لقد حَمَلَ كتاب الله «الآية العقلية القرآنية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، عليه السلام.
وبناء على هذه «الحقيقة الإيمانية» لا يدخل المرء «دين الإسلام» إلا من باب «الآية العقلية القرآنية»، ذلك بعد إقراره «علميًا» بصدقها.
ولقد أقر قوم رسول الله محمد بصدق «الآية» الدالة على «نبوة» رسول الله محمد، عندما عجزوا عن الإتيان بمثل سورة من سورها، ليس من حيث «الصياغة اللغوية» فقط، وإنما أيضًا بتفاعل كل كلمة من كلماتها مع «مقابلها الكوني» خارجها.
ومن منطلق هذا العجز، آمن من قوم النبي من آمن ودخل «دين الإسلام»، وكفر من كفر جحودًا واستكبارًا:
* «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ»
* «اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ..»
لقد كان «أهل اللسان العربي»، الذين عجزوا عن الإتيان بمثل سورة من سور القرآن، يعلمون أن كل كلمة من كلمات هذه «الآية العقلية القرآنية» لا يمكن أن تحل مكان كلمة أخرى من حيث المعنى، الأمر الذي يدفعنا إلى القول:
# إننا أمام كلمات مُحكمة، لا تحمل اسمًا أو فعلا أو حرفا إلا وقد وضع في المكان الذي لا يصلح فيه غيره.
# وإن «مُسمّى الكلمة» هو المحور الأساس الذي يقوم عليه فهم نصوص «الآية العقلية القرآنية»، والذي أسميه بـ «المقابل الكوني» الموجود خارج «القرآن».
# وإن «السياق القرآني» هو يهدينا إلى التمييز بين «الترادف»، و«التباين»، و«المشترك اللفظي».
أولاً:
«الترادف»:
الرِّدْفُ: ما تبع الشيءَ، وكل شيء تبع شيئًا فهو ردفه. والترادف: التتابع، يقول الله تعالى:
«فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ»
وفي اللغة «الترادف» يعني: كلمات مختلفة لذات واحدة.
تفصيل: أي أن يكون لـ «الذات» الواحدة، «اسم» واحد، له «معنى» واحد، يحمل عدة صفات.
مثال «١»:
الذات الواحدة: «كتاب الله الخاتم» الذي بين أيدي الناس
الكلمات المترادفة: القرآن – الفرقان – النور
الصفات المتعددة:
القرآن: كلام الله المقروء من الكتاب ومن الصدور
الفرقان: كلام الله الذي يفرق بين الحق والباطل
مثال «٢»:
الذات الواحدة: «الدار الآخرة»
الكلمات المترادفة: القيامة – الحاقة – القارعة
الصفات المتعددة:
القيامة: قيام الناس لرب العالمين
الحاقة: وصف ليوم القيامة باعتباره الحق المطلق
القارعة: تَقْرَع القلوب مهابة وخوفًا
ثانيًا:
«التباين»:
أن تكون لكل كلمة شخصيتها المستقلة من حيث «الذات» و«الصفة»، فلكل كلمة «المُسمّى» الخاص بها.
مثال:
الشجرة – البحر – الشمس – الفيل – المسجد – الطائرة – أسد
نلاحظ أنه لا يوجد اتحاد في «المعنى» بين هذه الكلمات، ولا في «الصفات»، إلا من باب «المجاز»، فنقول مثلا:
جاء أحمد «الأسد»، ومعلوم أن ذات «أحمد» غير ذات «الأسد»، فلا ترادف بينهما في الذوات، وإنما يقع بينهما بالنسبة لصفة «الشجاعة».
ثالثًا:
«المشترك اللفظي»:
عكس «الترادف»، وهو أن يكون للكلمة «الواحدة» معنيان أو أكثر، أو كما يقولون «اتفاق اللفظ واختلاف المعني»:
مثال «١»:
كلمة «العين»، تعني:
عين الناظر، وعين الماء، وعين الشمس، والجاسوس.
فكل كلمة تحمل معنى غير معاني الكلمات الأخرى.
مثال «٢»:
كلمة «خَال»، تعني:
أخ الأم – الشامة السوداء بالجسم – سحاب لا مطر فيه – من أخوات «ظن».
مثال «٣»:
كلمة «قضى» في القرآن:
* «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ..»:
أي أمر وحكم.
* «فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ..»:
أي أنهى المدة.
* «فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ..»:
أي قَدْرهُن.
رابعًا:
الضوابط الحاكمة للمصطلحات السابقة:
١- «مُسمّى» الكلمة الموجود خارج القران.
٢- «السياق» الَّذي وردت فيه الكلمة وتناغمه مع معناها.
٣- تحديد المعنى «المرْكزي»، الذي هو لبِّ المعنى، الذي تدور حوله المشتركات اللفظية، لاختيار المعنى المناسب المتفرع عنه.
مثال: كلمة «هلال»:
المعنى المركزي: «الهلال» بشكْلِه الفلكي المعروف.
يتفرع عنه:
# رأيتُ «هلال الليلة»: شاهد الهلال في السماء.
# لم يبق إلا «هلال في الحوض»: أي من الماء الصافي.
# باع «الإبل الهلال»: أي الهزيلة.
خامسًا:
إن علينا أن نسأل الذين يُشكّكون في حفظ الله لكتابه الخاتم، بدعوى أن به أخطاء لغوية وبلاغية، ونقول لهم:
١- هل تؤمنون بأن «البرهان» على صحة نسبة هذا القرآن إلى الله، أن يعجز «أهل اللسان العربي» أن يأتوا بسورة من مثله؟!
فإن قالوا: نعم، نسألهم:
٢- وهل القرآن الذي عجز أهل اللسان العربي أن يأتوا بسورة من مثله هو هذا القرآن الذي بين أيدي الناس اليوم؟!
فإن قالوا: لا ندري، أو ليس هو.
هنا تصبح القضية لا علاقة لها بالشبهات التي يقذفونها في وجه «المساكين» الذين يصدقونها.
وإنما القضية في أن عليهم أن يثبتوا أولًا لأنفسهم مدى صحة نسبة هذا القرآن إلى الله تعالى.
وحتى يُقدّموا لنا النتائج التي توصّلوا إليها:
عليهم أن يقطعوا علاقتهم تماما بهذا القرآن، الذي لا يعلمون عنه شيئًا، هذا إذا كانوا من «العقلاءً»!!
٣- وإن قالوا نعم، إن الكتاب الذي بين أيدينا اليوم هو ذات الكتاب الذي كان بين يدي رسول الله، نقول لهم:
إذن فالقضية تكمن في قلوب المسلمين الذين يجهلون كيف يتعاملون مع هذا القرآن باعتباره «الآية العقلية» المعاصرة للناس جميعا اليوم.
قرأت منشورًا، لم ير صاحبه حلًا لمعنى قوله تعالى:
«فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ»
إلا أن يحذف كلمة «وَاضْرِبُوهُنَّ»!!
وهو يؤكد ويقسم ويحلف إن هذه الكلمة لم تنزل على رسول الله!!
ثم يطلب مني بعض الأصدقاء ألا أشغل نفسي بهؤلاء الشياطين!!
ويبدو أنهم لا يعلمون أن الله تعالى يقول:
«إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ»
«عَدُوٌّ مُبِينٌ»: لن يهدأ حتى يدخل المؤمنين جميعًا «منظمة الإلحاد العالمية» التي صنعها بيديه!!
فهل أنتم راغبون؟!
محمد السعيد مشتهري