نحو إسلام الرسول

(1113) 11/5/2018 «القواصم» التي قصمت ظهر القراءة المعاصرة لـ «تعدد الأزواج»

أولا:

يقول «د.م. محمد شحرور»:

[إن الله تعالى يقول:

«وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا»

وفي الآية التي تسبقها يتحدث عن اليتامى ويأمر الناس بإيتائهم أموالهم، ثم يتابع حديثه ليأمرهم بأن يتزوجوا أمهاتهم «الأرامل» في حالة الخوف من القسط فيهم].

# القاصمة «١»:

إن «شحرور» يفتري على الله الكذب بقوله:

«بأن يتزوجوا أمهاتهم الأرامل»

صحيح الآية التي سبقتها تأمر الناس بإيتاء اليتامى أموالهم، ولكن ما علاقة ذلك، وما علاقة الخوف من عدم القسط في إيتاء اليتامى أموالهم «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى» بالفعل «فَانكِحُوا»؟!

إن الله لم يذكر في سياق فعل الأمر «فَانكِحُوا» كلمة «يتامى»، ولا «يتامى النساء»، وإنما قال:

«مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ»

وقد وردت «يتامى النساء» في نفس السورة «الآية ١٢٧»؟!

ثانيًا:

يقول «شحرور»:

[إذا هناك شرطان للتعددية:

الأول: أن تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أرملة ذات أولاد.

الثاني: أن يتحقق الخوف من عدم الإقساط إلى اليتامى.

# أقول:

ما قام على باطل فهو باطل.

ثالثًا:

يقول «شحرور»:

[والله تعالى أمر بإعفاء الرجل من المهر والصداق حين الزواج من أمهات اليتامى].

ويستدل على ذلك بقوله تعالى:

«وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً»

# القاصمة «٢»:

إن «شحرور» لا يملك حتى القدر الأدنى لتدبر السياق!!

إن قوله تعالى:

«اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ»

خطاب للذين يأخذون أموال اليتامى ظلما، ويريدون نكاح «اليتيمات» دون إعطائهن ما كتب الله لهنّ من مهر وصداق.

ولاحظ أنه لا يوجد ذكر مطلقا لـ «أمهات اليتامى الأرامل»!!

فنزلت الآية بتحريم ذلك، وليس لـ «إعفاء الرجل من المهر والصداق» كما يدّعي «شحرور»!!

والسؤال:

هل المفروض، عند إرادة نكاح «اليتيمات» أو نكاح أمهاتهم، أن يضاعف الرجال لهن «المهر والصداق» أضعافًا مضاعفة، أم أن ينكحوهن من غير مهر ولا صداق؟!

«أَفَلا تَعْقِلُونَ»؟!

رابعًا:

يقول «شحرور»:

[والنساء هنا جمع امرأة أي الأنثى التي بلغت النكاح، أي لا يصح القول إن يتامى النساء هي النساء اليتيمات، واليتيم يسقط حكماً مع بلوغ سن النكاح].

ويستدل على ذلك بقوله تعالى:

«وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا..»

# القاصمة «٣»:

على صفحته، وتحت عنوان «التعددية الزوجية»، يقول «شحرور»:

«اليتيم في اللسان العربي، وفي التنزيل، هو القاصر، ذكراً أو أنثى، دون سن البلوغ، الذي فقد أباه ومازالت أمه حية»

# أقول:

وبصرف النظر عن الآيات التي استدل بها، والتي لا تحمل دليلًا واحدا على أنها نزلت لبيان معنى «اليتيم» الذي كان يعلمه العرب قبل نزول القرآن.

فإن الذي يهمني هو بيان معنى «اليتيم»، بوجه عام، في اللسان العربي وفي السياق القرآني، دون استقطاع المعنى الذي يخدم هواي كما فعل «شحرور».

إن «اليُتم» معناه «الانفراد»، وأصله «الغَفْلَة»، وسُمِّيَ «اليتيمُ» «يتيمًا» لأن الناس يتغافلون عن بِرَّه.

