نحو إسلام الرسول

(111) 12/1/2014 (من الذي “مثله كمثل الكلب”؟)

لقد وردت كلمة “كلب”، في سياق الذم، في قوله تعالى في سورة الأعراف: “… فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ [الْكَلْبِ] إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ”…، فمن هو هذا الإنسان الذي شبهه الله تعالى بـ “الكلب”؟!
أولا: يبدأ السياق القرآني، الذي وردت فيه هذه الكلمة، من الآية [172] حيث يقول الله تعالى: “وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا…”، وحتى الآية [179] من سورة الأعراف. والآيات [172- 174] تحدثت عن فتنة “الآبائية”، وكيف أنها تصيب الإنسان بمرض الشرك والغفلة عن ميثاق “الربوبية”، وعن “فطرة الوحدانية”…، فإذا بمن كرمهم الله تعالى بنعمة “الاختيار”، يختارون اتباع ملة الشرك التي وجدوا آباءهم عليها، فأدخلتهم جهنم جميعا: “…أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [173]. “وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [174].
ثانيا: إن ميثاق “الربوبية”، وفطرة “الوحدانية”، يقودان الإنسان إلى التصديق بدلائل “الوحدانية”..، ودلائل “الوحدانية” تقود الإنسان إلى الإيمان بصدق “النبوة”..، والتصديق بـ “النبوة” يقود الإنسان إلى الإيمان بـ “الآيات” المنزلة على النبي…، وكل ذلك عن طريق تفعيل آليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر…، آليات عمل القلب، القاعدة الرئيسة التي يقوم عليها إسلام المرء، كما قال تعالى في سورة المؤمنون: “وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ”.
إن الذي لم يُفعّل آليات عمل قلبه، لن يقف على التفاعل القائم بين ميثاق “الربوبية” الذي حمله قلبه، وبين دلائل “الوحدانية” التي حملها الكون من حوله، ولن يقف على دلائل صدق “النبوة”..، فتكون النتيجة أن يكفر بالآيات المنزلة على الرسل. لذلك جاء التعبير القرآني البليغ بتشبيه هذا الإنسان بمن كان يرتدي لباسا [هو الآيات] فكان الشيطان آيسا منه لأنه محصن بالعلم، والتفكر، والتعقل والتدبر،…، فعندما انسلخ من هذا اللباس [الآيات] كان فريسة لإغواء الشيطان، فأصبح من الضالين: “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ [175].
ثالثا: إن كرامة الإنسان وعلو شأنه، عند الله تعالى، في تفعيل آليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر…، آليات عمل القلب، وعلى هذا الأساس خلقه الله مختارا. ولقد اقتضت مشيئة الله تعالى أن يرتفع الإنسان بإيمانه بالآيات المنزلة إلى المنزلة العليا، بإرادته، واختياره، وبتفعيله لآليات عمل قلبه، ولكنه اختار أن يخلد إلى الأرض، فكان مثله كمثل الكلب اللاهث، إن تركته لهث، وإن طردته لهث، وهؤلاء إن وعظتهم ضلوا وإن تركتهم ضلوا!! لذلك صار الذين انسلخوا من آيات الله بمنزلة الكلاب، فتدبر:
“وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ [كَمَثَلِ الْكَلْبِ] إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ [الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا] فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [176]. سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ [الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا] وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ [177] مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ [178].
رابعا: إن المكذبين بآيات الله، الذين شبههم الله بالكلب اللاهث، هم أهل جهنم، لأنهم لم يقفوا على ما في أنفسهم من ميثاق “الربوبية”، ومن فطرة “الوحدانية”، ولم يؤمنوا بصدق “النبوة”، ولا بصدق “الآيات” المنزلة على الرسل، وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا…، وكل هذا بسبب عدم تفعيلهم لآليات عمل قلوبهم، فلم يفقهوا قولا، ولم يبصروا نورا، ولم يسمعوا حقا… [أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ] بل هم أضل، لذلك قال تعالى بعدها:
“وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ [قُلُوبٌ] لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ [أَعْيُنٌ] لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ [آذَانٌ] لا يَسْمَعُونَ بِهَا [أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ] بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ [179].
إن محل الفقه هو القلب، والفقه هو النظر في دلائل “الوحدانية”، وإثبات “النبوة”، وما تفرع عن ذلك من إيمان بالرسل، والآيات المنزلة عليهم. ولكن، لماذا جعل الله الذين لا يفقهون أضل من الأنعام؟! لأن الأنعام لا تفقه، لأنها خلقت بوسائل إدراك محدودة، تكفيها لأداء مهمتها، أما الإنسان فقد خلق بوسائل إدراك، وآليات للتفكر وللتعقل وللتدبر وللنظر..، ليفقه ما يتلى عليه من آيات الذكر الحكيم، ولا يشرك بها تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان، وعلى أساس نعمة القلب الذي يفقه فضل الله هذا الإنسان على سائر المخلوقات تفضيلا.
إن الأمم التي غُيّبت آليات عمل قلوب أفرادها، فأصبحت لا تفكر، ولا تعقل، ولا تتدبر، ولا تنظر..، كيف تعالج تخلفها عن مسيرة التقدم الحضاري وليس لها قلب يفقه، ولا آذان تسمع ولا أعين تبصر؟!! إنها أكثر وأشد ضلالا من الأنعام!! فإذا أضفنا إلى ذلك الانسلاخ من آيات الذكر الحكيم، وافتراء الكذب على الله ورسوله، فماذا تظن أن يكون مصيرها؟!

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى