تحت مقال «سبيلنا إلى معرفة ما لم يذكره القرآن عن الحج»، كتب الصديق Salim El Kurdiتعليقًا فهمت منه أنه لم يدرس «منظومة التواصل المعرفي» دراسة علمية جادة، مع أنها هي القاعدة التي أقمت عليها مشروعي الفكري.
فلا يصح مطلقا أن يناقشني أحد في محتوى منشور من منشورات الصفحة، دون أن يكون على علم بالمنهج والأدوات التي استخدمها في كتابة المنشورات، وما حملته من براهين قرآنية، وفي مقدمة هذه الأدوات «منظومة التواصل المعرفي».
فكيف يناقشني في البناء من لا يقبل القاعدة التي قام عليها وهي:
«منظومة التواصل المعرفي»؟!
إن الذي يؤمن بأن القرآن «كلام الله»، ويؤمن بقوله تعالى:
«إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً… مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ»
ثم لا يجد في كتاب الله أي معلومات عن هذه الشهور غير «عددها»، وغير اسم واحد منها هو «رمضان».
فمن أين سيأتي بهذه المعلومات؟!
أولًا:
إن الذي يعلم قواعد اللغة العربية وأصولها، يعلم أن مجيء «أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ» غير مُعرّفة بألـ «التعريف»، يعني أنها موجودة بين الشهور الـ «اثْنَا عَشَرَ».
ولكن أين موقعها، وهل هي «مُجمّعة» أم «مُفرّقة»، لا يعلم.
إذن فمن أين سيأتي بأسماء «عِدَّةَ الشُّهُورِ» الـ «اثْنَا عَشَرَ»، وبأسماء الـ «أَرْبَعَةٌ الحُرُمٌ»، وكيف يعلم هل هي مُجمّعة أم مُفرّقة؟!
فإذا اتفقنا على أن المصدر المعرفي الذي يُمد الناس جميعًا بمثل هذه المعلومات هو:
«منظومة التواصل المعرفي»
وقبلنا أن نأخذ منه ما يتعلق بأحكام «دين الإسلام»، وخاصة ما يتعلق بعدة الشهور القمرية الـ «اثْنَا عَشَرَ»، فهل من المنطق أن نأخذ من هذه المنظومة «أسماء» الشهور، ونترك «مُسمّياتها»؟!
قد لا يعلم كثير من الأصدقاء، بل ومعظم المسلمين، أن المصدر الوحيد لـ «مُسمّيات» كلام الله المُدوّن في الكتاب المقروء، هو «منظومة التواصل المعرفي».
لذلك فإن الذي يريد أن يرفض «منظومة التواصل المعرفي» عليه أن يرفضها كلها، بكل ما حملت، وطبعا لا يوجد عاقل على هذه الأرض يملك رفضها لأن هذا معناه أنه يرفض وجوده أصلًا!!
ومن هؤلاء الذين يرفضون وجودهم أصلًا، الذين يقبلون فريضة «الحج»، ويذهبون إلى «مكة» لتأدية مناسكه، ثم يرفضون «منظومة التواصل المعرفي»!!
فيا أيها العاقل:
كيف تقبل أن تذهب لتأدية فريضة الحج في شهر «ذي الحجة» وهذا الاسم «ذو الحجة» لا وجود لـ «مُسماه» أصلًا في القرآن؟!
فهل الله هو الذي أخبرك أم «منظومة التواصل المعرفي»؟!
ثانيًا:
ومع أن من شروط التعليق على منشورات الصفحة:
١- ألا تحمل تعليقات الأصدقاء أي إحالات لمنشورات أو لمقالات الغير.
٢- ويجب أن يكون موضوع التعليق حول ما جاء في المنشور فقط.
٣- وأن من يريد أن أطلع على موضوعات الغير يرسلها لي على الخاص.
ومع هذا حمل تعليق الصديق مقالًا مطولًا على ثلاثة أجزاء، لكتاب لم يذكر اسمه، وكل ما أراد بيانه هو تفسير الآيات «١-٥» من سورة التوبة، ليصل إلى نتيجة:
أن الـ «أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» المذكورة في «الآية ٢» من سورة التوبة:
«فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ»
هي نفسها المذكورة في «الآية ٣٦» من السورة:
«إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً .. مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ»
ولقد قلت وأقول وسأقول:
بدون منهجية علمية، تحمل أدوات لفهم القرآن، مستنبطة من ذات النص القرآني، إياك أن تقترب من دراسة أو فهم هذا القرآن، لأن النتيجة هي «الضلال المبين».