و«الْيَتيم» من فقد أباه، ويُقال لمن فقد أمَّه «مُنقطع»، ومن فقد أباه وأمه معاً فهو «لطيم».

ويشمل «اليُتم» الصغار والكبار لبقاء صفة «الانفراد» عن الآباء، فيظل «اليتيم» حاملًا لهذا الاسم، وإن استغنى بنفسه عن كافل يكفله، أو عن قيّم يقوم بأمره.

وهذا ما بينه السياق القرآني بقوله تعالى «الآية ٢» من سورة النساء:

* «وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ»

لقد سمّاهم الله «يتامى»، وقد بلغوا النكاح واكتمل رشدهم، وأخذوا أموالهم من الأوصياء!!

وهذا ما بينه الله بعد ذلك بقوله تعالى «الآية ٦»:

* «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا..»

فمن أين جاء «شحرور» بأن هذه الآية دليل على زوال صفة «اليُتم» عن «اليتيم» بعد بلوغه النكاح؟!

إن صفة «اليُتم» لم تكن بسبب وجود «وصي» يحتفظ بأموال «اليتيم» حتى يبلغ النكاح ويكتمل رشده!!

إن صفة «اليُتم» أطلقت استنادًا إلى معنى «الانفراد»، الذي لن يستطيع «اليتيم» التخلص منه، ولو كان من أصحاب عجوزًا من الملايين!!

خامسًا:

يقول «شحرور»:

[فالتعددية المسموحة ذات مفهوم اجتماعي وليس جنسي، هدفها وجود رجل إلى جانب الأرملة يعينها على تربية أبنائها].

# القاصمة «٤»:

هذا في حالة واحدة فقط:

إذا كان هذا الرجل «على المعاش»، لا شغلة له ولا مشغلة، وقاعد جنب زوجه «الأرملة أم اليتامى» متفرغ لتربية أولادها!!

«أَفَلا تَعْقِلُونَ»؟!

إن الذي يريد أن يقف على حكم التعامل مع «اليتامى»، وليس على حكم التعامل مع «أموالهم»، عليه أن يتدبر الآية «الأصل» والمرجع في هذا الباب، وهي قوله تعالى:

«وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ..»

يُفهم من كلمة «وَيَسْأَلُونَكَ» أن هناك إشكال كان يتعلق بالتعامل مع اليتامى ومخالطتهم، وصور «المخالطة» كثيرة، ومنها «النكاح».

ثم تدبروا «فعل الشرط» و«جواب الشرط»، في قوله تعالى:

«وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ … فَـ إِخْوَانُكُمْ»

تماما كقوله تعالى:

«وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى … فَـ انكِحُوا..»

أي «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى» إن فكرتم في «نكاحهن»، فابتعدوا تماما عنهن وانكحوا نساءً غيرهن.

ونلاحظ أن السياق القرآن المتعلق بـ «اليتامى» يتحدث عنهم وليس عن «أمهاتهم»، بقرينة «وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ».

فإذا ذهبنا إلى قوله تعالى:

«قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ»

وجدناه يشمل جميع أنواع الرعاية الممكن تصورها، بما ذلك تربيتهم وتعليمهم وحفظ أموالهم وتنميتها…، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين.

فإذا تدبرنا قوله تعالى بعدها:

«وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ»

نجد أنه حصر «المخالطة» في «اليتامى المسلمين» فقط، بقرينة «فَإِخْوَانُكُمْ»، أي فـ «إخوانكم في الإسلام».

ولما كان «النكاح» صورة من صور «المخالطة»، حرّم الله أن يكون بين غير «يتامى المسلمين»، لتأكيد معاني «الأخوة الإيمانية»، والألفة والمحبة.

فإن كانت «اليتيمة» من المشركات تحرم «المخالطة» ويحرم «النكاح»، وهذا ما بينته الآية التالية مباشرة، حيث يقول الله تعالى:

«وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ..»

إذن فالقول بأن المقصود من قوله تعالى:

* «فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ»

نكاح «أمهات اليتامى الأرامل» لا أساس له من الصحة، ولا حتى في قاموس «الهوس الديني»!!

«يتبع»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى