان في جسم الإنسان.
ثالثًا:
وعندما نريد استنباط حكم من أحكام الشريعة، يجب أن ننتبه ليس فقط إلى ذات الحكم، وإنما أيضا إلى «علة» الحل أو الحرمة.
فعندما تكون «علة» التحريم بسبب الأضرار الصحية، يجب أن في نضع هذه «العلة» في اعتبارنا، لأنها تنسحب على كل ما اشترك مع «ذات الحكم» في نفس «العلة».
رابعًا:
فما «علة» تحريم إتيان النساء في «الْمَحِيضِ»، ولماذا لم يقل الله تعالى «فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْحَيضِ»، وليس في «الْمَحِيضِ»؟!
١- الْمَحِيضِ:
مصدر «حيض»، فهو لا يتعلق فقط بـ «الدم»، ولا بـ «المكان»، وإنما بـ «الأسباب» التي أدت إلى وجود هذا الدم في هذا المكان.
فمثلا: عندما نسأل عن «مَبِيت» إنسان ونقول أين «بَاتَ»؟!
يجب أن نعلم أن «الْمَبِيت» مصدر «بَاَتَ»، فنحن إما نسأل:
١- عن الفعل نفسه: بَاتَ يفعل كذا، ولابد أن يكون الفعل ليلًا.
٢- عن مكان المبيت: بَاَتَ الرجل في بيته، أو على سريره.
٣- عن أسباب المبيت: أدركه «الليل» في مكان فـ «بَاَتَ» فيه.
ولقد ذكرت هذا المثال لبيان أن اختيار كلمة «الْمَحِيضِ» في هذا السياق من «الأساليب البلاغية» التي يمكن أن يجهلها «أهل التخصص الطبي» لذلك لزم لفت نظرهم إليها.
إذن فـ «الأذى» لا يتعلق فقط بـ «دم الحيض»، ولا بـ «مكان الحيض» ولا بـ «أسباب الحيض»، وإنما بـ «الْمَحِيضِ»، أي بمنظومة «إيذاء مرضية» متكاملة:
* «أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»
خامسًا:
من أجل ذلك قدّم الله تعالى العلة «قُلْ هُوَ أَذًى» على الحكم «فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ … وَلا تَقْرَبُوهُنَّ».
إن هذا النهي «وَلا تَقْرَبُوهُنَّ» يُسمى «نهي تحريم».
ولم يستخدم كلمة «الإيتاء» فقال تعالى «وَلا تَأتوهُنَّ»، كما ذكر بعدها «فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ»، وذلك لبيان أن «الأذى» لا يتعلق فقط بسيلان «الدم» و«مكانه»، وإنما بمنظومة من الضرر «المادي»، و«النفسي» تعيشها المرأة خلال فترة «المحيض».
وليس معنى قوله تعالى:
* «فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ»
أن «الأذى» كان يتعلق فقط بالدم ومكانه، وأن «دم الحيض» ينتج عن تخلص جدار الرحم من البطانة المعدة للإخصاب، وأن اختلاف شكله عن الدم العادي بسبب أنه يحمل بقايا الغشاء المخاطي الذي كان معدًا لاحتضان البويضة إذا تم تخصيبها.
وإنما المقصود من هذه الجملة القرآنية بيان:
أن توقف «الدم» معناه توقف «منظومة الأذى» المتكاملة، التي قد لا تشعر بها المرأة، والتي قد يعتبرها بعض الأطباء ليست بهذه الصورة التي صوّرتها بلاغة الجملة القرآنية.
ومما أثبتته معامل المراكز العلمية المتخصصة فيما يتعلق بـ «منظومة الأذى المتكاملة»، وطبعا ليس على سبيل الحصر:
١- إتيان النساء أثناء فترة الحيض يساهم في انتشار الكثير من الأمراض الجنسية المعدية، للزوجين، بسبب انتشار بعض البكتريا الضارة في هذه الفترة.
٢- إن الغشاء المبطن لرحم المرأة يكون محتقنًا في فترة الحيض، وتسقط منه قطع شوهدت بفحص دم الحيض تحت المجهر، فهو بيئة خصبة تتكاثر فيها الميكروبات.
٣- إذا تكاثرت الميكروبات واشتدت الالتهابات، فإنها تمتد إلى الشعيرات الداخلية التي تقوم بدفع البويضة من المبيض إلى الرحم، الأمر الذي قد يسبب عقما أو حملا خارج الرحم.
٤- أثناء فترة الحيض يقل إفراز «المهبل» للحامض وللمواد المطهرة التي تقتل البكتريا، ولذلك فهو يكون في أدنى درجات مقاومته لتكاثرها.
٥- إن فترة الحيض فترة نزيف دموي مستمر، يكون فيها الرحم، والأجهزة التناسلية في حالة «مرضية»، لذلك فإن إتيان الرجل زوجه أثناء فترة الحيض يساعد على إدخال ميكروبات جديدة عن طريق عضوه الذكري إلى مكان لا يستطيع مقاومتها، بل وسيساعد على نموها وتكاثرها.
٦- عند إتيان النساء أثناء فترة الحيض، تنمو في قناة مجرى البول لدى الرجل، الميكروبات السبحية والعنقودية، ثم تنتقل إلى البروستاتا والمثانة، وسرعان ما تنتقل إلى الكلى، الأمر الذي يُعرض الرجل إلى التهاب مزمن في البروستاتا والكلى.
٧- يفقد «الرحم» الحماية الطبيعية أثناء فترة الحيض، بسبب إفراز السدة المخاطية التي تقفل عنق الرحم ونزولها من دم الحيض، وتعادل حامضية المهبل مع قلوية دم الحيض، وانعدام الحركة الهدبية نتيجة لتمزق الغشاء المخاطي المبطن للرحم.
٨- إن «الأيض» الذي يعرفه الأطباء، وهو العمليات الحيوية التي تحدث داخل الجسم وتعمل على تفكيك المواد الغذائية وتحويلها إلى طاقة، يكون في أدنى مستوى له أثناء الحيض، الأمر الذي يقلل من إنتاج الطاقة وعمليات التمثيل الغذائي.
ثم يأتي فقهاء «القراءات المعاصرة والمستنيرة»، ويضيفون إلى المرأة «أذًا جديدًا» بحرمانها من الطعام والشراب في رمضان!!
«أَفَلا تَعْقِلُونَ»؟!
وبناء على ما سبق بيانه، أقول:
إن أي امرأة مؤمنة مسلمة عليها أن تتدبر جيدًا قوله تعالى:
«وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ»
وتعلم أنها تتعدي حدود الله إن صامت وهي «حائض».
محمد السعيد مشتهري