ولقد شهدت هذه الصفحة حوارًا طويلًا مع «عاطف الحاج أحمد» حول موضوع «النسيء» والأشهر الحرم..، ويعلم من كان متابعًا لهذا الحوار، كيف ولى «عاطف الحاج» الأدبار أمام قذائف البراهين القرآنية.
ثالثًا:
إن القول بأن الـ «أَرْبَعَة الحُرُم» التي هي من «الدِّينُ الْقَيِّمُ»، هي نفسها المُهْلَة التي أعطاها الله للمشركين في قوله تعالى:
«فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ»
قولٌ جاهلٌ لا يساوي المداد الذي كُتب به!!
١- ذلك أننا أمام معاهدة قد تبرأ الله ورسوله من الالتزام بها، وأمر الله رسوله الإعلان عن هذه البراءة:
* «بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ»
٢- وأن يكون هذا «الإعلان» أمام الناس جميعًا يوم الحج الأكبر:
* «وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ»
٣- ومنذ اللحظة التي تم فيها هذا الإعلان «الأذان يوم الحج الأكبر»، وإبلاغ المشركين والناس جميعًا بموضوعه:
* «فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ – وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ – وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ»
بدأ «العداد» في حساب «مهلة» الـ «أَرْبَعَةَ أَشْهُر» التي «يَحْرُم» على المسلمين قتال المشركين خلالها، تماما كتحريم القتال في «الأشهر الحرم» الثابتة.
رابعًا:
من أجل ذلك سَمّى الله مهلة الـ «أَرْبَعَةَ أَشْهُر» بـ «الأَشْهُرُ الْحُرُمُ»، وجاءت مُعرّفة بالـ «التعريف»، إشارة إلى الإعلان الذي تم «يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ»، وأن من حق المشركين السياحة «فَسِيحُوا» بين الناس دون أن يتعرض لهم أحد بأذى.
١- فإذا انتهت مهلة الـ «أَرْبَعَةَ أَشْهُر» التي «حرّم الله» خلالها قتال المشركين، ولم يجلسوا على مائدة المفاوضات، إذن فالقتال، قال تعالى:
* «فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ»
٢- إن استخدام لفظ «انسَلَخَ» مسبوقًا بـ «فَإِذَا»، يُبيّن أن هذه الجملة متعلقة بأقرب مذكور وهو قوله تعالى:
«فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ..»
وقد جاءت «أَرْبَعَةَ أَشْهُر» غير مُعرّفة، إذن فلا علاقة مطلقا بين انسلاخ أشهر المهلة الأربعة «المُحرّم» فيها قتال المشركين، وبين «الأشهر الحرم» الأربعة الثابتة.
٣- إن «يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ»، الذي تم الإعلان فيه عن بداية مهلة الـ «أَرْبَعَةَ أَشْهُر» يقع في شهر «ذي الحجة».
فتعالوا نحسب مهلة الـ «أَرْبَعَةَ أَشْهُر» التي «حرّم الله» خلالها قتال المشركين، بداية من «التاسع من ذي الحجة» الذي هو يوم عرفات، يوم «الحج الأكبر».
فتكون مهلة الـ «أَرْبَعَةَ أَشْهُر» هي:
«ذو الحجة – محرم – صفر – ربيع الأول»
٤- فهل «صفر» و«ربيع الأول» من الأشهر الحرم الأربعة الثابتة؟!
وهل معنى هذا، أن «تحريم القتال» الذي كان يحترمه العرب ويلتزمون به في «الأشهر الحرم»، يستمر حتى يوم «التاسع من ذي الحجة»، وما قبله يحل القتال فيه، والحجيج في طريقهم إلى عرفات؟!
# الحقيقة:
عندما تكون القواعد التي يقوم عليها البناء الفكري الديني للمسلمين «متهافتة» فإن كل ما يبنى عليها يسقط بنفخة هواء!!
محمد السعيد مشتهري