بناء على طلب: الصديق Ghalib Alrwaily
————————————
* الملاحظات الشكلية:
افتقاد المنهجية العلمية المتبعة في المناظرات، والتي يجب أن تكون واضحة ومعلنة قبل أن تبدأ المناظرة، وفي مقدمتها:
١- تحديد معاني المصطلحات الرئيسة المستخدمة والإعلان عنها.
٢- تحديد المراجع المتفق عليها المتعلقة بموضوع المناظرة.
٣- عدم الخروج عن موضوع المناظرة مهما كانت الأسباب.
٤- وهو الأهم:
أن يكون لعنوان المناظرة واقع حقيقي في الحوار بين الطرفين، وهو الأمر الذي غاب عنها، ذلك أن الصحيح، حسب أصول البحث العلمي، أن يكون عنوان المناظرة:
«مصادر التشريع عند فرقة أهل السنة والجماعة»
وليس:
«مصادر التشريع الإسلامي»!!
ولا يستخدم مصطلح «الفكر الإسلامي» مطلقًا خلال المناظرة.
# أنا شخصيا لو كنت عضوًا في إدارة هذه المناظرة ما تمت أصلا، وما بدأت!!
* الملاحظات الموضوعية:
أولًا:
عندما نتحدث عن «مصادر التشريع»، عند أي فرقة من الفرق الإسلامية، فهذا معناه أننا نتحدث عما يُسمى في أصول البحث العلمي بـ «الحُجَّة».
و«الحُجَّة» هي البرهان على صحة نسبة الشيء إلى صاحبه، كقولنا فلان يملك «حُجَّة» ملكية الأرض، أي ما يُثبت حق انتقال الملكية إليه.
ونحن عندما نقول إن القرآن «حُجَّة الله» على العالمين، لا نقول هذا إلا إذا كنا نملك البراهين «قطعية الدلالة» على صحة نسبة هذا القرآن إلى «الله تعالى» وليس إلى «رسول الله».
# وبرهان ذلك تشهد به كل ذرة من ذرات الكون.
ثانيًا:
وعندما نقول إن نصوص «السّنْة النبوية» حُجَّة «الله» على «المسلمين» يجب أن نملك البراهين «قطعية الدلالة» على صحة نسبة هذه النصوص إلى «الله» وليس إلى «الرسول».
# وهذه «البراهين» لا وجود لها أصلًا على أرض الواقع.
ثالثًا:
فإذا قلنا إن نصوص «السّنْة النبوية» حُجَّة «الرسول» على «المسلمين» يجب أن نملك البراهين «قطعية الدلالة» على صحة نسبة هذه النصوص إلى «الرسول» وليس إلى «المُحَدّثين».
وإن صحة نسبة النص إلى «الرسول» مباشرة، لا تحتاج إلى ما يُعرف بـ «السند الروائي»، أي لا تحتاج أن نقول:
«روى فلان عن فلان عن فلان … أن الرسول قال»!!
وإنما نقول «قال رسول الله» دون أن نسند قوله بقول الرواة والمحدثين وعلماء الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف!!
الأمر الذي يستحيل أن يتحقق إلا إذا دوّن الرسول «أحاديثه» في حياته، وحملت الأجيال كتاب «أحاديث النبي» كما حملت «كتاب الله».
فنقول «قال رسول الله» دون سند روائي، تماما كما نقول «قال الله تعالى».
والذين قالوا إن «كلام النبي» وصلنا بـ «الرواية» كما وصلنا «كلام الله» بـ «الرواية»، هؤلاء كفروا بالله وبالنبي وبالقرآن.
# وبرهان ذلك:
أنك لن تجد «سندًا روائيًا» يسبق الآيات، وإنما ستجده في كتب «المرويات»، ويستحيل أن تروى رواية دون ذكر سندها الروائي.
ثالثًا:
لا يصح مناقشة موضوع «الحُجَّة» خلال المناظرة كلها، لأن موضوع المناظرة ليس عن «حجية مصادر التشريع»!!
صحيح عندما نتكلم عن موضوع «مصادر التشريع» تكون «الحُجَّة» فصلًا من فصوله، ولكن ليس كل الفصول!!
فإذا اتفقنا على «الحُجَّة» استكملنا مناقشة الموضوع، وإلا توقفنا وأنهينا المناظرة من أول جلسة.
أن افتقاد المناظرة لما سبق بيانه، جعل من يتابعها، ممن يعلمون أصول المناظرات العلمية، يستطيع وصفها بـ «العشوائية الفكرية»، ومن البراهين على هذه «العشوائية»:
١- القول بأننا في حاجة للاستفادة مما ورد عن النبي، في جميع المجالات، ولكن لا نجعله مصدرًا مستقلًا وموازيًا لكتاب الله، بدعوى أن ما ورد هذا مقيد باختلاف الزمان والمكان!!
# تماما كأصحاب بدعة نأخذ من «المرويات» ما يوافق القرآن!!
الحقيقة شيء عجيب وغريب!!
لقد مضى على هذه «المرويات» قرون من الزمن، فما وجه الاستفادة منها، طالما أن الزمان والمكان اختلفا؟!
ثم إن كانت توافق القرآن، فما الذي يدعوك أن تشرك بالله باتباع مصدر ما أنزل الله به من سلطان، والله تعالى يقول:
«أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
٢- عندما يؤمن أحد أطراف المناظرة بأن آيات القرآن «قطعية الدلالة قطعية الثبوت»، ثم يساوي بينها وبين:
كتب المرويات، وأمهات كتب التفسير، واجتهادات العلماء عبر التاريخ الإسلامي.
