أولًا:
عندما يتحدث السياق عن «القرآن» الذي بين أيدي الناس، يخاطبهم باسم الإشارة «هذا» الدال على القريب:
١- «قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» الأنعام /١٩
٢- «وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ» يونس /٣٧
٣- «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ» يوسف /٣
٤- «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً» الإسراء /٩
٥- «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً» الإسراء /٤١
٦- «قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً» الإسراء /٨٨
٧- «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً الإسراء /٨٩
٨- «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً الكهف/ ٥٤
٩- «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً» الفرقان /٣٠
١٠- «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» النمل /٧٦
١١- «وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ» الروم /٥٨
١٢- «وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» الزخرف /٣١
١٣- «لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» الحشر /٢١
١٤- «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ» سبأ /٣١
١٥- «وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» الزمر /٢٧
١٦- «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ» فصلت /٢٦
ثانيًا:
وعندما يتحدث السياق عن «القرآن» باعتباره:
١- «الآية العقلية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد.
٢- والتي حملها كتاب الله الخاتم.
٣- الذي يستحيل أن يأتيه الباطل إلى يوم الدين.
يأتي بالاسم الْعَلَم الذي هو «الكتاب»، الذي يحوي «كلام الله» الذي أنزله على الرسل جميعًا، والمُدّون في «الصحف».
ولقد أشار الله إلى القرآن باسم «الكتاب»، يسبقه اسم الإشارة «ذلك» لبيان أن الحديث عن شيء «أبعد»، كناية عن استحالة أن يمس هذا الكتاب إنس ولا جان:
«ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ»
# ولماذا هذه الاستحالة؟!
لأن «الكتاب» لا يعني فقط القرآن المقروء المُدوّن في المصحف، وإنما أيضًا «مقابله الكوني» الموجود خارج القرآن الذي هو «مُسمّيات» الكلمات التي يستحيل فهم الكتاب بمعزل عنها.
ثالثا:
إن الذي يريد أن «يُلحد» في الآيات المقروءة، أي في «القرآن»، فهذه حريته، ولكن يجب أن يكون «ذكيًا»، فلا يُلحد في شيء لا معنى له، ويترك الإلحاد في «مقابلها الكوني» الذي هو الميدان الحقيقي للإلحاد!!
إنهم يضحكون على العالم الأوروبي الذي يجهل الفرق بين «الاسم» و«المسمى»، ويسعدون بتصفيق «الجهال» لهم، ولو كنت بينهم لأخرستهم جميعا.
فعندما يقول الله تعالى:
«ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ»
نراهم يتركون الميدان الحقيقي الذي هو محل «التحدي» وهو مقدمة الآية «ذَلِكَ الْكِتَابُ»، ويذهبون يُلحدون في الشوارع الجانبية، فيقولون:
إن «الكتاب» جاء هدى للمتقين، و«القرآن» جاء هدى للناس، إذن فـ «الكتاب» غير «القرآن»!!
رابعًا:
يجب أن نُفرّق بين «التباين» و«الترادف»:
# «التباين»:
مشتق من «بَيَنَ» أي بَعَدُ وانفصل، فنقول:
١- تباين القوم أي «تباعدوا».
٢- وتباين الرجلان أي انفصل كل واحد منهما عن صاحبه.
٣- و«بانت» المرأة أي انفصلت عن زوجها.
و«التباين» بَيْن الكلمات:
معناها أن تستقل كل كلمة بذاتها وبمعناها.
# الترادف:
هو التتابع، فكل شيء تبع شيئًا فهو ردفه، أي تابع له، والرديف: التابع لغيره:
«يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ . تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ»
و«الترادف» لا يقع بين «الكلمات» إلا إذا كانت تابعة لـ «ذات واحدة»، مع استقلال كل كلمة بـ «صفاتها» التي تميّزها عن غيرها.
خامسًا:
مثال «١»:
الذات واحدة: متصلة بفصيلة من الحبوب.
الكلمات: البر – القمح – الحنطة
الصفات: كل كلمة تحمل صفة من صفات هذه الحبوب.
مثال «٢»:
الذات واحدة: متصلة بـ «التنزيل الحكيم»
الكلمات: الكتاب – القرآن – الفرقان – النور
الصفات: كل كلمة تحمل صفة من صفات التنزيل:
(أ) الكتاب: كلام الله «المكتوب» في الصحف، وليس المحفوظ فقط في الصدور.
(ب) القرآن: كلام الله «المقروء» من الكتاب ومن الصدور.
(ج) الفرقان: كلام الله الذي «فَرّقَ» الله به بين الحق والباطل.
مثال «٣»:
الذات واحدة: متصلة بـ «الدار الآخرة»
الكلمات: القيامة – الحاقة – القارعة
الصفات: كل كلمة تحمل صفة من صفات الآخرة:
فـ «القيامة»: يوم يقوم الناس لرب العالمين
والحاقة: وصف ليوم القيامة باعتباره الحق المطلق
والقارعة: وصف ليوم القيامة باعتبار الأحداث التي «تَقْرَع» القلوب مهابة وخوفًا، كما يقرع الصوت العالي الأسماع.
مثال «٤»:
فإذا انفصلت «الذوات» و«الصفات» فهذا معناه «تباين» وليس «ترادف»، حتى نخرج على الناس ونقول لهم:
إن أهمية أن ننكر وجود ترادف في القرآن أن نكتشف أن «الكتاب» غير «القرآن»!!
لقد اعتبر هؤلاء «الأذكياء» أن «الكتاب» و«القرآن» و«الفرقان» و«النور» و«الحكمة» …، ذوات منفصلة متباينة، ولم ينتبهوا إلى أنها صفات لذات واحدة.
لقد تعاملوا مع «صفات» التنزيل الحكيم، التي جاء بألفاظ «متعددة»، كما يتعاملون مع هذه الكلمات:
الشجرة – البحر – الشمس – الفيل – المسجد – الرجل – المرأة – الطائرة …. إلى آخره.
إن كل هذه الكلمات ذوات مختلفة بصفات مختلفة، فيستحيل أن يقع بينها «ترادف».
أما إذا نظرنا إلى هذه الكلمات من منطلق أنها «آيات الله في الآفاق والأنفس»، هنا تصبح «مترادفات» تابعة لـ «ذات واحدة»، وهي «الآيات الكونية».
والقاعدة:
لقد جعلنا هذه الكلمات «مترادفة» بالنظر إلى تتابع دلالتها عن ذات واحدة وهي «آيات الله في الآفاق والأنفس».
محمد السعيد مشتهري