على صفحته الرسمية، في ٣٠/ ٤/ ٢٠١٤، بعنوان «التعددية الزوجية»، يقول «د. محمد شحرور»:
[إن الله تعالى يقول:
«وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا»
وفي الآية التي تسبقها يتحدث عن اليتامى ويأمر الناس بإيتائهم أموالهم، ثم يتابع حديثه ليأمرهم بأن يتزوجوا أمهاتهم «الأرامل» في حالة الخوف من القسط فيهم].
ثم يقول:
[إذا هناك شرطان للتعددية:
الأول: أن تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أرملة ذات أولاد.
الثاني: أن يتحقق الخوف من عدم الإقساط إلى اليتامى.
ويقول:
والله تعالى أمر بإعفاء الرجل من المهر والصداق حين الزواج من أمهات اليتامى].
ويستدل على ذلك بقوله تعالى:
«وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً»
ويقول:
[والنساء هنا جمع امرأة أي الأنثى التي بلغت النكاح، أي لا يصح القول إن يتامى النساء هي النساء اليتيمات، واليتيم يسقط حكماً مع بلوغ سن النكاح].
ويستدل على ذلك بقوله تعالى:
«وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا..»
ويقول:
[فالتعددية المسموحة ذات مفهوم اجتماعي وليس جنسي، هدفها وجود رجل إلى جانب الأرملة يعينها على تربية أبنائها].
أولًا:
إن كل القراءات القرآنية التي يصفها «شحرور» بـ «المعاصرة»، وأصفها أنا بـ «الإلحادية»، تهدف أولًا إلا إسقاط جميع «أحكام القرآن»، التي يُسمّيها هو بـ «أحكام الكتاب».
فهو يرى أنه لا قدسية «لأحكام الكتاب»، وإنما القدسية «لآيات القرآن»، وقد انطلق من هذه البدعة الشيطانية ينشر قراءاته بين الناس، وكان من الطبيعي أن يجد الآلاف يُعجبون بها!!
السبب معروف ومنطقي، طبعا بالنسبة لهم!!
صحيح أن هناك عشرات المنشورات في إثبات تهافت هذه «البدعة الشيطانية»، ولكن المشكلة أن المعجبين بها ينظرون إلى «النتائج» التي أعجبتهم، دون النظر إلى «المقدمات» التي أسفرت عن هذه «النتائج».
ولذلك رأيت، قبل الحديث عن «التعددية الزوجية» من وجهة نظر «شحرور»، من الضروري إلقاء نظرة على تهافت هذه «المقدمات»، وبيان استحالة أن يقبل عاقل «النتائج» التي أسفرت عنها.
ثانيًا:
لقد بدأ «محمد شحرور» قراءاته المعاصرة بـ «الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة»، وقد خالف فيه ليس فقط أصول ومنهج البحث العلمي، وإنما أيضًا أصول علم المنطق.
لقد عزل «محمد شحرور» كلمات القرآن عن «مُسمّياتها» التي تعهد الله بحفظها إلى يوم الدين، وذهب يقبل «مُسمّيات» الكلمات التي تخدم قراءاته، وابتدع «مُسمّيات» جديدة للكلمات التي وقفت عقبة أمامه.
ولقد كان أول طريق أن يضع «القواعد» التي يقيم عليها قراءاته المعاصرة لآيات التنزيل الحكيم، وذهب يُقسمها إلى:
«آيات الكتاب» – و«آيات القرآن»
# أقول:
١- وماذا عن قوله تعالى:
«الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ»
هل العطف هنا من باب عطف «الخاص» الذي هو «القرآن»، على «العام» الذي هو «الكتاب»؟!
أم أن العطف لذاتين متغايرين تماما، وفي هذه الحالة يستحيل أن تكون ذات «القرآن» داخل ذات «الكتاب»؟!
٢- وماذا عن قوله تعالى:
«طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ»
فهل العطف هنا أيضا من باب عطف «الخاص» الذي هو «الكتاب»، على «العام» الذي هو «القرآن»، وبذلك يصبح «القرآن» هو الأصل و«الكتاب» جزء منه؟!
أم أن العطف لذاتين متغايرين تماما، وفي هذه الحالة يستحيل أن تكون ذات «الكتاب» داخل ذات «القرآن»؟!
# النتيجة: تهافت وسقوط ما ذهب إليه «شحرور» من التفريق بين «الكتاب» و«القرآن».
ثالثًا:
لقد ظن «شحرور» أن الله عندما قال عن «الكتاب»:
«ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ»
وعن «القرآن»:
«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ»
فإن هذا يعني:
١- أن «الكتاب»: اشتمل على أحكام العبادات والمعاملات والأخلاق، لأن تفعيلها في حياة الناس مرتبط بـ «التقوى»!!
٢- وأن «القرآن»: اشتمل على الصورة الكونية وثوابت العقيدة، لذلك فهو للمتقين وغير المتقين.
# أقول:
وماذا عن قوله تعالى:
* «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ»
لقد بيّن الله «الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى» للناس في «الكتاب»، وليس في القرآن فقط!!
# النتيجة: جهل «شحرور» بمنهج «الاستقراء العلمي»، واتخاذه منهج «الانتقاء العشوائي» قاعدة تقوم عليها قراءاته المعاصرة!!
رابعًا:
إن أسماء «الأعلام» لها مدلولاتها، أي «مُسمّياتها» الثابتة المحفوظة بحفظ الله لها إلى يوم الدين، سواء عُرّفت بـ «أل» التعريف أم لم تُعرف.
مثال: كلمة «شمس» يستحيل أن يتغير «مُسمّاها» سواء عُرّفت بـ «أل» التعريف «الشمس» أم بقيت دون تعريف «شمس».
كذلك كلمة «قرآن» اسم «علم» يدل على شيء واحد هو «كتاب الله» الذي حمل «الآية العقلية القرآنية» الدالة على صدق رسول الله محمد، وقد حفظه الله تعالى بحفظه لـ «الكتاب»، لذلك يستحيل أن يكون جزءً من «الكتاب»!!
وبرهان ذلك قوله تعالى في سورة «ص»:
* «ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ . بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ»
فهذا قسم استخدم فيه لفظ «القرآن»، في سياق بيان مواقف الكافرين على مر الرسالات:
* «كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ – وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ»
فإذا تدبرنا سياق الآيات حتى نصل إلى قوله تعالى:
* «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ»
لن نجد أنه حمل حكمًا واحدًا من «أحكام القرآن»، ومع ذلك أشار الله إلى ما ورد في هذا السياق بقوله بعدها:
* «كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ»
فكيف يكون «الكتاب» غير «القران»؟!
# النتيجة: إذن فتعريف «شحرور» لـ «الكتاب» وتعلقه بـ «التقوى»، وقوله إنه «الحاوي لأحكام العبادات والمعاملات والأخلاق..»، لا أساس له من الصحة!!
خامسًا:
ولقد وصف الله التنزيل الحكيم بـ «القرآن» ليكون «اسم علم» على «مُسمّى» هذا «التنزيل» الذي جعله الله برهانًا على صدق «نبوة» رسوله محمد، فقال تعالى:
«قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً»
١- فهل كان المطلوب من الإنس والجن «أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ» «الشحروري»، أي بجزء فقط من «التنزيل الحكيم»؟!
فماذا سيفعل «الكافرون» عندما يعلمون أن «التنزيل الحكيم» ينقسم إلى:
(أ) جزء «حق» إلى قيام الساعة، وهو «القرآن»؟!
(ب) وجزء، وهو «الكتاب»، يمكن التلاعب فيه وتغييره، حسب القراءات الشحرورية؟!
٢- وعندما قال الله تعالى لرسوله:
* «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ . إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ»
فإلى أي شيء تعود كلمة «به»، والضمائر التي جاءت بعدها:
«قُرْآنَهُ» – «قَرَأْنَاهُ» – «قُرْآنَهُ»؟!
فهل تعود إلى «التنزيل الحكيم» أم إلى جزء منه اسمه «القرآن»؟!
٣- وهل هذا «القرآن» هو نفسه الذي قال الله عنه، في سياق القسم بـ «مواقع النجوم»:
«إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ . لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ . تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ»
وإلى أي شيء يعود الضمير في كلمة «إِنَّهُ» إذا لم يكن إلى «الكتاب المكنون» الذي نزلت نسخته على قلب الرسول الكريم، «تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ»؟!
٤- ثم ماذا سيفعل «شحرور» مع «الجن» الذين سيقدمون له هذه الهدية:
* «وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ»
* «قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى …»
فهل كان «الجن» ينقسمون قسمين:
(أ) قسم متخصص في الصورة الكونية وأصول العقيدة، وهم الذين «يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ»؟!
(ب) قسم متخصص في «أحكام الشريعة»، وهم الذين قالوا «إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً»؟!
٥- وهل عندما أمر الله الناس بتدبر «القرآن» فقال تعالى:
* «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً»
هل معنى هذا أن الناس سيجدون «اخْتِلافاً كَثِيراً» في «الكتاب»؟!
# النتيجة:
هذا هو الهدف الرئيس الذي يسعى «محمد شحرور» إلى نشره بين العالمين، وتوثيقه في الكتب، والذي سعد به «المساكين» الذين لا يعلمون!!
هذه هي «الرسالة» التي يريد «محمد شحرور» أن تصل إلى الناس:
# أن «آيات الكتاب»، التي تحمل «الأحكام» ليست لها قدسية «آيات القرآن»، التي تحمل مسائل العقيدة!!
فلا نتعجب عندما نجد «شحرور» يقرأ «أحكام الكتاب» حسب هواه، ومن ذلك قراءاته الإلحادية لمسألة «التعددية الزوجية».
«يتبع»
محمد السعيد مشتهري