هنا يصبح القول بأن آيات القرآن «قطعية الدلالة قطعية الثبوت» لا محل له من الإعراب، وكان على الطرف الآخر أن يعلن انسحابه بسبب عدم الاتفاق على حُجْيّة «مصادر التشريع»!!
رابعًا:
عندما نتحدث عن «حُجْيّة» أحكام القرآن، من صلاة وزكاة وصوم وحج..، يجب أن تُستمد هذه «الحُجْيّة» من حجية المصدر التشريعي الذي يحملها.
١- فهل ثبتت حجية أمهات كتب «المرويات»، وصحة نسبتها إلى الله تعالى، أو إلى رسوله، حتى يستند إليها أحد أطراف المناظرة؟!
# لم تثبت!!
٢- هل ما حملته «منظومة التواصل المعرفي» من كيفيات أداء ما «أجمله» النص القرآني من أحكام الشريعة، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا، له علاقة بما دونه المحدثون في عصر التدوين؟!
# لا علاقة بينهما.
إلا أن المحدثين نقلوا في كتبهم عن الرواة ما كان يفعله المسلمون على أرض الواقع، من قبل أو يولد المحدثون أصلا!!
والموضوع مفصل على موقعي بعنوان «منظومة التواصل المعرفي».
٣- عندما نعترض على حجية كلمة «السُنّة»، ونقول إن الله عَلّم رسوله «الحكمة» وليس «السُنّة»، ونستند في ذلك إلى آيات «التعليم»:
«وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ»
وليس إلى آيات «الوحي المنزل»
نكون قد وقعنا في خطأ منهجي كبير!!
فإذا تدبرنا سياق الآيات «من ٢٢ إلى ٣٩» من سورة الإسراء، والمتعلقة بأحكام الشريعة، نجد أن الله يقول في «الآية ٣٩»:
* «ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ الْحِكْمَةِ..»
أي أن ما سبق ذكره من آيات قرآنية هو «الحكمة».
وهنا نعلم أن «الحكمة» صفة من صفات «الكتاب»، وليست مصدرًا تشريعيًا مستقلًا عنه.
خامسًا:
عندما تناقش بدعة «تفسير القرآن بالقرآن» في مناظرة علمية، ويقبل الطرفان أن يستمر الحوار بينهما حول هذه «البدعة»، أمر مؤسف للغاية!!
١- إن «القرآن» لا يحمل غير «كلام الله»، أما «مُسمّى» كل كلمة من «كلمات الله» فموجود خارج القرآن، وليس بداخله، هو ما أسميه بـ «المقابل الكوني».
فهل يمكن فهم «الكلمة» بمعزل عن «مُسمّاها»؟!
إذن فيا أيها العقلاء:
كيف نُفِسّر «القرآن» من داخل «القرآن»؟!
٢- إن إقحام «اللسان العربي»، وعلاقته بـ «اللغة العربية»، والفرق بين «التطابق»، و«الترادف»، في مناظرة علمية عن «مصادر التشريع»، لا محل له من الإعراب!!
وهذه من سمات «العشوائية الفكرية»، أن تتفرع موضوعات ثانوية عن الموضوع الأساس، ثم تتفرع من الفروع فروع أخرى..، وهكذا!!
سادسًا:
إن بدعة «القص واللصق»، التي يستخدمها معظم المفكرين الإسلاميين، عند تعاملهم مع القرآن، واستقطاع الآيات من سياقاتها، مسألة لا علاقة لها بأمر الله بـ «تدبر القرآن»!!
١- عندما تستدل على «حُجْيّة» مرويات المحدثين بقوله تعالى:
* «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»
ولا ننتبه إلى توجيه «الضمائر» في «يُحَكِّمُوكَ – قَضَيْتَ»، ونضع مكانها «يُحَكِّمُون المُحدثين»، وما قضى به «علماء الجرح والتعديل»، طبعا حسب «كل مدرسة» من مدارس «كل فرقة».
٢- ولا ننتبه إلى أن جميع الآيات التي تأمر بـ «طاعة الرسول» تخاطب فقط المعاصرين للرسول، الذين تتحقق فيهم شروط «الطاعة» ومنها «السماع» من الرسول مباشرة، كقوله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ»
* «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ»
لأنه لا يعقل أن يأمر الله المسلمين «السُنّة» بطاعة المحدثين من «أهل السنة»، ويأمر المسلمين «الشيعة» بطاعة المحدثين من «الشيعة»!!
«أَفَلا تَعْقِلُونَ»؟!
٣- ومن منطلق بدعة «القص واللصق»، نسمع دائما الاستدلال بقوله تعالى «الآية ٤٤» من سورة النحل:
«.. وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»
ويستحيل أن يستند إلى هذه الآية، مؤمن مسلم تدبر القرآن ولو مرة واحدة، لإثبات «حُجْيّة» مرويات المحدثين، للفرق الإسلامية المختلفة!!
إن كلمة «الناس» تعود إلى الذين اختلفوا على «نبوة» رسول الله محمد، والسابق ذكرهم في قوله تعالى «الآية ٣٩»:
* «لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ»
والتالي ذكرهم في «الآية ٦٤» من نفس السورة:
* «وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»
فيا أيها العقلاء:
إن الله تعالى لا يخاطب بهذه الآيات «الذين آمنوا» برسول الله، حتى نستدل بها على «حُجْيّة» مصدر تشريعي ما أنزل الله به من سلطان، وإنما يخاطب «المكذبين»!!
# لذلك أقول:
إن الذين لا ينتبهون إلى ما سبق بيانه لا يحق لهم التعامل مع القرآن «أصلًا»!!
محمد السعيد مشتهري
رابط المناظرة
https://www.facebook.com/groups/837899996359388/permalink/1043584552457597/